عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء: قول «مدد يا حسين» جائز شرعًا.. هناك أفعال منسوبة إلى الله يصح إسنادُها إلى المخلوقين.. وأرواح الأموات تتوسط في قضاء مصالح الأحياء

تحيا مصر

هل طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين - سواء الأحياء منهم أو المنتقلين - من الأمور الجائزة شرعًا، أم أنها محرمة وكل من يفعلها يكون مشركًا بالله كما يروج هذا عناصر التيار السلفي؟ وما حكم قول: مدد يا فلان؛ كقول: مدد يا رسول الله، أو مدد يا حسين؟ وهل هناك إثم على مَن يقول ذلك؟

كثيرًا من الأفعال المنسوبة إلى الله يصح إسنادُها إلى المخلوقين

وحول هذا؛ أوضحت دار الإفتاء المصرية، أن الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد؛ فإن إسلامه قرينة قوية توجب حملَ أفعاله المحتملة على ما يوافق عقيدته، ولا يجوز حملها على خلاف ذلك، وتلك قاعدة عامة يجب تطبيقُها في كل الأفعال الصادرة من المسلمين.

وقد دَلَّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسُنَّة النبوية وإجماع علماء الأمة على أن كثيرًا من الأفعال التي نسبَتْها الشريعة إلى الله تعالى يصح إسنادُها إلى المخلوقين على جهة التسبب والاكتساب، ومن هذه الأفعال (الإمداد)؛ وهو منح المدد وإعطاؤه.

كما أن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإن أهل السنة يعتقدون أنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، وأن الأسباب لا تثمر المسبَّباب بنفسها وإنما بخلق الله لها، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، أما الطلب على جهة الخالقية والتأثير فهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.

طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين جائز شرعًا

وأكدت دار الإفتاء، أن طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء ومنتقلين من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على كونهم سببًا -كالاستعانة بالطبيب على الشفاء من مرض- لا على جهة التأثير والخلق؛ فالأصل حمل أقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة؛ حيث إن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، والأسباب لا تثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها.

ولا إثم على من يقول ذلك: (مدد يا فلان؛ كقول: مدد يا سيدي يا رسول الله، أو مدد يا سيدنا الحسين) فقد ورد من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ما يدل على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، وهذا ما عليه الصحابة والتابعين سلفًا وخلفًا، وما عليه علماء الأزهر الشريف ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون.

أقوال المسلمين وأفعالهم تُحمل على السلامة

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن استغاثة المسلم أو طلبه المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين محمول على السببيةِ لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل. ويتبين وجه الحق والصواب هنا بالكلام في مقامين:

المقام الأول: أن الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأحياء في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ». وإذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين الإدراك -مع ما هم فيه من سوء العاقبة- فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.

المقام الثاني: أن الله تعالى جعل لأرواح الأنبياء والأولياء والمؤمنين في حياة البرزخ مِن سعة التصرف ونفع الأحياء بإذنه تعالى بل وعبادتهم لله تعالى تشريفًا واستجابة دعائهم ما ليس للأحياء.

ضريح سيدنا الحسين

جواز الاستغاثة بالأولياء والصالحين هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه

والقول بجواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون، ولم تكد هذه البدعة -بدعة التكفير بالاستغاثة بالأنبياء والصالحين والاستمداد منهم- تَدبُّ في جسد الأمة حتى انبرى بياطرةَ العلمِ وأساطين الفهم من علماء الأزهر الشريف بالردِّ الوافي والبيان الكافي والدواء الشافي، وبينوا أنها بدعة ضلالة تخالف المنقول والمعقول وما استقر عند علماء المسلمين وعامتهم، وأنها عين منهج الخوارج الذين هم شرار الخلق عند الله، والذين كان أُسُّ ضلالتهم: أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين فجعلوها في المسلمين.

