عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: نهر النيل سيد الأنهار.. وهو من نعم الله على مصر

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية

قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن حكمة الله تعالى وإرادته جرت أن يفاضل في خلقه بما يشاء وكيف يشاء؛ فمن البشر: فضَّل الأنبياء والرسل والأولياء على سائر خلقه، ومن البلاد: فضَّل مكة المكرمة والمدينة المنورة على سائر البلدان على ما ورد فيه التفاضل بينهما.

ومِن الشهور: فضَّل شهر رمضان على ما عداه من الأشهر، ومِن حيث الليل فضَّل ليلة القدر على سائر الليالي، ومِن حيث النهار فضَّل وقفة عرفات على سائر الأيام، ومن الجبال: فضَّل جبل الطور بتجليه، وجبل أُحُد؛ لما جاء فيه مِن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» متفقٌ عليه، ومِن الأنهار: فضَّل نيل مصر (نهر النيل) على غيره من الأنهار.

فضل نيل مصر على غيره من الأنهار

وأكد فضيلة مفتي الجمهورية، في معرض حديثه عن فضل نيل مصر على غيره من الأنهار، أن نهر النيل هو نهرٌ تاريخي يتدفق في شمال شرق إفريقيا، استمدَّت منه أممٌ كثيرة حضاراتها ورقيَّها، ومنها الحضارة المصريَّة؛ حيث يُعدُّ المصدر الأكبر فيما لها مِن الثروات والرخاء؛ كما جاء في كتاب (نهر النيل) لـ محمد عوض.

وممَّا يُعلم به أفضلية نهر النيل على غيره من الأنهر أمور عديدة، منها:

(1) - أنه النهر الذي تفرد بشرف الذِّكر في القرآن الكريم في عدة مواضع، منها ما هو بالنص عليه والتصريح، ومنها ما هو بالإشارة والتلميح:

فأما ورود ذكره في القرآن الكريم تصريحًا: فقد ذُكر نهر النيل باسم (اليم) -وهو لفظ عبراني يقصد به نهر النيل- ست مرات في القرآن الكريم، لبيان فضله مِن أنه آية من آيات الله تعالى ينجي بها عباده الذين اصطفى؛ وذلك فيما ذُكر في قصة سيدنا موسى عليه السلام، حيث كان نهر النيل هو الوسيلة التي اتخذتها أمُّ موسى بوحي من الله تعالى لنجاة ابنها، حيث حمله النهر إلى قصر فرعون سالمًا محفوظًا.

قال الله تعالى: «إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» (طه: 38 - 39)، وقال جلا وعلا: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ» (القصص: 7).

قال العلامة الطاهر ابن عاشور في (التحرير والتنوير): «أطلق (اليم) على نهر النيل في قوله تعالى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، وقوله: ﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾» اهـ.

وأما وروده في القرآن الكريم إشارة وتلميحًا: فقد وردت الإشارة إلى أنَّ نهر النيل في مصر مما يُستدل به على قدرة الله تعالى المطلقة وإعجاز خلقه في كونه، حيث يحدث به ظاهرة فيزيائية عجيبة وهي التقاء مائه العَذْب بماء البحر المالح، دون أن يمتزجا، فيظل ماؤه عذبًا رغم سريانه بالماء المالح، ولا تفسير لذلك إلا إطلاق قدرة الله تعالى وخالقيته.

وتقع هذه الظاهرة في مدينة (رأس البر) بمحافظة دمياط حيث يشق أحد أفرع نهر النيل البحر المتوسط في منطقة تسمى (اللسان) وفي مشهد مبدع مميز مصدق لقول الله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا» (الفرقان: 53)، وقول الله تعالى: «أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» (النمل: 61)، وقول الله تعالى: «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ» (الرحمن: 19 – 20).

نعمة نهر النيل

وأشار فضيلة المفتي، إلى أنه قد وردت الإشارة إليه أن نهر النيل من النعم التي تفضل الله تعالى بها على عباده من أهل مصر إلى الحد الذي يُعَدُّ معه خروجهم منها ومفارقتهم لنيلها من العقوبة التي يعاقبهم بها الله تعالى، وفي ذلك حثٌّ على دوام شكر الله تعالى وحمده على ما امتنَّ به على مصر من نعمة نهر النيل.

