عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: استعمال السبحة في الذكر «جائز شرعًا».. ولا عبرة بمن يقول إنها بدعة

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

أوضح فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، حكم استعمال السبحة في الذكر، وهل استعمالها بدعة لأنها لم تكن على عهد سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم كما يزعم البعض، أم أنه مباح؟

تحيا مصر 

حكم استعمال السبحة في الذكر

وقال مفتي الديار المصرية: إن استعمال السبحة في الذكر جائزٌ، بل ومندوبٌ إليه شرعًا؛ لأنه وسيلةٌ إلى ذكر الله تعالى، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ فوسيلة المندوب مندوبة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد عن الصحابة والتابعين من غير نكير، ولا عبرة بمن يدَّعي بِدْعِيَّتَهُ، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الأقوال التي لا سند لها من عقلٍ أو نقل.

والسبحة هي: الخرزات التي يَعُدّ بها المسبح تسبيحه وذِكرَه، والذكر بالسبحة وغيرها مما يُضْبَطُ به العَدُّ أمر مشروع أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجرى عليه عمل السلف الصالح من غير نكير:

فعن أم المؤمنين صَفِيَّةَ بنت حيي رضي الله عنها قالت: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا، فَقُلْتُ: لَقَدْ سَبَّحْتُ بِهَذِهِ، فَقَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ» فَقُلْتُ: بَلَى عَلِّمْنِي، فَقَالَ: «قُولِي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ» أخرجه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ فَقَالَ: «أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ؟ قولي: سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرْضِ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَسُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِثْلَ ذَلِكَ» أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.

وعن القاسم بن عبد الرحمن قال: «كانَ لأبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه نَوًى مِنْ نَوَى الْعَجْوَةِ في كِيسٍ، فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أَخْرَجَهُنَّ وَاحِدةً يُسَبِّحُ بِهِنَّ حَتَّى يَنْفَدْنَ» أخرجه الإمام أحمد في كتابه (الزهد).

وعن نعيم بن المحرر بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة رضي الله عنه: «أنه كان له خَيْطٌ فِيه أَلْفَا عُقْدَةٍ، فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ بِهِ». أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في (زوائد الزهد)، وأبو نعيم في (الحلية).

وروي مثل ذلك عن سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأبي صفية مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والسيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وغيرهم من الصحابة والتابعين.

آراء المذاهب الفقهية في استعمال السبحة في الذكر

وأضاف فضيلة المفتي، أن الحافظ جلال الدين السيوطي، قال في رسالته (المنحة في السبحة): «فلو لم يكن في اتخاذ السبحة غير موافقة هؤلاء السادة، والدخول في سلكهم، والتماس بركتهم، لصارت بهذا الاعتبار من أهم الأمور وآكدها، فكيف بها وهي مُذَكِّرة بالله تعالى؛ لأن الإنسان قل أن يراها إلا ويذكر الله، وهذا من أعظم فوائدها، وبذلك كان يسميها بعض السلف رحمه الله تعالى، ومن فوائدها أيضًا الاستعانة على دوام الذكر كلما رآها ذكر أنها آلة للذكر فقاده ذلك إلى الذكر فيا حبذا سبب موصل إلى دوام ذكر الله عز وجل.. ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروها».

وقد ألف كتابًا في مشروعية الذكر بالسبحة جماعة من العلماء منهم: الحافظ السيوطي في (المنحة في السبحة)، والشيخ محمد بن علان الصديقي في (إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح)، والعلامة أبو الحسنات اللكنوي في (نزهة الفكر في سبحة الذكر).

وأكد مفتي الديار المصرية، أن المذاهب الفقهية الأربعة نصت على مشروعية اتخاذ السبحة والذكر بها، بل واستحباب ذلك.

حكم استعمال السبحة في الذكر عند فقهاء المذهب الحنفي:

قال العلامة ابن نجيم الحنفي في (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) في تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم التسبيح بالحصا أو النوى: «فلم ينهها عن ذلك وإنما أرشدها إلى ما هو أيسر وأفضل ولو كان مكروها لبين لها ذلك ثم هذا الحديث ونحوه مما يشهد بأنه لا بأس باتخاذ السبحة المعروفة لإحصاء عدد الأذكار إذ لا تزيد السبحة على مضمون هذا الحديث إلا بضم النوى ونحوه في خيط ومثل هذا لا يظهر تأثيره في المنع فلا جرم إن نقل اتخاذها والعمل بها عن جماعة من الصوفية الأخيار وغيرهم اللهم إلا إذا ترتب عليها رياء وسمعة فلا كلام لنا فيه وهذا الحديث أيضًا يشهد لأفضلية هذا الذكر المخصوص على ذكر مجرد عن هذه الصيغة ولو تكرر يسيرًا».