ولمفتي الديار المصرية الأسبق خاتمة المحققين الشيخ العلامة محمد بخيت المطيعي، كلام متين في هذه المسألة؛ حيث يقول في رسالته (تطهير الفؤاد عن دنس الاعتقاد): «وقد تقرر عقلًا ونقلًا: أن توقُّفَ الممكنات بعضها على بعض لنقص في الممكنات لا لعجز في الفاعل جل شأنه، وهذا مما كاد أن يكون بديهيًّا، وكما جاز أن يتوسط حي في قضاء مصلحة حي والفعل لله وحده يجوز أن تتوسط روح ميت في قضاء مصلحة حي أو ميت والفعل لله وحده، والأرواح باقية على الحياة، وأفعالها في عالم الملك إنما تظهر بواسطة البدن ما دام حيًّا بالحياة الحيوانية، فإذا مات وفقد الحياة الحيوانية بقيت نفسه وروحه على حياتها الملكوتية، وتعلقت بجسمه تعلقًا آخر على وجه آخر يعلمه الله تعالى كما دل عليه نعيم القبر وعذابه. فإذا كان الفعل في الواقع ونفس الأمر إنما هو للنفس والروح، والجسم آلة يظهر به الفعل، والروح باقية خالدة، ففعلها باقٍ وتصرفها في أفعالها لا يتغير إلا بعدم ظهور الأفعال بواسطة البدن، فلا مانع عقلًا أن يكون بعض أرواح الأولياء والصالحين بعد موت الأجساد سببًا بدعائها وتوجهها إلى الله تعالى في قضاء حوائج بعض الزائرين لهم المتوسلين بهم بدون أن يكون لها مدخل في التأثير، وأي فرق بين التوسط بالأحياء في قضاء الحوائج مع اعتقاد أن لا فاعل إلا الله، وبين توسط أرواح الأموات مع اعتقاد ذلك!».

ضريح السيد البدوي بطنطا

الاستغاثة والاستمداد من الأنبياء والأولياء والصالحين «جائزة»

وأكدت دار الإفتاء، أن الاستغاثة والاستمداد من الأنبياء والأولياء والصالحين هى مما قال العلماء بجوازه سلفًا وخلفًا، وأن القول بأن ذلك شرك هو أعظم بدعة ظهرت في الأمة الإسلامية في الأعصر المتأخرة وهي من جنس بدع الخوارج التي يتوسل بها أصحابها إلى تكفير المسلمين والطعن في عقائدهم، على أن تكفير المسلم بذلك لا يستقيم عند العقلاء أصلًا فضلًا عن أن يدل عليه نقل أو شبهة نقل.

يقول العلامة المحقق الشيخ يوسف الدجوي المالكي عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر في (مقالته عن الاستغاثة): «ولا أدري كيف يُكَفِّرون بالاستغاثة ونحوها؛ فإنّ المستغيث إن كان طالبًا من الله بكرامة هذا الميّت لديه، فالأمر واضح، وإن كان طالبًا من الولي نفسه فإنّما يطلب منه على اعتقاد أنّ الله أعطاه قوّة روحانيّة تشبه قوّة الملائكة فهو يفعل بها بإذن الله، فهل في ذلك تأليه له؟ ولو فرضنا جدلاً أنّنا مخطئون في ذلك، لم يكن فيه شرك ولا كفر، بل نكون كمن طلب من المقعد المعونة معتقدًا أنّه صحيح غير مقعد، مع أنّ عمل الأرواح ومواهب الأنبياء ثابتة والأولياء في الدّلائل القطعيّة».

ضريح الإمام الشافعي

وأضاف الشيخ الدجوي: «الاستغاثة مبنيّة عندنا على أنّ الأنبياء والأولياء أحياءٌ في قبورهم كالشّهداءِ، بل أعلى من الشّهداء، ويمكنهم أن يدعوا الله تعالى للمستغيث بهم، بل يمكنهم أن يعاونوه بأنفسهم كما تعاون الملائكة بني آدم، وللأرواح تصرّف كبير في البرزخ. فإذا استغاث بهم كان كمن يستغيث بالحي سواء بسواءٍ؛ لأنّهم عندنا أحياءٌ، بل أعظم نفوذًا، وأوسع تصرّفًا من الأحياءِ».

واختتمت دار الإفتاء: «وعلى ذلك؛ فطلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين أحياء ومنتقلين من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على السببية والاكتساب لا على الخلق والتأثير».

تابع موقع تحيا مصر علي