الإفتاء تحسم الجدل حول حكم اجتماع الناس للصلاة على النبي الجمعة المقبلة
ADVERTISEMENT
يشن عناصر التيار السلفي، وكثير من المنتمين إلى التيار العلماني، هجمة شرسة ضد وزارة الأوقاف عقب قرارها بأن تصدح وتلهج جميع مساجد مصر عقب صلاة الجمعة المقبلة 26 مايو 2023 م، بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمدة خمس دقائق عقب أداء خطبة وصلاة الجمعة.
وزعم عناصر التيار السلفي، أن تخصيص وقت للصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «بدعة»، داعين المنتمين إليهم بمغادرة المساجد عقب انتهاء صلاة الجمعة وعدم المشاركة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
حكم الاجتماع للصلاة على النبي
وأكدت دار الإفتاء، أنه بخصوص دعوة الاجتماع للصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يوم الجمعة المقبلة؛ فإن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أفضل الذِّكر وأقرب القربات، وأعظم الطاعات، والاجتماع على الذكر المشروع يعدُّ من قبيل التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2).
ونصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة، وذِكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من العبادات المطلقة المشروعة في الأصل بدون تقييد؛ فتصحُّ على كل هيئة وحال في أي وقت - إلا ما جاء النهي عنه - وكذلك تجوز سرًّا وجهرًا فرادى وجماعات بكل لفظ وصيغة مشروعة.
ونُقل عن علماء الشرع الشريف ممَّن يعتدُّ بأقوالهم استحبابُ تخصيص يوم الجمعة وليلته بالإكثار من الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومنهم الإمام ابن قدامة الحنبلي؛ وذلك لما رُوي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَكْثِرُوا الصَّلَاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» (أخرجه ابن ماجه).
حكم مجالس الذكر
وأضافت دار الإفتاء، أن الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ من أفضل الذِّكر وأقرب القربات، وأعظم الطاعات؛ فقد فقال تعالى: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56)، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» (أخرجه مسلم).
وقد جاءت الأدلة من القرآن الكريم والسُّنة المطهرة على الحثِّ على مجالس الذكر، قال تعالى: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» (الكهف: 28)، وامتثال الأمر بمعية الداعين لله يحصل بالمشاركة الجماعية في الدعاء، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي ملأٍ ذَكَرْتُهُ فِي ملأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» متفق عليه، والذكر في الملأ لا يكون إلا عن جهر.
وورد في حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» (رواه مسلم).
الاحتجاج على عدم مشروعية الذكر الجماعي
وفندت دار الإفتاء، دعوى البعض التي يحتجون فيها بعدم مشروعية الذِّكر الجماعي بما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ما يفيد النهي عن رفع الصوت بالذِّكر، وهذا لا يصح عنه؛ قال ابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الفقهية الكبرى): «وأما ما نُقل عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يهللون برفع الصوت في المسجد فقال: ما أراكم إلا مبتدعين حتى أخرجهم من المسجد؛ فلم يصح عنه بل لم يَرِد».
وجاء في (حاشية الطحطاوي ص318): «وأجمع العلماء سلفًا وخلفًا على استحباب ذكر الله تعالى جماعةً في المساجد وغيرها من غير نكير، إلَّا أن يشوش جهرهم بالذكر على نائم أو مصلٍّ أو قارئ قرآن».
وجاء في (رد المحتار 6/ 398): «وقد شبَّه الإمام الغزالي ذِكر الإنسان وحده وذكر الجماعة بأذان المنفرد، وأذان الجماعة؛ قال: فكما أن أصوات المؤذنين جماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت المؤذن الواحد كذلك ذكر الجماعة على قلب واحد أكثر تأثيرًا في رفع الحجب الكثيفة من ذكر شخص واحد».
إشكالية تخصيص أوقات معينة للعبادات
وأكدت دار الإفتاء، أن إيقاع عبادة الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جهرًا بعد أي صلاة مكتوبة – فضلًا عن كونها صلاة جمعة - أمر مشروع ولا حرج فيه؛ فقد ورد الأمر الربَّانيُّ في الذِّكر عقب الصلاة مطلقًا في قوله تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا ٱللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ» (النساء: 103)، والمُطْلَق يُؤْخَذُ على إطلاقه حتى يأتي ما يُقَيِّده في الشرع.
وما قد يطرحه البعض من إشكالية أن تخصيص أوقات معينة للعبادات يعد من أبواب البدع، فهذا وهم وغلط في الفهم، فقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري: 3/ 69) وهو يتكلَّم على حديث ابن عمر رضي الله عنهما في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي مسجد قباء كلَّ سبتٍ ماشيًا وراكبًا: «وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك».
ونرى الناس حاليًّا يخصصون يومًا بعينه أو ساعة بعينها للجلوس لحفظ القرآن -مثلًا- وتدارسه من غير إنكار، فما الفارق بين تخصيص وقت لمُدارسة القرآن وتخصيص وقت آخر لذكر الله تعالى والصلاة على رسوله؟
مساجد مصر تصدح بالصلاة والسلام على النبي
وأعلنت وزارة الأوقاف، تخصيص موضوع خطبة الجمعة المقبلة 26 من مايو 2023 م، للتحدث عن: «فضائل الصلاة والسلام على خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم»، وذلك حبًّا وكرامةً في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأكدت وزارة الأوقاف، أنه في إطار التطبيق العملي لمضمون الخطبة تقرر أن تصدح وتلهج جميع مساجد مصر عقب صلاة الجمعة المقبلة بالصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمدة من ثلاث إلى خمس دقائق، بالصيغة التالية:
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.