مفتي الجمهورية يوضح حكم صلاة مريض سلس البول وإمامته للناس
ADVERTISEMENT
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ رفع الحرج والضيق والتيسير في أمور الدين على المكلفين أمرٌ اختصَّ الله به الأمَّة الإسلامية؛ قال تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (الحج: 78).
قال الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): (قوله تعالى: «مِنْ حَرَجٍ». أي: من ضيق.. وهي مما خص الله بها هذه الأمة) اهـ. وقال تعالى: «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (البقرة: 185).
حكم صلاة المريض بسلس البول إمامًا
وأوضح مفتي الجمهورية، في معرض رده على سؤال: ما حكم صلاة المريض بسلس البول إمامًا في صلاة الجماعة؟ أن الصلاة ركن من أركان الدِّين تجب على كلِّ مكلفٍ، ولها أركان وشروط صحة لا تصح بغيرها عند القدرة والاستطاعة؛ منها: اشتراط طهارةُ البدن والثوب من الحدث والنجس الذي لا يُعفى عنه؛ قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا» (المائدة: 6). وقال تعالى: «وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ» (المدثر: 4).
وهذه الطهارة وإن كانت متقدمة على الصلاة إلا أنَّه يجب على المصلي أن يستمر على حال الطهارة حتى ينتهي من صلاته، ولا يمنع ذلك إلا خروج شيء من السبيلين -القبل و الدبر- حال الصحة؛ من نحو بول أو غائط أو ريح، أو غيرها من الأحداث التي ينتقض بها الوضوء؛ لقوله تعالى: «أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُمْ مِنَ الْغَائِطِ» (النساء: 43). ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وعن صفوان بن عسّالٍ المُرادِي رضي الله عنه قال: «أَمَرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا كُنّا سَفْرًا ألَّا نَنْزعَ خِفَافَنا ثلاثةَ أيامٍ بِليَالِيهنَّ، إلا من جنابة، ولكن من بولٍ، أو غائطٍ، أو نومٍ» أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه في (السنن)، وصححه ابن خزيمة وابن حبان.
هل سلس البول من الأعذار الشرعية؟
وتابع فضيلة مفتي الجمهورية، أنه قد تعتري الإنسان حالة مَرَضيَّة يطلق عليها السلس لا يستطيع معها التحكم في إخراج البول أو الريح أو نحوها من الأحداث، فالسلس: هو استرسال الخارج من القبل أو الدبر من بول أو غائط أو مذي أو مني أو ودي أو ريح دون اختيار من صاحبه، فهو مرضٌ يجعل صاحبه في حرج وضيق عند إرادة العبادة؛ لأنَّه يكون على حدث دائم لا يمكنه التحرّز عنه، وتشق معه الطهارة المشروطة للصلاة، بل ولا يمكن بقاؤها.
ولذلك فـ سلس البول هو عذر شرعيّ مُعتبر، وصاحبه من أصحاب الأعذار في نظر الشرع؛ لعدم قدرته واستطاعته فلا يكلف هذا الشرط، ويعفى عن حدثه الدائم للحاجة، ويصلي مع وجود الحدث؛ قال تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة: 286).
ضابط سلس البول
وأكد فضيلة الدكتور شوقي علام، أن الفقهاء قد اختلفوا في ضابط السلس الذي به يُعَدُّ صاحبه معذورًا؛ فذهب الحنفيَّة والشافعيَّة والحنابلة في الصحيح إلى اشتراط استيعاب السلس وقت الصلاة المفروضة؛ بأن لا يجد وقتًا خاليًا من حدثه الدائم يتوضأ ويصلي فيه على طهارة بأخف ما يكون، وذهب الإمام أحمد في رواية (اختارها جماعة من الحنابلة) إلى عدم اشتراط ذلك.
وللمالكية في ذلك تفصيلٌ من حيث دوام الحدث وانقطاعه: فطريقة المغاربة -وهي المشهورة- أَنَّ صاحب السلس إن لازمه الحدث طيلة الوقت دون مفارقة، فلا يجب عليه الوضوء ولا يستحب، وإن لازمه غالب الوقت استحب له الوضوء ما لم يشق عليه ذلك، وإن استويا وجودًا وعدمًا ففيها القولان، وإن غلب انقطاعه على وجوده، فالمشهور وجوب الوضوء، أَمَّا طريقة العراقيين فلا ينتقض الوضوء مطلقًا سواء استغرق نصف الوقت أم لم يستغرقه.
قال الإمام الحطاب في (مواهب الجليل): المشهور من المذهب طريقة المغاربة: أَنَّ السَّلَس على أربعة أقسام:
الأول: أن يُلازِم ولا يُفَارق، فلا يجب الوضوء، ولا يستحب؛ إذ لا فائدة فيه، فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد.
الثاني: أن يكون ملازمتُه أكثر مِن مفارقته، فيستحب الوضوء إلَّا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب.
الثالث: أن يتساوى إتيانُه ومفارقتُه، ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان.
الرابع: أن تكون مفارقتُه أكثر، فالمشهور وجوب الوضوء، خلافًا للعراقيين فإنَّه عندهم مستحب.
حكم صلاة مريض سلس البول وإمامته
وأوضح مفتي الجمهورية، أنه إذا كان الشرع الشريف قد أذن لمَن ابتلي بـ سلس البول في أن يصلي مع وجود حدثه: فقد اتفق الفقهاء على صحة صلاته في حق نفسه وفي إمامته لمثله من أصحاب السلس، مع اشتراط الحنفيَّة اتحاد العذر بينهما، أو زيادة عذر المأموم عن عذر الإمام.
واختلف الفقهاء في صحة إمامة مريض سلس البول للأصحاء؛ فذهب الحنفية والحنابلة والشافعيَّة في مقابل الأصح إلى عدم جواز إمامته للأصحاء؛ لأنَّ المعذور صلاته صلاة ضرورة فلا يصح اقتداء غيره به؛ ولأنَّ الإمام ضامن لمَن اقتدى به، والشيء لا يضمن ما هو فوقه.
وذهب المالكيَّة في قولٍ والشافعيَّة في الأصح إلى جواز إمامته للأصحاء؛ لأنَّ حدثه الدائم معفوٌ عنه شرعًا، وإذا عفي عن الحدث في حق صاحبه عفي عنه في حق غيره؛ لسقوط اعتباره شرعًا، ولأنَّ الشرع حكم بصحة صلاته وصلاة المأموم مرتبطة بصلاته فتكون صحيحة كصلاته.
أمَّا مشهور مذهب المالكيَّة فهو كراهة إمامة صاحب السلس للأصحاء؛ قال العلَّامة الحطاب المالكي في(مواهب الجليل): «والمشهور أن إمامة صاحب السلس مكروهة كما قال المصنف: (وذو سلس)، والله أعلم» اهـ.
واختتم فضيلة الدكتور شوقي علام، أن إمامة صاحب سلس البول في الصلاة للأصحاء صحيحة شرعًا لا حرج فيها على ما عليه فقهاء السادة المالكيَّة في قول والشافعيَّة في الأصح عندهم، وهو المختار للفتوى؛ لأنَّ السلِس حدثه الدائم معفو عنه شرعًا، وإذا عُفي عن الحدث في حق صاحبه عُفي عنه في حق غيره، كما أنَّ صلاته منفردًا أو مأمومًا أو إمامًا لمثله من أصحاب الأعذار صحيحة شرعًا عند فقهاء المذاهب الأربعة.