لقاح كورونا والمسؤولية الأخلاقية لشركات الدواء
ADVERTISEMENT
العالم كله يتحدث عن لقاح (أكسفورد - أسترازينيكا) والقضايا المرفوعة ضد الشركة من مئات الأسر في بريطانيا والتي فقدت عزيزًا عليها أو مازال أحد أفرادها يعاني من تبعات خطيرة بسبب جلطات أصابتهم. وقد تصدرت القضية محرك البحث (جوجل) ومواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد اعتراف الشركة المصنعة خلال المحاكمة بوجود آثار جانبية للقاح، مما زاد من ذعر عدد كبير من المواطنين. وقد طُرحت القضية في مجلس النواب المصري، وقدمت النائبة سناء السعيد سؤالًا لوزير الصحة عن الإجراءات المتخذة لمتابعة ورصد الآثار الجانبية لعلاج كوفيد-19. لا أظن الآن أن النقاشات والمعارك الطاحنة في مواقع التواصل الاجتماعي تحمل أي جدوى مادام الضرر واضحًا وباعتراف الشركة التي تخوض مفاوضات حاليا في بريطانيا مع ممثلي الادعاء لتعويض المتضررين بدلًا من المضي قدمًا في جلسات المحاكمة.
وحتى نفهم القضية جيدًا بكل أبعادها، نعود إلى بدايتها في بريطانيا تحديدا، عندما أصدر الطبيب الشرعي تحذيرًا رسميًا بشأن وفاة شاب، أليكس ريد (28 عامًا)، تلقى جرعة قاتلة من فيروس كورونا بسبب خطأ في بياناته لدى هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية. ريد حصل على لقاح -أكسفورد أسترازينيكا- على الرغم من الخطر على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا. الهيئة الصحية مُسجل لديها بيانات ريد عندما كان عمره 11 عامًا، وكان يعاني من السمنة المفرطة، وتلك بيانات قديمة منذ العام 2004 ولم يتم تحديثها!
وقد أصدر الطبيب الشرعي التحذير قائلا إن الشاب المتوفي كان يتمتع بصحة جيدة عندما أُعطي "خطأً" اللقاح وأن "هناك خطأً طبيًا" تسبب في الوفاة. وكان مستشارو اللقاحات الحكوميون قد أوصوا بأن يحصل المتلقون الذين تقل أعمارهم عن هذا العمر على بدائل لـ "أكسفورد -أسترازينيكا" بسبب خطر الإصابة بجلطات الدم. غير أن المشكلة هنا تتمثل في أن هذا التحذير جاء بعد شهر من دعوة أليكس ريد لإجراء حقنته الأولى في مارس 2021. وكان ينبغي ألا يحصل ريد ومن مثله في العمر على الجرعة الثانية من اللقاح بعد أن تحذير الشركة من الأضرار.
وللأسف توفي ريد في 29 يونيو بمستشفى ليدز العام، بعد معاناة من جلطة دموية في الدماغ. وأصدر آنذاك أحد كبار الأطباء الشرعيين تحذيرًا بشأن موثوقية بيانات الخدمة الصحية. وفي تقرير منع الوفيات المستقبلية، قال أوليفر لونجستاف، الطبيب الشرعي لمنطقة ويست يوركشاير، "إنه لو كانت البيانات دقيقة لما مات ريد". وذُكر في التحقيق أن ريد تم تحديده على أنه "ضعيف" بسبب "مؤشر كتلة الجسم غير الصحيح" المسجل في سجلات الطبيب العام الخاصة به منذ فبراير 2004، عندما كان عمره 11 عامًا فقط. وجاء في تقرير الوفاة عن الطبيب الشرعي أن سبب الوفاة "نقص الصفيحات المناعي الناجم عن اللقاح"، وهي الحالة المرتبطة بلقاح أكسفورد أسترازينيكا الذي يشتبه في أنه تسبب حتى الآن في أكثر من 80 حالة وفاة في المملكة المتحدة ومئات من الإعاقات الدماغية الخطيرة.
والآن وبعد اعتراف الشركة في المحكمة وتقديم "الوثائق" بأن لقاح كوفيد الخاص بها يمكن أن يسبب أثرًا جانبيًا يتمثل في جلطات الدم مع انخفاض عدد الصفائح الدموية، أصبحت هناك مسؤولية على الشركة تجاه من تلقى اللقاح قبل نشر تحذيرها، خاصة من الشباب ومن المرضى الذين لديهم مخاطر من الجلطات.
والمسؤولية هنا ليست فردية بما أن الأشخاص يجهلون تداعيات اللقاح. هناك أيضا مسؤولية ملقاة على الحكومة البريطانية التي وافقت على طرح اللقاح بسرعةأثناء الوباء وقبل استكمال التجارب السريرية؛ نتائج تلك التجارب لم تظهر إلا بعد أن شرع الأشخاص في تلقي الجرعة الثانية.
عائلة الشاب ريد الذي لقي حتفه والرأي العام البريطاني يقولون إن هذه الوفيات "غير مقبولة وغير أخلاقية"، واتهموا شركة أسترازينيكا والحكومة بتجاهل تداعيات اللقاح على "العدد القليل" من الأشخاص الذين ماتوا أو تأثروا بشكل خطير بجلطات الدم من أجل التعجيل بطرح اللقاح وتحقيق المكاسب.
الآن وبعد جلسة المحاكمة في بريطانيا أصبحت القضية أمامنا جاهزة وبالأدلة، ولم تعد تحتاج لنقاش "محلي" حول تداعيات هذا اللقاح، وإنما تحتاج لجهد كبير لإحصاء المتضررين الذين تنطبق عليهم تلك المواصفات، وأقصد المتضررين في مصر الذين ذهبوا ضحية تلك التداعيات. وهذا يحدث الآن في دول كثيرة مثل ألمانيا وأستراليا وغيرها. ولنترك جانبًا الجدل العقيم الذي لا يقود لنتيجة ولنركز على الجهود الجادة حتى يُعوَّضَ المتضررون؛ والأمرُ ليس فرديًا بل لابد أن يكون جهدَ وزارة الصحة في المقدمة وجهد الأطباء ذوي الضمائر الحية والمحامين، والحمد لله لا يساورني أي شكٍّ في أنهم كثيرون. ومهما كانت التعويضات فهي رمزية في النهاية لأن الضحايا لن تعوض الأموال مهما كانت بلغت قيمتها غيابهم، لكن هناك درس مهم للمستقبل حتى لا يصبح المرضى مجرد رقم في ملف مكاسب شركات الدواء!