مفتي الجمهورية: دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين
ADVERTISEMENT
حذر فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، من التحايل والخداع والغش للاستيلاء على أموال الناس في بلاد غير المسلمين، بحجة أن أخذ أموالهم بطرق غير مشروعة أمرٌ مباح لأنهم غير مسلمين؛ قائلًا: «دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين، سواء بسواء».
حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين
جاء ذلك في معرض رد فضيلة مفتي الجمهورية على سؤال ورد إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما حكم الاستيلاء على أموال غير المسلمين؟ حيث إنني أعيش في بلاد يكثر فيها غير المسلمين، وأسمع كثيرًا من المسلمين المقيمين في هذه البلاد يقولون: إن الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة مباح أخذها؛ بحجة أنهم ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم، فما مدى صحة ذلك، وهل يجوز لي أخذها؟
وأوضح فضيلة المفتي، أنه لا يجوز الاستيلاء أو التعرض لأموال وممتلكات غير المسلمين بزعم أنهم غير مسلمين؛ لكونه يتنافى مع قواعد الشرع الحنيف التي تقضي بالمحافظة على أموال الناس وحرمة التعدي عليها من غير تفرقةٍ بين مسلم أو غيره، بجانب تعارضه مع مبادئ التعايش السلمي ومقتضيات مكارم الأخلاق، فضلًا عما يؤدي إليه من الإساءة والتشويه لصورة الإسلام والمسلمين.
مقاصد الشريعة الإسلامية
وأكد مفتي الجمهورية، أن حفظ المال مقصدٌ من المقاصد الكلية التي راعتها الشريعة الإسلامية، وأمرت بالمحافظة عليه، قال الإمام القرافي في (الفروق): «مقصود الشرع حفْظُ المال عن الضياع» اهـ.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في (المستصفى): «ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلُّ ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلُّ ما يُفَوِّت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة» اهـ. لا فرق في ذلك بين مال المسلم وغير المسلم.
التعدي على أموال الغير «حرام»
وأشار فضيلة المفتي، إلى أن الشريعة الإسلامية حَرَّمت كلَّ الوسائل والطرق الاحتيالية التي قد تسلب من الإنسان ماله على نحوٍ غير مشروع، سواء كان في البيع أم في غيره من المعاملات؛ لما فيه من الإثم والعدوان والخروج عن مقتضى الفضائل والمكارم التي يجب على المسلم التحلي بها مع غيره مطلقًا - مسلمًا أو غير مسلم -؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغش وتَوعَّد فاعله بالذم والتوبيخ، وبيَّن أن هذا ليس من فعل الأنبياء والصالحين؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه).
فهذا النهي والوعيد يدلان على تحريم الغش والخداع وكلِّ الوسائل الاحتيالية مطلقًا، سواء أكان في البيع أم في غيره من المعاملات بين الناس، وفعل ذلك يدخل تحت نطاق الغش والخيانة وأكل أموال الناس بالباطل، ولا فرق في ذلك بين أموال المسلمين وغير المسلمين؛ فدماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام كحرمة دماء وأموال وأعراض المسلمين، سواء بسواء.
التعامل مع غير المسلمين بالبر والرحمة
وأكد فضيلة الدكتور شوقي علام، أن القول بجواز استحلال أموال غير المسلمين والاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة بحجة أنه «ليسوا على ديننا ومن كان كذلك فيجوز استحلال أموالهم» - كما ورد بالسؤال-، هو قولٌ مخالف لما أمر به الشرع الحنيف من إظهار البِرِّ والرحمة والقسط في التعامل مع غير المسلمين؛ كما في قوله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]، ولا شك أن خيانة غير المسلمين بأخذ أموالهم بأيِّ طريقة غير مشروعة مخالف للأمر بالبِرِّ والقسط المأمور به في الآية الكريمة.
ولذلك كان نهجه صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل مع غير المسلمين أن الأصل في ذلك التعايش واحترام الحقوق والتسامح في شتى المناحي والمجالات، وكذلك أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من بعده، والأدلة والشواهد على ذلك كثيرة.
النبي نهى عن إيذاء غير المسلمين
وأوضح فضيلة المفتي، أن الأمر لم يتوقف على ما سبق ذكره، بل إن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بهؤلاء المسالمين خيرًا، وأوضح أن لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات، ويسري على الجميع القوانين المطبقة والمعمول بها في البلاد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَذَفَ ذِمِّيًّا حُدَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسِياطٍ مِنْ نَارٍ» أخرجه الإمام الطبراني في (المعجم الكبير)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أخرجه أبو داود، والبيهقي في (السنن).
