عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء: الكتابة على العملة الورقية حرام شرعًا وفسادٌ عظيمٌ

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول السائل فيه: ما حكم الكتابة على العملة؟ حيث دار نقاشٌ بيني وبين أحد أصدقائي أثناء كتابته لبعض العبارات التذكارية على العملات الورقية الرسمية؛ حيث يرى أَنَّ ذلك ليس ممنوعًا فهل ما قاله صديقي صحيحٌ؟

تحيا مصر 

حكم إضاعة المال أو هدره أو إتلافه

وقالت دار الإفتاء: إن الشَّريعة الإسلامية أولت اهتمامًا بالغًا بالمال وجعلت حفظه مقصدًا من مقاصدها الضروريَّة الكبرى؛ وذلك لأنَّه سبب المعاش وبه قيام حياة النَّاس، فبانضباطه تنضبط أحوالهم وباختلاله تختل معايشهم؛ قال تعالى: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا» (النساء: 5)؛ قال الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): «أي: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تَصْلُحُ بها أموركم».

والشرع الشريف مَنْعُ من إضاعة المال أو هدره أو إتلافه وعدم صونه أو الإفساد فيه جاءَ لكمال عنايته به؛ قال الإمام ابن قدامة في (المغني): «إضاعة المال منهيٌّ عنها، وإتلافه محرَّم». والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم في (صحيحيهما) من حديث المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ».

قال الإمام النووي في (شرحه على صحيح مسلم): «أمَّا إضاعة المال فهو صرفُه في غير وُجوهه الشرعيَّة، وتعريضه للتَّلف، وسببُ النهي: أنَّه إفسادٌ، والله لا يحبُّ المفسدين، ولأنَّه إذا أضاعَ مالَه تعرَّض لما في أيدي الناس».

النقود الورقيَّة يجب أن تحفظ وتصان

وأوضحت دار الإفتاء، أن النقود الورقيَّة شهدت تطورًا كبيرًا منذ نشأتها حتى أصبحت ورقة قانونيَّة إلزاميَّة تصدرها البنوك المركزيَّة، وتضمنها الدول، وأصبح لها وظائف أساسيَّة وأدبيَّة؛ فأمَّا وظائفها الأساسيَّة فمنها: أنَّها وسيط تبادل مقبول لدى الجميع؛ لما لها من قوة شرائيَّة وادخاريَّة، ومعياريَّة حسابيَّة تُقَوَّم بها الأشياء. وأمَّا وظائفها الأدبيَّة فمنها: أنَّها تحمل غالبًا الهُويَّة الثقافيَّة والحضاريَّة للدول المُصْدِرَة لها، كما أنَّها تُعبِّر عن استقلالها وسيادتها.

ومن ذلك يُعلم أنَّ النقود الورقيَّة يجب أن تحفظ وتصان؛ لكونها مالًا أوجب الشرع حفظه ونهى عن الإفساد فيه، إضافة لكون تيسير التبادل هو الغرض الأساس من إنتاجها، وهو التي تتحمل من أجله الدول التكلفة الكبيرة لطباعتها وإصدارها؛ حيث تستحوذ تكلفة طباعة واصدار النقود في مصر على (11.38%) من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.

حكم الكتابة على العملات الورقية

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن الكتابة على العملات الورقيَّة يُقصَد بها: العبارات أو الرسوم أو الرموز التي يكتبها عامَّة الناس على فئات النقد الورقيَّة -البنكنوت- سواء كان ذلك بخط اليد، أو بطبع أختام بأي صورة. وهو تشويه لـ العملات النقديَّة وإتلاف لها؛ لأنَّها تؤثر سَلْبًا على الغرض الذي طُبعت من أجله وهو تيسير التبادل، وهو ما يدعو البنك المركزي إلى جمعها وإعدامها وطباعة غيرها بدلًا عنها، ولا تخفى التكلفة الباهظة التي تتكبدها الدولة في سبيل ذلك.

وأكدت دار الإفتاء، أن هذا الإتلاف والتشويه من الفساد المنهي عنه شرعًا؛ لما فيه من إضاعة المال المنهيِّ عنه في حديث المغيرة بن شُعبة السابق، ووجه دلالة الحديث: أنَّ الإفساد يجامع الإتلاف في الأمور الحِسِّية.

كما أنَّ الكتابة على العملات الورقيَّة تدخل تحت عموم نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كَسْر سِكَّة المسلمين؛ بجامع الإتلاف وفقدان القيمة وجعلها من قبيل العملة الرديئة التي لا تقبل التداول.

وكذلك فإنَّ الكتابة على العملة الورقيَّة صورة من صور الاعتداء على المال العامِّ والاعتداء على المصلحة العامَّة، وهو فسادٌ عظيمٌ وجُرمٌ كبيرٌ لا ينبغي المصير إليه؛ لعموم ضرره بالمجتمع؛ فقد أخرج الإمام البخاري في (صحيحه) عن خولة الأنصارية رضي الله عنها أنَّها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ».

واختتمت دار الإفتاء: «وبناءً على ذلك؛ فإنَّه لا ينبغي شرعًا الكتابة على العملات النقديَّة الورقيَّة الرسميَّة؛ لما في ذلك من تشويهٍ للعملةِ وإتلافٍ لها بالكتابةِ عليها أو الرَّسْم، ونحوهما؛ مما يُعدّ تشويهًا لها وإتلافًا وإهانةً، فهو من صورِ إتلاف المال المُحرَّمٌ شرعًا والمُجَرَّمٌ قانونًا.

تابع موقع تحيا مصر علي