عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

هل يقبل الله توبة الزاني؟ وما شروط هذه التوبة؟.. دار الإفتاء تجيب

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

هل يقبل الله توبة الزاني أو الزانية؟ وما شروط هذه التوبة؟ وهل يشترط لقبول توبة الزاني أو الزانية إقامة حد الزنا عليهما؟ وهل عندما تزني امرأة وتتزوَّج مَن زَنَى بها يزول وزر جريمة الزنا بمجرد الزواج أم يبقى الوزر كما هو؟

حكم الزنا في الشريعة الإسلامية

وقالت دار الإفتاء المصرية: إنه من المقرر في الشريعة الإسلامية أنَّ الزِّنَا حرامٌ وهو من الكبائر، وأنَّ مِن حِكَمِ الشريعة الغرَّاء في تشريع الزواج مراعاة حقوق الأطفال، ولذا أمر الإسلام بكل شيءٍ يوصِّل إلى هذه الحماية، ونهى عن كل ما يُبعد عنها؛ فأمر بالعفاف ومكارم الأخلاق، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ونهى الرجالَ أن يتشبهوا بالنساء، والنساءَ أن يتشبهن بالرجال، وأقام كلًّا منهما في الخصائص والوظائف التي تتسق مع خِلْقتهما.

وربط هذا كله بالحساب في يوم القيامة وبعمارة الأرض وبتزكية النفس، فاعتقد المسلمون اعتقادًا جازمًا أن مخالفة هذه الأوامر والوقوع في هذه المناهي يُدمِّر الاجتماع البشري، ويُؤْذِنُ بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، ويُمثِّل فسادًا كبيرًا في الأرض يجب مقاومته ونُصح القائمين عليه وبيان سيّئ آثاره.

جريمة الزنا.. ونقض العهد مع الله

وأضافت دار الإفتاء، أن علاقة خطيئة الزنا بنقض العهد مع الله واضحةٌ جليةٌ؛ لأن رب العزة جل علاه أخذ على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم عهدًا وطلب منهم المحافظة على عهدهم مع ربهم وأوصاهم وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته.

وذلك واضح من قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ» (الأعراف: 172)، فإذا خالف بنو آدم أمر الله ولم ينفذوا ما أمرهم به وارتكبوا خطيئة الزنا فإنهم بذلك قد نقضوا عهدهم مع ربهم.

هل يقبل الله توبة الزاني والزانية؟

وأوضحت دار الإفتاء، أن الزنا كبيرةٌ من الكبائر يزول وزرُه بالتوبة منه، وهذه التوبة تكون بالإقلاع عن الزنا والندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه، ومن تاب تاب الله عليه.

والله تعالى واسع المغفرة، وقد قضى سبحانه وتعالى أن تسع رحمته جميع الأشياء، وأن يشمل لطفُه خلقه وعبادَه؛ فإذا تاب العبد توبة خالصة قَبِلَ الله توبته حتى لو ارتكب أشنع المعاصي؛ لأن باب التوبة مفتوح لن يُغلق أبدًا إلا إذا وصلت الروح الحلقوم.

والله رحيم بعباده لطيف بهم؛ قال تبارك وتعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر: 53)؛ فالله تعالى واسع المغفرة، فإذا تاب العبد إلى ربه ورجع، قبل الله توبته حتى لو ارتكب أشنع الخبائث؛ لأن رحمته وسعت كل شيء في الأرض وفي السماء؛ قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ» (الشورى: 25).

باب التوبة مفتوح لن يُغلق أبدًا

وأكدت دار الإفتاء، أن الكافر إذا تاب إلى ربه وأسلم قبل الله تعالى توبته؛ قال تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ» (الأنفال: 38)؛ فمن باب أولى إذا ارتكب المسلم معصية كبيرةً أو صغيرة ثم تاب إلى ربه قبله الحق تباركت أسماؤه، وباب التوبة مفتوح لن يُغلق أبدًا إلا بعد أن تصل الروح إلى الحلقوم.

قال الله تبارك تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ» (النساء: 17 – 18). وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّ اللهَ يَقْبلُ تَوبةَ الْعَبدِ مَا لم يُغَرْغِر» رواه أبو داود وابن ماجه.

وليس ذلك فحسب بل إن حسنت توبة الإنسان؛ فإن الله عز وجل في علاه يبدلها له حسنات؛ لقوله في سورة الفرقان في صدد الحديث عن صفات عباد الرحمن: «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الفرقان: 68: 70)؛ فالتوبة إن حسنت فهي مقبولة بإذن الله تعالى ورحمته.

شروط توبة الزاني

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن من شروط توبة الزاني أو الزانية: الندم الشديد على ما فعل، والعزم الصادق على ألَّا يرجع إلى المعصية مرة أخرى، والإكثار من الاستغفار، وقراءة القرآن، والمحافظة على الصلوات المكتوبة والنوافل، وعمل الخير أملًا في رحمة الله ومغفرته ورضوانه.

وقد ورد أن هذه الأمور تكفِّر الذنوب وتمحو الخطايا؛ قال تعالى: «إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (الفرقان: 70)، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» رواه أحمد.

هل يشترط لقبول توبة الزاني أو الزانية إقامة حد الزنا عليهما؟

وبينت دار الإفتاء، أن من ارتكب كبيرة الزنا أو غيرها من الكبائر وقد ستره الله، فالواجب عليه ألَّا يتحدث بها، وإلَّا كان من المجاهرين، وعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله.

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ فَيَقُولَ: يَا فُلانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ».

فَمن أذنب ذنبًا وستره الله فعليه ألا يفضح نفسه؛ لأن من صفاته تعالى سترَ القبيح، فإظهاره كفرٌ بهذه النعمة واستهانةٌ بستره سبحانه، وعلى صاحب الذنب أن يتوبَ إلى الله تعالى بالإقلاع عن الذنب والندم على اقترافه والعزم على عدم العودة إليه، وعليه بكثرة الاستغفار.

والله تعالى لم يكلف كل من اقترف كبيرة من الكبائر فيها حدٌّ من الحدود أن يسعى لإقامة الحد على نفسه، بل هو مأمور بالستر على نفسه، والحدود هذه من شأن الإمام أو ولي الأمر، ولذلك لما أصاب ماعزُ بنُ مالكٍ جاريةً لا تحل له، أمره هَزَّالٌ أن يأتي النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فأتاه فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بِرَجْمِهِ، وَقَالَ لِهَزَّالٍ: «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ» رواه أبو داود والنسائي.

زواج المرأة بمن زنى بها

وحول: هل عندما تزني امرأة وتتزوَّج مَن زَنَى بها يزول وزر جريمة الزنا بمجرد الزواج أم يبقى الوزر كما هو؟ أكدت دار الإفتاء، أن زواج الزاني بمن اقترف هذه الجريمة معها ليس من شرط التوبة، بل التوبة تكون بالإقلاع عن الزنا والندم على فعله والعزم على عدم العودة إليه، كما أوضحنا فيما سبق.

وسواء تزوج منها بعد ذلك أو لم يتزوج، فليست التوبة مرتبطة بالزواج، وإن كانت المروءة تستدعي ستر من أخطأ معها، فإذا تابا كلاهما وكانا ملائمين للزواج يحسن زواجهما من بعض.

تابع موقع تحيا مصر علي