عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء: قول «يا غارة الله» من كلام الصوفية.. والدعاء بها جائز

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

ورد سؤال إلى دار الإفتاء، نصه: ما حكم قول الداعي يا غارة الله؟ حيث ورد في بعض كتب الأدعية والأوراد المتداولة عبارة «يا غارة الله»؛ فهل هناك أي محظور شرعي في قولها؟

حكم الدعاء بعبارة «يا غارة الله»

وحول هذا السؤال قالت دار الإفتاء: إنه يجوز للداعي أن يقول في دعائه «يا غارة الله» ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، وأمر الدعاء مبناه على السَّعة وَتَخَيُّر الداعي ما شاء من الأدعية، دون ما اشتمل على الإثم والسوء، ويجب أن يُحَسِّن المسلم ظنه فيما يسمعه من المسلمين، وأن يحمل كلامهم على أفضل وأصح ما يحتمله من المعاني.

والدعاء بهذه الصيغة فيه إظهار لليقين بنصر الله وتحقيق وعده لعباده بالنصر والتأييد؛ إذ إن الداعي يخاطب جند الله الذين قيضهم الله لنصرة عباده بأمره جل جلاله؛ قال تعالى: «ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ».

وأوضحت دار الإفتاء، أن الدعاء والتضرع من أَجَلِّ وأشرف القرب والطاعات التي يتقرب بها المكلفون إلى الله جل جلاله؛ قال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» (غافر: 60).

وروى الإمام الترمذي في سننه، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَة». وحقيقة الدعاء في اللغة: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال. ولا يبعد معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي؛ قال الإمام الخطابي في كتابه «شأن الدعاء»: (ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربَّه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذِّلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه).

جواز الدعاء بغير المأثور عن النبي

وأكدت دار الإفتاء، أن ممَّا يدل على جواز الدعاء بغير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما ثبت من إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض الصحابة في دعائهم وذكرهم لله بأدعية وأذكار من إنشائهم، ولم يأمرهم بالوقوف عند الوارد فقط؛ ومن ذلك: ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «مَنِ المُتَكَلِّمُ» قَالَ: أَنَا، قَالَ: «رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ».

وممَّا يدلّ على جواز الدعاء بغير المأثور كذلك: ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ».

معنى قول: يا غارة الله

أمَّا خصوص قول الدَّاعي في دعائه «يا غارة الله» كما ورد في حزب النصر للإمام الشاذلي من أبيات تنسب للإمام عبد القادر الجيلاني. ينظر: «أوراد الطريقة الشاذلية»، وهي قوله:

إنْ أبْطـَأتْ غـَارَةُ الأرْحَامِ وابْـتـَعـَدَتْ *** فـَأقـْرَبُ السَّـــيْرِ مِنـَّا غـَارَةُ الله

يا غـَارَةَ اللهِ جـِـــدِي السـَّيـْرَ مُسْرِعَـــة *** في حَلِّ عُـقـْدَتـِنَا يَا غـَارَةَ اللهِ

فالغارة في اللغة من الغَور، وله أصلان؛ أحدهما: خفوض في الشيء وانحطاط وتطامن؛ مثل قولهم: غار الماء؛ ومنه قوله تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا» (الملك: 30)، والأصل الآخر: إقدامٌ على أخذ مالٍ قهرًا أو حربًا؛ كقولهم: أغار بنو فلان على بني فلان إغارة وغارة، ويقال كذلك: أغار يغير إذا أسرع في العدو. والغارة كذلك اسم من الإغارة، ثم أطلقت الغارة على الخيل المغيرة المسرعة في العدو؛ ومنه قول الكميت بن معروف:

ونحن صبحنا آل نجران غارة *** تميم بن مر والرماح النوادسا

يقول: سقيناهم خيلا مغيرة، وشنوا الغارة؛ أي: فرقوا الخيل، وأغار على العدو: هجم عليهم ديارهم وأوقع بهم.

ونسبة الغارة إلى الله من باب قوله تعالى: «أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (المجادلة: 22)، والمراد جند الله؛ جاء في (تفسير الإمام الرازي): «قال الحسن: جند الله، وقال أبو روق: أولياء الله، وقال أبو العالية: شيعة الله، وقال بعضهم: أنصار الله، وقال الأخفش: حزب الله الذين يدينون بدينه ويطيعونه فينصرهم».

وقد ورد في السُّنَّة ما يشبهه في المعنى والمبنى؛ حيث سمَّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيل المؤمنين (خيل الله) وكان يبعث مناديًا عند الملمات والغزوات ينادي (يا خيل الله اركبي)، وقد بوب الإمام أبو داود في سننه بابًا بعنوان: (باب في النداء عند النفير: يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبي)، وفيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: «أمَّا بعد فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سمى خيلنا: خيل الله إذا فزعنا».

استعمال عبارة «يا غارة الله» جائز

فيكون استعمال عبارة «يا غارة الله» بهذا التركيب جائزًا لغة، بل واستعملت العرب مثل هذا التركيب وأقر نحوَه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قوله: «يَا خَيْلَ اللَّهِ».

والمنادى في كلا التعبيرين -"يا خيل الله" و"يا غارة الله"- ليس الخيل أو الغارة، فالمنادى هو ركاب الخيل والغارة من عباد الله، فحذف المنادى للعلم به، وحذف ما يعلم جائز في لغة العرب.

فالمعنى في قول الداعي: «يا غارة الله جدي السير مسرعة في حل عقدتنا يا غارة الله" هو يا ركاب غارة الله أسرعوا بالنصر من عند الله في حل عقدتنا كما وعدنا الله، وهو من إطلاق الشيء وإرادة لازمه؛ فكأنه يقول: يا نصر الله؛ أي: اللهم انصرنا وأعزنا وتولنا، من باب المجاز والتوسع في اللفظ؛ كقول القائل: "فلان أخذ بيدي"؛ يعني لازمه وهو النصرة، ولا يراد منه خصوص الجارحة. أو قول القائل: "ملأت الشمس المكان"؛ أي الضوء، فالشمس مجاز مرسل، علاقته الملزومية؛ لأنها متى وُجدت وُجد الضوء، والقرينة: ملأت».

والدعاء بهذه الصيغة فيه إظهار لليقين بنصر الله وتحقيق وعده لعباده بالنصر والتأييد؛ إذ يخاطب الداعي جند الله الذين قيضهم الله لنصر عباده بأمره جل جلاله؛ قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» (محمد: 7)، وقال تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ» (الأنفال: 12).

والشأن في كلام المسلمين أن يحمل على أفضل الوجوه إن كان له وجه في الخير؛ ذكر الإمام ابن عبد البر في الاستذكار: (عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا يحل لامرئ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءًا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرًا).

لا سيما إن كان هذا الكلام مما تناوله العلماء المحققون والأولياء العارفون بالقبول؛ حيث استعملت كلمة: «يا غارة الله» في دعاء سيدي عبد القادر الجيلاني وسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنهما.

واختتمت دار الإفتاء: «وبناءً على ما سبق: فإنه يجوز للداعي أن يقول في دعائه: «يا غارة الله» ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، وأمر الدعاء مبناه على السَّعة وَتَخَيُّر الداعي ما شاء من الأدعية، دون ما اشتمل على الإثم والسوء، ويجب أن يُحَسِّن المسلم ظنه فيما يسمعه من المسلمين، وأن يحمل كلامهم على أفضل وأصح ما يحتمله من المعاني.

تابع موقع تحيا مصر علي