عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ماذا بعد اعتراف "الثلاثي" الأوروبي بالدولة الفلسطينية؟

في خطوة مشتركة، قررت إيرلندا والنرويج وأسبانيا الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة مع حلول الثامن والعشرين من مايو الجاري؛ وقاد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز هذه المبادرة وكان يحثُّ عددا من الدول الأخرى للاعتراف بفلسطين كدولة على أمل إعادة إطلاق محادثات السلام وإنهاء الحرب الإسرائيلية ضد غزة. وفي الوقت الذي يمثل قرار هذه الدول انتصارًا للقضية الفلسطينية، كان على العكس من ذلك انتكاسة أخرى للدولة العبرية. وجاء موقف الدول الثلاث بعد 12 يومًا من إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار يدعو فلسطين إلى أن تصبح دولة عضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة وذلك بعد أن نالت صفة "دولة مراقبة غير عضو" في نوفمبر 2012 و"دولة طرف" في المحكمة الجنائية الدولية.

أما ردُّ الفعل الاسرائيلي فتفوح منه رائحة الذعر الشديد خوفًا من أن تصبح في وقت قريب جدًا دولة منبوذة عالميا وتسقط عنها حصانة الديمقراطية الغربية، ولذلك قررت استدعاء سفرائها من تلك العواصم الغربية للتشاور. وتستعد الصهيونية حاليا لإعلان قائمة سوداء لشخصيات في تلك الدول مع اتهامات جاهزة لهم بمعاداة السامية، إضافة لحملات محمومة لتنظيف السمعة وستر جرائم الاحتلال وإبادته الجماعية لآلاف الأطفال والنساء في غزة. ويرفع تحالف "الامبريالية والصهيونية" العصى الغليظة حاليا لمعاقبة ما تسميهم "المارقين"، لأنهم يكشفون جبالا من الأكاذيب لإخفاء تطهير الاحتلال للجيب الأخير من غزة بلا رحمة والتهجير الآثم لسكان رفح. 

والسؤال الآن: ماذا بعد هذه الخطوة الأوروبية الثلاثية؟ من المتوقع أن تتجه دول أخرى لنفس المسار وقد يصل الأمر في غضون شهور قليلة إلى بلورة مشروع في الاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية. قد لا يجد حماسا مماثلا من فرنسا وإيطاليا كما قد ترفضه ألمانيا جملة وتفصيلا، لكن من غير المتوقع أن يظل المشهد كما هو مع ضغط المزيد من الدول الأوروبية لوضع حد لهذه الجرائم ضد الإنسانية، ليس من أجل الوقوف مع الفلسطينيين بقدر ما هو من أجل الانتصار للروح الأوروبية المناهضة للاحتلال والدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية التي تنص عليها الدساتير الأوروبية.

ولعل إزاحة السفاح من سدة الحكم أولوية الآن بالنسبة لحمائم السلام! من منظور صنّاع الديمقراطية وحماتها من الضروري التخلص من مرتكب الجرائم والإبادة الجماعية وتجهيز المسرح لغيره في المهمة القادمة. ستكون "الحلوى" بعدها جاهزة، وكذلك الإخراج الجديد لإعلان مشروع لبدء جولة من مفاوضات السلام؛ الشرط طبعا ألا يجلس على طاولة التفاوض من تلوثت يداه بالدماء، ولا يمد يده لأكل الحلوى إلا من يعرف كيف تصنع في المطابخ الدبلوماسية!
هذا ينطبق في التاريخ السياسي على قادة في الحروب تورطوا في جرائم إنسانية، لعل الثعلب هنري كيسنجر كان أبرزهم. جلس بعيدا عن المسرح بعد أن لطخت فضائح حرب فيتنام سمعته. وقد يدفع الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية -إذا ما اكتمل-إلى احتدام الخلافات الداخلية في الكنيست ويقضي على ما تبقى من الخطة الجهنمية التي تسعى الحكومة اليمينية إلى تنفيذها ومنها تهجير الفلسطينيين ودفن قضيتهم؛ هنا ستُزاح جميع العرائس القديمة ليتقدم غيرها.

عدد من يشارك في العرس مهم لكنه غير كاف بالنظر إلى دول ثقيلة الوزن قد تعرقل وتفسد التفاهمات. وفقًا للسلطة الفلسطينية فإن 142 دولة حتى الآن، من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، تعترف بالفعل بدولة فلسطين، لكن كثرة العدد وحدها لا تسعف لمضاهاة الوزن السياسي الثقيل للولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ومعظم أوروبا الغربية. وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، إبريل الماضي، لمنع محاولة الفلسطينيين الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. غير أنه لو بقيت الولايات المتحدة وحيدة في معسكر "التحالف الصهيوني" فإن الموقف قد يختلف جذريا مستقبلا. 

كما لا يمكن الجزم أن الحراك الأوروبي سيكون سريعا بعد اعتراف الدول الأوروبية الثلاث بالدولة الفلسطينية، لكن يظل الاعتراف من أهم الخطوات طيلة العقود الثلاث الماضية، ومنذ إعلان منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات فلسطين دولة مستقلة وعاصمتها القدس في 15 نوفمبر 1988 خلال المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة.
وتراهن بعض التوقعات الأوروبية على أن مطبخ الحكم في دولة الاحتلال هو من سيتولى إزاحة هذا "النتن ياهو" تحت الضغط الدولي والرأي العام الداخلي، وربما يطلق "عصفور" سلام جديدًا؛ ليس مهمًا اسمه أو تياره لكنه يقدر على نسج قصة مشابهة لقصة رابين. لن تتوقف ألاعيب الصهيونية أيضا في محاولة لكسب الوقت وصنع قفص للفلسطينيين على المقاس الاسرائيلي مجددًا، وسنرى كيف سيكون توازن القوى مع الدخول الحماسي للاعب الأوروبي في انتظار دخول من يفوز في سباق الرئاسة الأمريكي. فلمن ستكون الكلمة في الماراثون هذه المرة، وهل بمقدور أوروبا في حال اتفاقها أن تقف أمام تحالف الغاب "الأمريكي الصهيوني"؟!

تابع موقع تحيا مصر علي