سعد الدين الهلالي: الدين لا يحتاج إلى التخصص.. وبعض المشايخ اتخذوه مهنة يأكلون بها عيش
ADVERTISEMENT
قال الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر: إن الدين شأن شخصي، فالإيمان بالله والصلاة والصوم والحج جميعها أمور شخصانية وليست مجتمعية تنظيمية، لكن عندما يكثر المصلون فهنا يحتاجون إلى تنظيم أحوالهم والتي منها السماح لهم بالصلاة في هذا المكان، ومنعهم من الصلاة في غيره كقارعة الطريق حتى لا يعطلوا المرور، وهذا يُسمى بتنظيم الحياة المجتمعية، لكن أمر الدين نفسه شخصاني.
وظيفة رجال الدين التبليغ فقط
وأوضح الهلالي، في تصريحات خاصة لـ «تحيا مصر»، أنه حتى تتضح المسألة أكثر ويستطيع الجميع التفرقة بين الأمر الشخصاني والتنظيمي، أقول: إن صلاتي في ملكي أو في بيتي وكذا صومي أمر شخصاني، أما صلاتي في ملك غيري وحجي في أرض غيري أمر تنظيمي، والأمر التنظيمي يحتاج إلى توافق أصحاب الشأن مسلمين كانوا أو غير مسلمين، لأنني حين أدخل في منظومة مع غيري يجب أن تكون السيادة للتراضي أو للعقود وليس لمعتقدي أو ديني الشخصي، ولذلك لابد من تحرير الموقف.
وأكد أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الدين رسالة، ووظيفة رجال العلم الدين تبليغ الرسالة فقط، ويجب عليهم توضيح كل الآراء والشروح والاستنباطات أو الأحكام الفقهية، أما أن يبلغوا رأيًا واحدًا ويستروا البقية فهذا عمل ليس من الأمانة في شيء، كما أنه يجعل الدين مهنة.
الإسلام ليس فيه «رجال دين»
وتابع الدكتور الهلالي: «ليس لدينا في الإسلام رجال دين، وإنما هم رجال العلم بالدين، وليس لدينا مهنة دين وإنما هى رسالة، وهناك جملة لسيدنا عيسى عليه السلام ذكرها الإمام أبو عبد الله المواق المالكي في مقدمة كتابه (التاج والإكليل لمختصر خليل)، يقول فيها: إن الله يحب العبد يتخذ المهنة يستغني بها عن الناس، ولا يحب العبد يتخذ الدين مهنة.
ووجه أستاذ الفقه المقارن، سؤالًا إلى كل المشايخ؛ قائلًا: أريد أن أسأل رجال العلم بالدين؛ هل الدين مهنة أم رسالة؟ وأتمنى أن يجيبوا إجابة حاسمة، فإن قالوا: مهنة، نقول لهم: «خلاص كلوا بها عيش»؛ أما نحن فسنظل نؤكد على أن الدين رسالة قائمة على الإبلاغ بصدق وأمانة، وعلاقة خاصة بين العبد وربه.
مؤكدًا، أن سبب كل المشاكل والتعقيدات تكمن في أن كثير من رجال العلم بالدين جعلوا الدين مهنة يأكلون بها عيش، ويريدون دومًا أن يظل الناس في حاجة إليهم بأن يذهبوا ويستفتونهم ويلغون عقولهم، وهم بدورهم يقولون للناس ماذا يفعلون.
الدين ليس تخصصًا.. ووظيفة علماء الدين البلاغ
وأشار الدكتور الهلالي، إلى أن من يقول إن الدين تخصص مثل الطب والهندسة وسائر العلوم والحرف يُريد أن يجعله مهنة، والدين ليس كذلك بل هو رسالة، وذلك مصداقًا لقوله تعالى: «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ» (الأحزاب: 39).
وأضاف أستاذ الفقه المقارن، في تصريحاته الخاصة لـ «تحيا مصر»، أن الطب والهندسة - على سبيل المثال - مهن تحتاج إلى خبرة ودُربة لأنها أمر فني، أما الدين فهو حق وتعبد ودعاء وصلة بين العبد وربه، فكيف نساوي الحق بالمهنة؟
موضحًا، أنه يجدر بنا التأكيد على أن وظيفة علماء الدين تنحصر في نشر الدين وإبلاغه وتعليمه، دون أن يمارسوه على غيرهم بمعنى أنه لا يصح أن يقولوا للناس: (تعالوا لنجعلكم تصلوا أو تصوموا)، وهذا بخلاف ما يقوم به الطبيب الذي يمارس مهنته على المريض عن طريق الكشف أولًا ثم التشخيص وأخيرًا وصف العلاج.
الدين رسالة.. وكل إنسان يبني دينه لنفسه
وقال الدكتور الهلالي: «أريد أن أتطرق إلى معنى راقي من معاني الدين وهو الإيثار على النفس، تحقيقًا لقول الله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ" (الحشر: 9)، وأسوق مثالًا واقعيًا نُعيشه في حياتنا الآن: حين يتقدم عدد كبير من الفقهاء لنيل عضوية المجمع الفقهي الفلاني، أو حين يتقدمون لوظيفة معينة، ويكون المطلوب قبوله عدد محدود، نجد كل واحد منهم يدعوا الله أن ينصره على البقية وأن يصبح هو المقبول، فأين الدين في هذا؟ إذن صارت هذه العضوية مادية ودنيوية ومهنة، وليست دينًا.
وحول كونه يرى أن الشيوخ في عصرنا الراهن جعلوا الدين مهنة؟ قال الدكتور الهلالي: «لا أستطيع القول بهذا، ولا أريد أن أتهم أحدًا، لكني أود أن أقول: إن الاتجاه الذي يرى أن الدين يحتاج إلى التخصص شأنه في هذا شأن الطب والهندسة.. وغيرهما من العلوم، هذا الاتجاه قائم على اعتبار الدين مهنة يتكسبون من ورائها ويأكلون بها عيش، وهذا مخالف لحقيقة أن الدين رسالة تُبلغ بصدق وأمانة عن طريق تعليمها للجميع من أجل أن يبني كل إنسان دينه لنفسه، والنبي صلى الله وسلم يقول: «إنما بعثت معلما».