عاجل
الإثنين 21 أكتوبر 2024 الموافق 18 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

تصريحات إيرانية مثيرة للجدل تشعل الساحة اللبنانية: تدخل في السيادة أم سوء فهم؟

ميقاتي مستقبلا قاليباف
ميقاتي مستقبلا قاليباف في السرايا - أرشيفية

تصاعدت حالة من الجدل السياسي في لبنان بعد تصريحات أدلى بها رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، أثارت غضبًا واسعًا، إذ اعتُبرت تدخلًا مباشرًا في الشؤون الداخلية اللبنانية، ومساسًا بسيادة الدولة. تصريحات قاليباف، التي شملت إشارة إلى استعداد إيران للتفاوض مع فرنسا حول تطبيق القرار الأممي 1701، وقوله إن إيران هي "الركيزة الأساسية للشعب اللبناني"، أثارت تساؤلات حول دوافع طهران الحقيقية في لبنان.

تصريحات مستفزة تشعل الأوساط اللبنانية

تزامنت هذه التصريحات مع تصاعد التوتر السياسي في لبنان، ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى انتقادها بشدة. واعتبر ميقاتي أن تصريحات قاليباف تمثل تدخلًا فاضحًا وغير مقبول في الشؤون اللبنانية، وتأتي في سياق محاولة إيرانية لفرض وصاية مرفوضة على البلاد. ورغم نفي طهران لبعض التصريحات لاحقًا، إلا أن هذا لم يخفف من حدة الغضب في الأوساط السياسية والشعبية اللبنانية، التي ترى أن النفوذ الإيراني تجاوز الخطوط الحمراء.

من جهتها، استدعت وزارة الخارجية اللبنانية القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت، ووجهت احتجاجًا رسميًا على ما اعتبرته مساسًا بالسيادة اللبنانية. هذه الخطوة الدبلوماسية تعكس حجم التوتر القائم بين بيروت وطهران في ظل ما يراه اللبنانيون تصاعدًا في التدخل الإيراني عبر حزب الله، الذراع السياسي والعسكري لإيران في لبنان.

اتهامات متبادلة: تدخل أم دعاية إعلامية؟

وسط هذا التصعيد، برزت تفسيرات متباينة للتصريحات الإيرانية. من جهة، قال مكرم رباح، الباحث السياسي اللبناني، في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، إن "إيران لم تقدم للمنطقة سوى الدمار والقتل"، وإنها تستخدم الدماء العربية لتحقيق أجنداتها التفاوضية مع القوى الدولية. وأكد رباح أن دعم إيران للشعب اللبناني مجرد خداع سياسي لا يعكس حقيقة اهتمامها بمعاناة اللبنانيين أو النازحين.
 

في المقابل، اعتبر محمد مهدي شريعتمدار، الدبلوماسي الإيراني السابق، أن التصريحات أُخرجت من سياقها وأصبحت أداة دعائية لتشويه صورة إيران. وأوضح أن تصريحات قاليباف بشأن التفاوض مع فرنسا لا تعكس نية إيران فرض وصاية على لبنان، بل تؤكد أن إيران ملتزمة بدعم الشعب اللبناني في مواجهة التحديات.

النفوذ الإيراني في لبنان: احتلال غير مباشر؟

وفي سياق آخر، وصف سمير التقي، الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، التدخل الإيراني في لبنان بأنه احتلال غير مباشر. وأكد التقي في تصريح لقناة "سكاي نيوز عربية" أن إيران تدير عمليات عسكرية من الأراضي اللبنانية، وأن الحرس الثوري يقود تحركات قد تؤدي إلى كارثة دون اعتبار لمصير حزب الله أو لبنان. وأوضح أن معظم اللبنانيين باتوا يطالبون باستعادة القرار الوطني، وترسيخ السيادة على قرارات الحرب والسلم.

خلفيات النفوذ الإيراني ودوره في تعقيد الأزمات

الجدل الحالي حول تصريحات قاليباف ليس وليد اللحظة، بل يأتي في ظل تراكمات تاريخية من النفوذ الإيراني في لبنان، خاصة من خلال حزب الله، الذي أصبح قوة فاعلة في الصراعات الإقليمية، من سوريا إلى العراق واليمن. ويرى مراقبون أن طهران تستخدم لبنان ورقة ضغط في مفاوضاتها مع القوى الغربية، وهو ما يعقّد الأوضاع الداخلية ويعيق الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار.

في ظل هذه الظروف، تواجه الحكومة اللبنانية ضغوطًا متزايدة من الداخل والخارج. من جهة، تتعرض لضغوط دولية لإنهاء دور حزب الله العسكري وتحجيم النفوذ الإيراني، ومن جهة أخرى، تجد نفسها في مواجهة أزمة داخلية معقدة تتطلب تحقيق توافق وطني لإعادة القرار السيادي إلى الدولة.

مستقبل لبنان بين النفوذ الخارجي واستعادة السيادة

يبدو أن الجدل حول النفوذ الإيراني في لبنان سيستمر في ظل غياب أي أفق لحل سياسي قريب. فمع تصاعد التوترات الإقليمية وتزايد الخسائر الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، يبقى تحقيق الاستقرار مرهونًا بإعادة القرار السيادي إلى مؤسسات الدولة، ووقف التدخلات الخارجية التي تعمّق الانقسامات. وفي الوقت الذي يطالب فيه الشعب اللبناني بإصلاحات سياسية واقتصادية، يبدو أن النفوذ الإيراني يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق هذه الأهداف.

تابع موقع تحيا مصر علي