دار الإفتاء: قراءة صحيح البخاري من أسباب تفريج الكرب ورفع الغلاء
ADVERTISEMENT
يسأل البعض عن حكم اجتماع الناس والعلماء وطلبة العلم وغيرهم، بغرض قراءة صحيح البخاري؛ تبركًا وتوسلًا إلى الله تعالى، وذلك ابتاعًا لما اعتاده علماء الأزهر من قراءة صحيح الإمام البخاري في الملمَّات والنوازل: كدفع الوباء، وكشف البلاء، ورفع الغلاء، وفصلت دار الإفتاء القول في هذا.
الإفتاء: صحيح البخاري أصحُّ كتاب بعد القرآن
وقالت دار الإفتاء المصرية: إن صحيح الإمام البخاري؛ هو أصحُّ كتاب بعد القرآن الكريم، ولذلك اعتنى به المسلمون أعظم عناية؛ حتى صار علامةً على المنهج العلمي الدقيق وعلى التوثيق في النقل عند المسلمين.
وأضحت دار الإفتاء، أن الاعتناءُ بـ صحيح البخاري، من أبواب رضا الله تعالى، وقراءتُه باب جليل من أبواب تعلم العلم النافع، وقراءتُه في النوازل والمهمات والملمات هو ما فعله علماء الأمة ومُحَدِّثوها عبر القرون سانِّين بذلك سُنة حسنة، ونصُّوا على أن قراءته وكتب الحديث سببٌ من أسباب تفريج الكرب ودفع البلاء؛ إذ لا شكَّ أن قراءةَ سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودراسَتَها والصلاة على حضرته صلى الله عليه وآله وسلم عند القراءة من أعظم الأعمال الصالحة.
وأكدت دار الإفتاء، أن العادة قد جرت في الديار المصرية قديمًا بقراءة صحيح الإمام البخاري؛ فابتُدئت قراءته في رمضان بالقلعة عام 775 هجريا بحضرة السلطان، حيث كان يجتمع بالقلعة طائفة من الفقهاء والعلماء لقراءة الصحيح، ويختم بشكل دوري كل ثلاثة شهور، ويقام لختمه حفلٌ.
وعلى ذلك جرى علماءُ الأزهر الشريف عبر القرون؛ حيث نُقِل كثيرٌ من الحوادثِ والوقائعِ التي اجتمع فيها علماء الأزهر لقراءة صحيح الإمام البخاري لدفع الوباء، والغلاء، والنصر على الأعداء، وخسوف القمر، وغير ذلك.
هل التعبد بتلاوة صحيح الإمام البخاري بدعة؟
وردت دار الإفتاء، على من يقولون: إن التعبد بتلاوة صحيح البخاري لمجرد التلاوة «بدعة»، وأن التبرك والتوسل به «حرام»، وأنه لا فرق في ذلك بين صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم، وأنها مجرد طقوس ابتدعها بعض الجهلة لمواجهة الأوبئة، والغلاء... وغيرها، وأن توظيف صحيح الإمام البخاري للاستشفاء والتحصين لرفع البلاء أمر متكلف.
وأوضحت دار الإفتاء، أن القول بنفي مقصود التلاوة والتبرُّك والتعبُّد بنصوص الكتاب والسنة؛ هو دعوى باطلةٌ لم يُسبَق إليها صاحبها؛ إذ هى مبطلة لباب الرواية والتلقي في الدين، مخالفة لإجماع المسلمين، ولو كان المراد عدم الاكتفاء بالرواية عن الدراية لم يصحَّ ذلك حجة على المنع، فليس كلُّ أحد يحسن الدراية، والناس في ذلك متفاوتون، ولذلك كان الحُفَّاظ عبرَ القرونِ حريصين على قراءة الحديث وتلقيه، وكانوا يخصصون الساعاتِ الطوالَ لسرْد نصوصِ الكتب الحديثية ومتونها، وهذا باب يختلف عن باب الدراية والتفسير والشرح والبيان.
وتابعت الدار: وتخصيص المسلمين لذلك شهرًا معينًا في السنة ومكانًا معينًا في بيت من بيوت الله لا يخرجُ طاعتهم وطلبهم للعلم عن المشروعية، بل ذلك أمرٌ ضروري لتنظيم طلب العلم وسماع الحديث، وإلا لكان تنظيم الدراسة في الكليات الشرعية مثلًا بزمان معين ومكان معين بدعة ضلالة، وهذا لا يقولُ به عاقل، وقد نصَّ أهل العلم على مشروعية تخصيص زمان معين أو مكان معين بالأعمال الصالحة.
المبتدع هو من يتهم المسلمين بالبدعة
وأما من اتهم المسلمين في فعلهم ذلك بالبدعة، فهو الأولى بهذا الوصف؛ لأنه تحجَّر واسعًا وضيَّق على المسلمين أمرًا جعل الشرعُ لهم فيه سعةً، حيث إن الإسلام حثَّ حثًّا مطلقًا على تعلُّم العلم وسماع كلام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر المطلق يقتضي عمومَ الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
ومنع المداومة على الخير ضربٌ من ضروب الجهل والصدِّ عن العلم النافع، والناهي عن ذلك قد سنَّ سنةً سيئةً في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مخالفًا بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أنَّ عمله كان ديمة، ومن أنَّ أحب الأعمال إلى الله أدومها كما ثبت في (الصحيحين) وغيرهما، ولم يلتفت في نهيه هذا إلى عواقبِ ما يقوله ويزعمه مِن صرْف المسلمين عن سماع حديث نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويُخشَى عليه أن يدخل بنهيه هذا في قوله سبحانه وتعالى: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ» (البقرة: 114).