عاجل
الأربعاء 30 أكتوبر 2024 الموافق 27 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

فوضى عالمية!

تسبب تحديث لأحد برامج الكمبيوتر أرسلته شركة للأمن السيبراني في انقطاع أجهزة الكمبيوتر وخلفت شللًا في جميع أنحاء العالم اليوم الجمعة، مما أثر على شركات الطيران والمستشفيات وخدمات الطوارئ وآلاف الشركات والخدمات الأخرى. كيف يمكن أن تحدث الفوضى في العالم بهذه السهولة وكيف يعتمد العالم في شتى قاراته على شركة كمبيوتر واحدة… أليس هذا هو مفهوم الاحتكار الذي تتلقى الدول النامية دروسًا وانتقادات بشأنه من طرف الدول والمؤسسات المالية الغربية وتوجه تعليمات بضرورة تلافيه حتى نصبح دولًا "لائقة"؟!.

هي أسئلة كثيرة محيرة تملأ الرؤوس إزاء موقف عبثي حول العالم إلى جزيرة نائية منقطعة عن جميع الخدمات في ثواني، ولن يجد لها غالبًا أجوبة مقنعة! 
بدأت قصة الفوضى من تحديث أرسلته شركة كراودسترايك (CrowdStrike )، وهي شركة للأمن السيبراني مقرها في أوستن، بولاية تكساس الأمريكية، إلى الشركات التي تستخدم برامجها للحماية من المتسللين والمتسللين عبر الإنترنت. ويسمى البرنامج ( Falcon Sensor)، ويتولى فحص جهاز الكمبيوتر بحثًا عن عمليات الاقتحام وعلامات الاختراق. لكن، عندما وصلت التعليمات البرمجية الجديدة من شركة كراودسترايك إلى أجهزة الكمبيوتر التي تقوم بتشغيل برامج (Microsoft Windows)، بدأت أعطال الأجهزة لدرجة الشلل التام في المطارات العالمية وشركات الطيران والمستشفيات وخدمات الطوارئ، إضافة إلى مقرات للقوات وخدمات لوجستية شديدة الأهمية والحساسية.

وكانت التداعيات فورية وضارة. نظرا لكون شركة كراودسترايك تدعم العديد من الشركات الكبرى، ومنها مايكروسوفت التي تعتمد ملايين الشركات على برامجها. واضطرت شركات طيران عديدة لإلغاء رحلاتها ودخلت المطارات في حالة من الفوضى في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وانتابت بعض المسافرين حالة من الخوف لدرجة أن البعض أخذ يردد أنه هجوم سيراني وإعلان عن بدء حرب عالمية، خاصة في ضوء وصول أخبار عن عدم تعطل الخدمات في الصين وروسيا.

في الولايات المتحدة، لم يتمكن مشغلو خطوط 911 في ولايات متعددة من الاستجابة لحالات الطوارئ. وأبلغت أجزاء من خدمة الصحة الوطنية البريطانية عن مشاكل لحقتها. ومعروف أن قطاع الصحة حيوي جدًا وتتعلق به أرواح! وطبعا الضرر قد يلحق بمواطنين في دول أخرى لن نعلم عنهم شيئا. كما توقفت محطات تلفزيونية ومحطات راديو عن البث ولم يتمكن المذيعون من البث على الهواء. 

وسلطت التأثيرات المتتالية الضوء على اعتماد العالم على شركة واحدة لبرامج الكمبيوتر وحفنة قليلة من شركات الأمن السيبراني مثل كراودسترايك التي تُعدُّ العمود الفقري للتكنولوجيا في العالم. عندما يتم إصدار برنامج معيب واحد عبر الإنترنت، فإنه يمكن أن يؤدي على الفور إلى إتلاف عدد لا يحصى من الشركات والمؤسسات التي تعتمد على موفري هذه البرامج للقيام بالأعمال اليومية. وهنا لوبيهات البزنس التي تعطي الدروس في عدم الاحتكار تختفي ولا نسمع لها تعليقا. ويظهر بشكل واضح مدى هشاشة البنية التحتية الأساسية للإنترنت في العالم. ورغم أن الهجوم الأليكتروني لم يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع إلا أن المشكلات التي حدثت أثارت تساؤلات مقلقة حول التداعيات التي يجب أن تواجهها شركات البرمجيات عندما تتسبب عيوب في التعليمات البرمجية الخاصة بها في حدوث اضطرابات كبيرة وفوضى على هذا النحو. وأمام تضرر العديد من أجهزة الكمبيوتر بالبرنامج المعيب مازال من غير المعروف حجم وتكلفة الأضرار وسرعة تنفيذ الإصلاح، خاصة في ظل اكتفاء مايكروسوفت بالاعتذار وتحميل المسئولية لشركة كراودسترايك، متوقعة أن تجد الأخيرة حلًا في أسرع وقت ممكن. 

ويتطلب الأمر العودة للاعتماد على العنصر البشري، الذي كثيرا ما يُهمش دوره، لإصلاح الأجهزة وإعادة تشغيل كل جهاز كمبيوتر يدويًا في الوضع الآمن، وحذف ملف معين ثم إعادة تشغيل الكمبيوتر. على الرغم من أنها عملية واضحة نسبيًا، كما يقول خبراء الأمن، إلا أنه قد لا يكون من السهل أتمتتها على نطاق واسع. 

وقد كشفت هذه المشكلة عن مشكلة أخرى تحدث عنها خبراء في التكنولوجيا واجهت مايكروسوفت أيضًا قبل يوم واحد. ولا أدري لماذا لم يتحدث عنها أحد رغم خطورتها. تأثر بعض عملاء مايكروسوفت، بما في ذلك بعض شركات الطيران، بسبب انقطاع نظام الخدمة السحابية Azure. وهذا يعني أن بعض المستخدمين لايزالون غير قادرين على الوصول إلى بعض تطبيقات وخدمات مايكروسوفت 365، بما في ذلك مؤتمرات الفيديو Teams. وقد لاحظتُ "شبه ثورة" من جانب مهندسين يعملون في صناعات أخرى مثل السيارات، حيث انتقدوا غياب العدالة في التعامل مع الشركات والمصنعين؛ فشركات البرمجيات لا تواجه سوى القليل من الالتزامات الناجمة عن الاضطرابات الكبرى وحوادث الأمن السيبراني ويمكن أن تكون العقوبات الاقتصادية والقانونية لمثل هذه الانقطاعات الخطيرة ضئيلة، في حين أن الشركات المصنعة للسيارات قد تواجه عقوبات صارمة وتدفع مليارات الدولارات للتعويض بسبب عيوب التصنيع!

تابع موقع تحيا مصر علي