وأنه النهر الذي تفرَّد بكثرة النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين في ذكر أفضليته، ومن ذلك ما روي عن يزيد بن أبي حبيب، أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه سأل كعب الأحبار:

هل تجد لهذا النيل في كتاب الله خبرا؟ قال: إي، والذي فلق البحر لموسى، إني لأجده في كتاب الله، أن الله يوحي إليه في كلِّ عام مرتين يوحي إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري فيجري ما كتب الله له، ثم يوحي إليه بعد ذلك يا نيل غُرْ حميدا.

نيل مصر سيد الأنهار

وأكد مفتي الديار المصرية، أنه روي عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من أنه قال: «لمَّا خلق الله عزَّ وجلَّ آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال:

يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خَلَتْكِ يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك».

وما روي – أيضًا - عن سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: «نيل مصر سيد الأنهار، وسخر الله له كل نهر من المشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله تعالى أن يجري نيل مصر أمر الله كل نهر أن يمده فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله عزَّ وجلَّ أوحى الله إلى كلِّ ماءٍ أن يرجع إلى عنصره».

وهذه الأقوال وغيرُها -مما لا يسع المقام ذكره- تفيد بما لا مجال معه للشك أن الله تعالى قد اختص هذا البلد الأمين (مصر) بما لم يختص به غيرها مِن البلاد، كما أنه سبحانه وتعالى قد اختص نيلها (نهر النيل) بخصائص ومزايا ليست لغيره من الأنهار.

النيل نهرٌ من أنهار الجنة

وتابع فضيلة مفتي الجمهورية: أنه ممَّا يُعلَم به أفضلية نهر النيل بالإضافة إلى ما قد سبق ذكره: اختصاصه مع بعض الأنهار بكثير من الفضائل والمزايا كنهر الفرات، وكنهري سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ؛ فقد جاء في (الصحيحين) عند ذكر قصة الإسراء والمعراج أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدث «أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، (مَا هَذِهِ الْأَنْهَارُ؟) قَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ: فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ»، والمراد من قوله (يخرج من أصلها، أي: من أصل سدرة المنتهى) كما قال الإمام النووي في (شرح مسلم).

وجاء أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَيْحَانُ وَجَيْحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ: كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» رواه مسلم.

فهذه الأنهار مشتركةٌ في أن الله تعالى جعلها مستمِدَّةً بركتها من الجنة؛ ممَّا يلزم منه حلول الخيرات والبركات والإيمان على بلادها، بل وعلى كل مَن يشرب أو يتغذَّى منها؛ قال الإمام النووي في (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): «فالنيل بمصر والفرات بالعراق وسيحان وجيحان -ويقال: سيحون وجيحون ببلاد خراسان.. وأما كون هذه الأنهار من ماء الجنة ففيه تأويلان ذكرهما القاضي عياض أحدهما: أن الإيمان عم بلادها، أو الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة، والثاني وهو الأصح: أنها على ظاهرها وأن لها مادة من الجنة» اهـ.

خصائص يمتاز بها نهر النيل

وأكد مفتي الجمهورية، أن الأئمة والعلماء نصوا على أن هناك خصائص يمتاز بها نهر النيل عن غيره من الأنهار، وإن اشترك معه غيره في بعضها إلا أن خصائصه في المجمل أكثر وأعم منها جميعًا، ومن آحادها من باب أولى.

فمن الأنهار ما يشترك مع النيل في أنها أكبر الأنهار الموجودة في الدنيا كدجلة والفرات وغيرهما؛ جاء في (رحلة ابن بطوطة) أنه قال: «والنيل أحد أنهار الدنيا الخمسة الكبار وهي: النيل، والفرات، ودجلة، وسيحون، وجيحون» اهـ.

ومنها ما يجري كما يجري نهر النيل كنهري: مكران بالسند ونهر الأريط؛ قال العلامة تقي الدين المقريزي في (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار): «ونيل مصر: مخالف في جريه لغالب الأنهار، فإنه يجري من الجنوب إلى الشمال وغيره، ليس كذلك إلا نهران فإنهما يجريان كما يجري النيل، وهما نهر مكران بالسند ونهر الأريط، وهو الذي يعرف اليوم بنهر العاصي في حماه إحدى مدائن الشام» اهـ.