الأحكام الواجبة على المسلم عند دخول بلاد غير المسلمين
وأشار مفتي الديار المصرية، إلى الفقهاء بيَّنوا الأحكام الواجبة على المسلم عند دخول بلاد غير المسلمين والعيش فيها؛ فنصوا على حرمة أخذ مال غير المسلم بغير طيبِ نفسٍ والاستيلاء عليه بأيِّ وجهٍ غير مشروع، فإن فعل ذلك عُدَّ خائنًا وسارقًا يجب عليه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم تمامًا بتمامٍ؛ فـ (لا يتعرض لشيء من دمائهم وأموالهم)؛ لأن فيه غدرًا بهم، وأنه منهي عنه، كما قال الإمام ابن مودود الموصلي الحنفي في (الاختيار لتعليل المختار)، ولأنه «إذا كان منهم في أمان فهم منه في مثله، ولأنه لا يحل له في أمانهم إلا ما يحل له»، كما قال الإمام الشافعي في (الأم).
قال الإمام ابن قدامة في (المغني): «أما خيانتهم؛ فمحرمة؛ لأنهم إنما أعطوه الأمان مشروطًا بتركه خيانتهم، وأمنه إياهم من نفسه، وإن لم يكن ذلك مذكورًا في اللفظ، فهو معلوم في المعنى، ولذلك من جاءنا منهم بأمان؛ فخانَنَا؛ كان ناقضًا لعهده؛ فإذا ثبت هذا؛ لم تحل له خيانتهم؛ لأنه غدر، ولا يصلح في ديننا الغدر، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ»، فإن خانهم، أو سرق منهم، أو اقترض شيئًا، وجب عليه رد ما أخذ إلى أربابه، فإن جاء أربابه إلى دار الإسلام بأمان أو إيمان، رده عليهم، وإلا بعث به إليهم؛ لأنه أخذه على وجه حرم عليه أخذه، فلزمه ردُّ ما أخذ، كما لو أخذه من مال مسلم» اهـ.
وممَّا يشهد لذلك: ما ورد عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه كان قد صحبَ قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَمَّا الإِسْلاَمَ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا المَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ» أخرجه الإمام البخاري في (صحيحه)، وفي رواية أخرى: «أَمَّا الْإِسْلَامُ فَقَدْ قَبِلْنَا، وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّهُ مَالُ غَدْرٍ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ» أخرجها الإمام أبو داود في (السنن).
ويستفاد منه: أنه لا يحل أخذ أموال غير المسلمين غدرًا؛ لأن الرُّفقة يَصطحبون على الأمانة، والأمانة تُؤدَّى إلى أهلها مسلمًا كان أو غير مسلم، كما أفاده الحافظ ابن حجر في (فتح الباري).
دعوة الإسلام إلى التعايش السلمي
وأكد مفتي الجمهورية، أن الواجب على المسلمين في كلِّ مجتمعٍ أو دولةٍ يقيمون فيها: التمسك بالتعايش السلمي ونبذ الكراهية واحترام الأعراف المعتبرة والنظم القانونية؛ اقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التعايش في المجتمعات المختلفة، وإرسائه المنطلقات الأساسية للمواطنة في (صحيفة المدينة)، من خلال المساواة بين جميع رعايا الدولة الإسلامية في التكاليف الدنيوية، والتي جاء فيها: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ يَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ، فَحَلَّ مَعَهُمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ».
يضاف لما سبق: أن ميثاق (العهد الدولي لحقوق الإنسان)، قد نص في المادة (9 - فقرة 1) على: «لكلِّ فردٍ حقٌّ في الحرية وفى الأمان على شخصه» اهـ.
وأن هذه الدعوات والحجج المزعومة التي تدعو إلى الاستيلاء على الأموال التي يتملكها غير المسلمين بالطرق المختلفة؛ بزعم أنهم ليسوا على ديننا، وبالتالي يجوز استحلال أموالهم: تندرج تحت ما يسمَّى بجرائم الكراهية، التي أضحى تجريمها ومنعها عرفًا دوليًّا متفقًا عليه، فقد جاء في المادة (20- فقرة 2) من العهد المشار له: «تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية: تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة أو العنف» اهـ.