عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: استنساخ النباتات جائز شرعًا.. هي وسيلة تحقق الأمن الغذائي للبلاد.. والشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد

استنساخ النباتات
استنساخ النباتات

أحدث التقدم التقني ثورةً هائلةً في علم الزراعة والنباتات على مَرِّ العصور والدهور، ومِن جملة ما أحدثته هذه الثورة ويسعى البحثُ العلمي في تطويره والاستفادة منه بشتى طُرُقه واختلاف أساليبه وأنواعه: تقنية الاستنساخ النباتي، وفي هذا السياق ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما هو الحكم الشرعي في عملية استنساخ الأشجار والنباتات؟

أنتم أعلم بأمور دنياكم

وأوضح الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أنه فيما يتعلق بعلوم النبات؛ فقد أذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تدخُّل الإنسان من خلال علومه وخبراته لتطوير عالم النبات بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج فيه أو تحسين نوعيته، وذلك بإقراره صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة الكرام على تأبير النخل بقوله: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه) من حديث أم المؤمنين عائشة وأنسٍ رضي الله عنهما.

فأفاد أنَّ الله تعالى «قَضَى لِيُظْهِرَ حِكْمَتَهُ الْبَاهِرَةَ وَتَتَفَاوَتَ شُهُودُ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بَأَنَّ دَائِرَةَ الْأَسْبَابِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا»؛ كما قال الملَّا علي القاري في كتاب(مرقاة المفاتيح): «أَنَّ مَنْ ظَنَّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْفِلَاحَةِ وَنَحْوِهَا صَلَاحًا فَلَهُ فِعْلُهُ». وقال الأمير الصنعاني في كتاب (التنوير شرح الجامع الصغير)، كما أفاد مشروعيةَ تطوير البحث العلمي في «الْأُمُورِ الَّتِي وَكَلَهَا الشَّرْعُ إِلَى التَّجْرِبَةِ وَلَمْ يَأْتِ فِيهَا بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ جَازِمٍ».

الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية

المراد بـ استنساخ النباتات

وأكد مفتي الديار المصرية، أن من جملة ما توصل إليه البحث العلمي في هذا المجال وعلى هذا النحو ما يعرف بـ«استنساخ النباتات»، والاستنساخ هو تَكَوُّنُ كائنٍ حيٍّ بنسخةٍ مطابقةٍ للأصل الذي جاء منه؛ مِن حيث الخصائص الوراثية والتراكبية والشكلية.

وأما استنساخ الأشجار والنباتات، أو ما يعرف: بزراعة الأنسجة النباتية (Plant Tissue Culture)، أو زراعة الخلايا النباتية (Plant Cell Culture): هو أحد طرق الإكثار الخضري للنباتات والأشجار؛ أي أنها تقنيةٌ للوصول إلى نباتٍ مكتملِ النمو في وقتٍ أقل مِن الطرق التقليدية للإنبات، من أجل تحقيق الأمن الغذائي للبلاد والعباد؛ لكونها تعمل على إنتاج النباتات الناضجة بفترة زمنية قصيرة على مدار العام، مما يوفر نتاجًا غزيرًا يكفي الاحتياجات الدائمة.

وصورته: أن يقوم المتخصص باستخلاص أجزاء من النباتات الحية في صورة أنسجة وخلايا نباتية، يتم فصلُها عن الأصل، ووضعُها في أنابيب وحضانات داخل المعامل والمختبرات الخاصة لذلك - وتعرف بالبيئة الصناعية، والتي يستمر فيها النبات المراد استنساخه حتى يتشكل -، ثم يُنقل إلى التربة بعد اكتمال نموه حاملًا صفات النبات الأم الذي تم استخلاص الأنسجة منه سواء بسواء.

مميزات استنساخ الأشجار والنباتات

وأشار مفتي الديار المصرية، إلى أنه بتحقيق النظر في واقع تقنية استنساخ النباتات والأشجار وأهدافها، نجد أن المصلحة في استخدامها غالبة ومطلوبة؛ فهي تتميز بعدة أمور منها:

(1) - إنشاء عدد كبير من الشتلات في وقت قصير، وكميات كبيرة في مساحات صغيرة، مع ضمان نتاج غزير بجودة عالية.

(2) - التحسين الوراثي للنباتات المستنسخة بشكل سهل ويسير مع المحافظة على صفات النبات الأم الذي تم الاستنساخ منه؛ وذلك بانتخاب أصناف فيها تحاكي الظروف البيئية المختلفة من ملوحة أو جفاف، ونحو ذلك.

