الإفتاء: حديث «شاوروهن وخالفوهن» لا أصل له.. ومن حق المرأة المشاركة برأيها في أمور الحياة
ADVERTISEMENT
ما هو معني قوامة الرجل على المرأة الوارد في قوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء» (النساء: 34)؟ وهل من حقّ المرأة أن تُستشار وتشارك برأيها في أمور الحياة الزوجية إذ أن بعض الأزواج يرفضون مشاركة زوجاتهم في الأمور الحياتية بحجة أن استشارة الرجل زوجته تقل من قيمته، وأن المرأة أقل عقلًا من الرجل؟ وما صحة القول المنسوب إلى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ» والذي يستدل به بعض الأزواج الرافضين مشاورة زوجاتهم؟
معنى قوامة الرجل على المرأة
وأوضحت دار الإفتاء المصرية، أن المراد من قوامة الرجل على المرأة: قيامه على شؤونها ورعايتها والمحافظة عليها وتدبير أمورها، وليس المراد منها تَسلُّطَه عليها وقَهْرَه لها.
وإسناد القوامة للرجال في قوله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» (النساء: 34)، يُعدُّ في المقام الأول تكليفًا لهم بمزيدٍ من الالتزامات والمسئوليات والحقوق والواجبات الشرعية والحياتية: يلزم منه مشاورةُ أزواجهم في أمور الحياة الزوجية، ولا يقصد منها إثبات سيادة الرجل على المرأة وتسلطه عليها بحال من الأحوال.
فليس معنى القوامة -كما يتوهَّم البعض- قهر الرجل للمرأة وتسلُّطه عليها، إنما هي المسئولية والرعاية والتقويم والحفظ والمصلحة في نطاق الأسرة.
الشورى حق أصيل للرجال والنساء
وأكدت دار الإفتاء، أن الشورى حقٌّ أصيلٌ منحته الشريعة الإسلامية الغرَّاء لعموم المسلمين - ممَّن كان أهلًا لها، كلٌّ في مجاله -، رجالًا ونساءً، أزواجًا وزوجاتٍ؛ وهذا الحق مشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة؛ استنادًا لقول الله تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آل عمران: 159).
ومع أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أكمل الناس وأرجحهم عقلًا، إلَّا أنَّ الله تعالى أمره بطلب المشورة؛ لتصير سنة في أمته؛ قال الإمام فخر الدين الرازي في (مفاتيح الغيب): «قال الحسن وسفيان بن عيينة: إنَّما أمر بذلك ليقتدي به غيره في المشاورة، ويصير سنة في أمته».
كما أنَّ حق الشورى مقرَّرٌ أيضًا لكافة المسلمين بقول الله تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى: 38).
وقد ورد في الهدي النبوي الشريف ما يقرِّر ويثبت ذلك الحق، وذلك فيما أخرجه الإمام البيهقي في (السنن الكبرى) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَّنَّه قال: «ما رأيت أحدًا قط كان أكثر مشورةً لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
النبي كان يستشير المرأة ويأخذ برأيهن
وأشارت دار الإفتاء، إلى أن من الأمور التي منحها الشرع الحنيف للمرأة وأحاطها بالحماية، وكلَّلها بالرعاية: الرجوع إليها بالتشاور، والاستبصار برأيها السديد؛ فقد كانت المرأة تستشارُ ويُرْجعُ إلى رأيها في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ أشار إلى ذلك ابن قتيبة الدينوري في (عيون الأخبار)، فقال: «عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشير حتى المرأة، فتشير عليه بالشيء؛ فيأخذ به».
وقد ورد في الشريعة الغراء جملة من الشواهد تشير إلى رجاحة ووفور عقل المرأة، وسداد رأيها ومشورتها، لا سيما في الأمور الجِسَام والقضايا المصيرية؛ فمن ذلك المشورة الحكيمة لأم المؤمنين السيدة أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - في صُلح الحديبية، والتي نفع الله عزَّ وجلَّ بها الأمة الإسلامية ممثلة في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث أنجاهم من حدثٍ جلل وأمرٍ عصيب، وذلك عندما التبس الأمر عليهم، فانتظروا في أمر النحر والحلق حين أمرهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ فأشارت عليه السيدة أم سلمة رضي الله تعالى عنها بقولها: «يَا نَبِيَّ اللهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا» أخرجه البخاري.
قال العلامة ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): «شاور النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة رضي الله عنها؛ فأراه الله بركة المشورة، ففعل ما قالت؛ فاقتدى به أصحابه.. وفيه: جواز مشاورة النساء ذوات الفضل والرأي».
شاوروهن وخالفوهن.. مخالف لـ فعل النبي
وأوضحت دار الإفتاء، أنه بخصوص احتجاج بعض الأزواج بالقول المنسوب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: «شاورهم وخالفوهم»، فهذا القول مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهديه، كما أنه غير ثابت ولا أصل له؛ ولا يسوغ الاحتجاج أو الاستشهاد به على ما هو مقرر في علوم الحديث.
فقد حكم علماء الحديث على حديث لفظه: «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ» بما يفيد أنه لا أصل له؛ جاء في (المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة) للحافظ السخاوي: «حديث: (شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ)، لم أره مرفوعًا.. وقد استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة رضي اللَّه عنها كما في قصة صلح الحديبية، وصار دليلًا لجواز استشارة المرأة الفاضلة، لفضل أم سلمة رضي الله عنها ووفور عقلها».
وقال الإمام السيوطي في (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة)، عن قول (شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ): «باطل، لا أصل له». وقال عنه الإمام المناوي في (فيض القدير): «لا أصل له».
الخلفاء الراشدون ساروا على هدي النبي في استشارة النساء
وتابعت دار الإفتاء: إن الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في استشارة النساء، واعتبار مشورتهن الكلمة الفاصلة في النوازل الجِسَام، وكان في مقدمتهم الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه، وذلك حين استشار ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله تعالى عنها في المدة التي تُطِيقُها المرأة في ابتعاد زوجها عنها، فأشارت عليه أن أربعة أشهر، فأمضى كلامها، وكتب به مرسومًا.
وممَّا يُؤثَر عن سداد رأي أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وحسن مشورتها في أمور عامة المسلمين وخاصتهم؛ ما أورده الإمام ابن حجر العسقلاني في (الإصابة)، قال: «قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامَّة.. وقال أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه: ما أشكل علينا أمر، فسألنا عنه عائشة، إلَّا وجدنا عندها فيه علمًا».
مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها من تمام المعروف في العشرة
وأكدت دار الإفتاء، أن مشاورة الزوجة والاستماع لنصيحتها وقبولها منها: من تمام المعروف في العشرة، لا سيَّما إذا لمس الرجل من امرأته الحكمة والعقل، وأهليَّتها للشورى؛ عملًا بقول الله عزَّ وجلَّ: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء: 9)؛ وبوصية النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم التي قال فيها: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن حقِّ المرأة أن تُستَشار وتُشَارك برأيها فيما يتعلَّق بأمور الحياة الزوجية؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولنا فيه الأسوة والقدوة الحسنة.