مفتي الجمهورية: يحق للمرأة تولى المناصب القيادية والجلوس على منصة القضاء.. وحديث «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» خاص ولا يجوز تعميمه
ADVERTISEMENT
أوضح فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المقصود من حديث سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، كاشفًا عن حقيقة تحريم تولي المرأة المناصب القيادية عامة ومنصب القضاء خاصة بسبب هذا الحديث.
حكم تولي المرأة المناصب القيادية ومنصب القضاء
وقال مفتي الجمهورية: إن دعوى تحريم تولي المرأة المناصب القيادية عامة ومنصب القضاء خاصة استنادًا إلى حديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، دعوى باطلة، والاستدلال عليها بالحديث المذكور غير صحيح.
وأوضح فضيلة المفتي، أن حديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، ورد في واقعة معينة ولم يردْ على سبيل العموم، وإنما كان دليلًا وعلامةً على استجابة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كسرى ومُلْكِه، فلا يستقيم في العقل حملُه على وجه العموم، ولا يُعَدُّ إخبارًا عامًّا منه صلى الله عليه وآله وسلم بأن كل قوم يُوَلُّون امرأةً عليهم أنهم لا يُفلحون، وإلا لكان ذلك مخالفًا في بعض الأحيان للواقع.
وقائع الأعيان لا عموم لها
وأكد مفتي الجمهورية، أنه لا يصحّ الاستدلال على عدم جواز تولي المرأة المناصب العامة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (صحيح البخاري)؛ لأن هذا الحديث الشريف ورد على سبب مخصوص، وهو ما يُعرف في اصطلاح علماء الأصول بواقعة العين؛ وهي الحادثة أو النازلة المختصة بمُعَيَّن، والأصل في واقعة العين أنها تختص بالشخص المُعَيَّن الذى وقعت لأجله، فلا تعمُّ في حكمِها غيرَه، وكما تقرر في علم الأصول أن: «وقائع الأعيان لا عموم لها»؛ ومن ثمَّ فإن هذا الحديث الشريف واقعة عين، لا يُسْتَدَلُّ بها على غيرها أصلًا.
ومما يُستدل به على أن هذا الحديث الشريف واقعة عين لا عمومَ لها: أنه ورد على سبب خاص في سباق وسياق ولحاق معين، لا يستقيم في بداهة العقل حملُه على وجه العموم.
سبب حديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن العلامة ابن الجوزي، قد تعرَّض لسبب ورود حديث: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»، في كتابه (كشف المشكل)؛ فقال: «سبب قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا: أنه لما قَتَل شيرويه أباه كسرى، لم يملك سوى ثمانية أشهر، ويُقال ستة أشهر، ثم هلك، فملك بعده ابنه أردشير، وكان له سبع سنين فقُتِل، فملكت بعده بوران بنت كسرى، فبلغ هذا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً»؛ وكذلك كان، فإنهم لم يستقم لهم أمر» اهـ.
وأمَّا عن السباقات التي تعلقت بالحديث: فتتمثل في أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رُسُله برسائل إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الله عز وجل ومنهم كسرى ملك الفرس؛ قال العلامة بدر الدين العيني في كتابه (عمدة القاري): «وفي سنة ستٍّ بعثَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدَ اللهِ بنَ حذافة إلى كسرى ملك الفرس. قال الواقدي: كان ذلك في آخر سنة ستٍّ بعد عمرة الحديبية.. وقيل: في المحرم في سنة ست» اهـ.
ويأتي سياق الحديث ليشير إلى سوء أدب كسرى مع كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما أورده العلامة بدر الدين العيني في (عمدة القاري)، فقال: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقه.. فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُمزَّقوا كلَّ مُمَزَّق» اهـ.
وقد أصابت دعوةُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كسرى وقومَه، ودعاؤه لا شكَّ في إجابته؛ قال العلامة ابن الملقن في (التوضيح لشرح الجامع الصحيح): «ولما دعا عليهم صلى الله عليه وآله وسلم بذلك؛ مات منهم أربعة عشر ملكًا في سنة» اهـ.
وعن لحاقات الحديث الممثَّلة في الآثار المترتبة على دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال العلامة بدر الدين العيني في (عمدة القاري): «فدعا على كسرى وجنوده بأن يُمَزَّقوا كلَّ مُمَزَّق؛ بحيث لا يبقى منهم أحد، وهكذا جرى ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة ولا أمر نافذ، وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه» اهـ.
دلالة لفظ الفلاح الوارد في الحديث الشريف
وتابع فضيلة المفتي: أنه ممَّا يؤيدُ هذا المعنى ويدلُّ على أنَّ الحديث الشريف يمثل واقعة عين لا عموم لها: أنَّ دلالة لفظ الفلاح الوارد في الحديث الشريف تشير إلى معنى البقاء والفوز، وهو المعنى الذي يناسب سباقات وسياقات ولحاقات الحديث؛ يوضح ذلك ما ذهب إليه العلامة اللغوي ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة)؛ حيث قال: «الْفَاءُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا يَدُلُّ عَلَى شَقٍّ، وَالْآخَرُ عَلَى فَوْزٍ وَبَقَاءٍ.. وَالْأَصْلُ الثَّانِي الْفَلَاحُ: الْبَقَاءُ وَالْفَوْزُ» اهـ.
وعن الصلة الوثيقة بين سبب ورود الحديث الشريف ودعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كسرى ومُلْكِه: يقول الإمام القسطلاني في «إرشاد الساري): «والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أنَّ كسرى لمَّا مزَّق كتابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ودعا عليه؛ سلَّط الله عليه ابنَه فمَزَّقَه وقتَلَه، ثم قتَلَ إخوتَه؛ حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة؛ فجرَّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومُزِّقوا، واستجاب الله دعاءَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ» اهـ.
كما أكد على هذا المعنى وتلك الصلة: شمس الدين الكرماني في (الكواكب الدراري)؛ فقال: «هو مِن تَتمة قصة كتاب كسرى حين مزَّقه، وقتله ابنُه، ثم مات الابن بالسمّ الذي دسه أبوه له، ثم جعل البنت ملكة» اهـ. وقال أيضًا في (الكواكب الدراري): «وابنة كسرى اسمها بوران.. وكان مدة ملكها سنة وستة أشهر» اهـ.
وممَّا تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أنَّ سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَمَّا علِم بولاية المرأة؛ أخبر أنَّ هذا علامةُ ذهاب ملكهم وتمزُّقه، إجابةً لدعوته عليهم؛ مصداقًا لقول الله عز وجل: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا» (الأحزاب: 57)؛ ومن ثمَّ فلا يُعَدُّ ذلك إخبارًا عامًّا منه صلى الله عليه وآله وسلم بأن كل قوم يُوَلُّون امرأةً عليهم أنهم لا يُفلحون.