حكم استعمال السبحة في الذكر عند المالكية:

وفي المذهب المالكي؛ قال القاضي عياض المالكي في (الغنية): «وأخبرنا -يعني: الحافظ علي بن المشرف الأنماطي- رحمه الله، فيما كتبه لنا قال: سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: سمعت أبا الحسن ابن المرتفق الصوفي يقول: سمعت أبا عمرو ابن علوان وقد رأيت في يده سبحة فقلت: يا أستاذ مع عظيم إشارتك وسَنِيِّ عبارتك وأنت مع السبحة! فقال لي: كذا رأيت الجنيد بن محمد وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت أستاذي بشر بن الحارث وفي يده سبحة، فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت عامر بن شعيب وفي يده سبحة، فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: كذا رأيت أستاذي الحسن بن أبي الحسن البصري وفي يده سبحة فسألته عما سألتني عنه، فقال لي: يا بني هذا شيء كنا استعملناه في البدايات ما كنا بالذي نتركه في النهايات، أحب أن أذكر الله تعالى بقلبي ويدي ولساني».

حكم استعمال السبحة في الذكر عند الشافعية:

جاء في (الفتاوى الفقهية الكبرى) للعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي: «وسئل -رضي الله عنه-: هل للسبحة أصل في السنة أو لا؟ فأجاب بقوله: نعم، وقد ألف في ذلك الحافظ السيوطي؛ فمن ذلك ما صح عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعقد التسبيح بيده، وما صح عن صفية رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: مَا هَذَا يَا بِنْتَ حُيَيٍّ؟ قلت: أسبح بهن، قال: قَدْ سَبَّحْت مُنْذُ قُمْت عَلَى رَأْسِك أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، قلت: علمني يا رسول الله قال: قُولِي سُبْحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي: عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ، وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوْحِيدَ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ وَمُسْتَنْطَقَاتٌ. وجاء التسبيح بالحصى والنوى والخيط المعقود فيه عقدٌ عن جماعة من الصحابة ومَن بعدهم، وأخرج الديلمي مرفوعًا: «نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ».

وقال العلامة محمد بن علان في (الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية): «ولهذا اتخذ أهل العبادة وغيرهم السبح. وقال أهل العلم: ينبغي أن يكون عدد التسبيح باليمين. وفي (شرح المشكاة) لابن حجر: ويستفاد من الأمر بالعقد المذكور في الحديث ندب اتخاذ السبحة، وزعم أنها بدعة غير صحيح، إلَّا أن يحمل على تلك الكيفيات التي اخترعها بعض السفهاء مما يمحضها للزينة أو الرياء أو اللعب».

حكم استعمال السبحة في الذكر عند المذهب الحنبلي:

قال الحافظ ابن الجوزي الحنبلي: «إن السبحة مستحبة؛ لِمَا في حديث صفية رضي الله عنه أنها كانت تسبح بنوى أو حصى، وقد أقرها صلى الله عليه وآله وسلم على فعلها، والسبحة في معناها؛ إذ لا يختلف الغرض عن كونها منظومة أو منثورة».

وقال ابن تيمية الحنبلي في (مجموع الفتاوى): «وَعَدُّ التسبيح بالأصابع سنة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: سَبِّحْنَ واعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات. وأما عَدُّهُ بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة رضي الله عنهم من يفعل ذلك، وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح به».

التسبيح بالسبحة مندوبٌ إليه شرعًا

واختتم فضيلة مفتي الديار المصرية: «الخلاصة، وبناءً على ما سبق ذكره من أدلة؛ فالتسبيح بالسبحة جائزٌ، بل ومندوبٌ إليه شرعًا؛ لأنه وسيلةٌ إلى ذكر الله تعالى، والوسائل لها أحكام المقاصد؛ فوسيلة المندوب مندوبة، وقد أقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وورد عن الصحابة والتابعين من غير نكير، ولا عبرة بمن يدَّعي بِدْعِيَّتَهُ، ولا ينبغي الالتفات إلى هذه الأقوال التي لا سند لها من عقلٍ أو نقل».

تابع موقع تحيا مصر علي