(3) - الحفاظ على النباتات النادرة من الانقراض نتيجة سوء أو عدم توافر الظروف البيئية المناسبة لها.

(4) - استمرارية الزراعة أو الاستنساخ على مدار العام؛ لعدم تأثرها بطقس أو موسم محدد؛ عن طريق تهيئة الفصول الأربعة داخل البيئة الصناعية.

وهي معانٍ وإجراءاتٌ عصريةٌ تتلاقى مع ما قرره الشرع الشريف من ضرورة تعمير الأرض وحرثها وإثارتها للزراعة من أجل توفير الطعام وتحقيق الأمن الغذائي للإنسانية؛ كما قال تعالى: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود: 61)؛ «يعني: أمركم من عمارتها بما تحتاجون إليه، وفيه الدلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية»؛ كما قال الإمام الجصاص في كتاب (أحكام القرآن).

فلولا الطعام ما عاشت الأجسام، ولذا عَدَّ الفقهاءُ الزراعةَ من فروض الكفايات؛ «لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ الدِّينُ والدُّنْيَا وَأُمُورُ الْمَعَايِشِ كُلُّهَا إِلَّا بِهَا؛ فَإِنْ تَرَكَهَا كُلُّ النَّاسِ أَثِمُوا كُلُّهُمْ»؛ كما قال العلامة جمال الدين الحبيشي الوصابي في كتاب (البركة في السعي والحركة).

الشريعة جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد

وتابع فضيلة المفتي: ومن المعلوم والمقرر في الشريعة الإسلامية أنها جاءت «لِتَحْقِيقِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ»؛ كما في (الموافقات) للإمام الشاطبي، وأن المصلحة إذا وُجدت فَثَمَّ شرع الله، كما هو مقرر عند أهل العلم؛ وذلك فيما لم يرد فيه نص قاطع ولم يعارض حكمًا مقررًا، وأنَّ «الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا الْإِبَاحَةُ»؛ كما في (الأشباه والنظائر) لجلال الدين السيوطي.

إضافة لما في تقنية استنساخ الأشجار والنباتات من المصلحة التي تحقق للبشرية الأمن الغذائي واستمراريته، فإن عدم استخدامها خاصة في ظل الأزمات العالمية والمناخية التي تهدّد الأمن الغذائي في العالم، مع الزيادة السكانية الهائلة؛ فإن ذلك يؤول إلى أضرار واقعة وأخرى متوقَّعة.

واتقاء الأضرار والبعد عنها وتجنبها هو ما حثَّ عليه الشرع الشريف، فكان الأمر بدرء المفاسد وإزالة الضرر ودفعه ورفعه؛ كما هو مقرر القواعد الشرعية أن الضرر يزال، والأصل فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».

وهذه التقنية وإن كانت ممدوحةً في نفسها مشروعًا فعلُها، إلا أنَّ استخدامها مقيدٌ باللوائح والقوانين المنظمة لهذا الشأن، وما تقرره الجهات المختصة والمعنية بذلك؛ كما هو مفاد المادتين (2)، (4) من قانون رقم (904) لسنة 2008 م، في شأن شروط ترخيص معامل زراعة الأنسجة، والذي قررته وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي الزراعية.

حكم استنساخ الأشجار والنباتات

واختتم فضيلة المفتي: وبناءً على ذلك؛ فإن الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وأمرت بطَلَب العلم، وحثَّت على كلِّ ما مِن شأنه تطوير البحث العلمي الذي ينفع البشرية وتحصل به عمارة الكون في شتَّى المجالات ومُختَلَف التخصُّصات، وعظَّمَت شأنَ العلماء وأكرمتهم؛ سواء كان العلم دينيًّا أو ماديًّا تجريبيًّا.

وفي واقعة السؤال: لا مانع شرعًا من استخدام تقنية الاستنساخ النباتي متى ثبت عدمُ ضرره، وأنه يحقق متطلبات سلامة الغذاء، ويعود بالنفع والمصلحة على البشرية والبيئة النباتية والحيوانية، مع مراعاة ما يقرره تطوُّر العلوم والمعارف المتخصصة في هذا الشأن، والالتزام باستصدار التراخيص اللازمة له من قِبَلِ الجهات المختصة.

تابع موقع تحيا مصر علي