ومنها ما يشترك معه في كونه يَسْقِي بلا تعب ولا مئونة؛ كما قال الإمام ابن الجوزي في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم).

وقد عَدَّدَ العلماءُ والمؤرخون مزايا نهر النيل التي فُضِّل بها عن غيره، فذكروا مجموعاتٍ من الصفات التي تفرَّد بها عن غيره كخفته ولطافته، وأنه أبعد الأنهار مسافةً مِن مجراه إلى أقصاه، وأنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خَزٌّ ولا طُحْلُبٌ، وغير ذلك مما قرره العلماء وذكروه؛ مما دفع بعضهم -كما أشرنا سابقًا- إلى أن ينص على أن نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار.

قال الإمام ابن كثير في (البداية والنهاية): «أما النيل؛ وهو النهر الذي ليس في أنهار الدنيا له نظير في خفته ولطافته وبُعد مسراه فيما بين مبتداه إلى منتهاه.. قال ابن سينا: له خصوصيات دون مياه سائر الأرض؛ فمنها: أنه أبعدها مسافة من مجراه إلى أقصاه، ومنها: أنه يجري على صخور ورمال ليس فيه خَزٌّ ولا طُحْلُبٌ ولا أوحال، ومنها: أنه لا يَخْضَرُّ فيه حَجَرٌ ولا حصاة؛ وما ذاك إلا لصحة مِزَاجِه وحلاوته ولطافته، ومنها: أن زيادته في أيام نقصان سائر الأنهار، ونقصانه في أيام زيادتها وكثرتها» اهـ.

وقال العلامة تقي الدين المقريزي في (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار): «روى ابن عبد الحكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نيل مصر سيد الأنهار، سخَّر الله له كلِّ نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجري نيل مصر أمَرَ كلَّ نهر أن يمده فتمده الأنهار بمائها، وفـجَّر الله له الأرض عيونًا؛ فأجرته إلى ما أراد الله، فإذا انتهت جريته أوحى إلى كلِّ ماءٍ أن يرجع إلى عنصره.. وقال المسعودي: نهر النيل من سادات الأنهار وأشراف البحار؛ لأنه يخرج من الجنة على ما ورد به خبر الشريعة، وقد قال: إن النيل إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والآبار، وإذا غاض زادت، فزيادته من غيضها وغيضه من زيادتها، وليس في أنهار الدنيا نهر يسمى بحرًا غير نيل مصر لكبره واستبحاره» اهـ.

نهر النيل من عجائب هذه الدنيا

وأضاف مفتي الجمهورية، أن العلماء قد نصوا على أن نهر النيل من عجائب هذه الدنيا، وأنه مشتملٌ أيضًا على بعض العجائب؛ قال الإمام شهاب الدين النويري في (نهاية الأرب في فنون الأدب): «ونيل مصر هو من أعاجيب الدنيا، وقد روي عن ذي القرنين أنه كتب كتابا عمّا شاهده من عجائب الوجود فذكر فيه كلَّ عجيبة، ثم قال في آخره: وذلك ليس بعجب، ولكنّ العجب نيل مصر» اهـ.

وكانت تلك المزايا والخصائص التي تفرد بها نهر النيل بفضل الله تعالى على مصرَ وأهلِها سببًا في أن يكون ماء نيل مصر أفضل المياه على الإطلاق كما نص على ذلك جمعٌ من علماء الأمة.

واختتم فضيلة مفتي الجمهورية، حديثه قائلًا: «وخلاصة ذلك كله: أنَّ نيل مصر أفضل الأنهار في هذه الدنيا وأحد عجائبها؛ فقد ذكره الله تعالى في كتابه وجعله آية من آياته، ومزجه بالرحمة، وملأه بالبركة، وأودع فيه مِن المزايا ما جعله سيد الأنهار، وأعظمها على الإطلاق؛ وقد وردت الآثار والأخبار التي تقرر وتبيّن ذلك؛ كما سبق بيانه».

تابع موقع تحيا مصر علي