عاجل
السبت 05 أكتوبر 2024 الموافق 02 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

الانتخابات الرئاسية في تونس 2024.. منافسة حقيقية أم مسرحية سياسية؟

المرشحون للإنتاخابات
المرشحون للإنتاخابات الرئاسية التونسية

في السادس من أكتوبر 2024، يتوجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد للبلاد، في انتخابات تُعد الثالثة من نوعها منذ ثورة 2011، لكنها الأولى في ظل دستور 2022. بينما تستعد البلاد لهذا الحدث الكبير، تثار تساؤلات جادة حول مدى نزاهة هذه الانتخابات، في ظل حملة انتخابية محكومة بالتوتر، ومعارضة سياسية متزايدة، ومخاوف من العودة إلى نظام استبدادي. هل ستُعيد الانتخابات تشكيل المشهد السياسي التونسي أم أنها مجرد خطوة رمزية؟

هل يمكن لتونس استعادة الروح الديمقراطية التي أطلقتها ثورة 2011؟

بعد ثورة 2011 التي أنهت حكم زين العابدين بن علي، أصبحت تونس رمزًا للأمل في منطقة مضطربة. إلا أن السنوات التي تلت الثورة شهدت تراجعًا في الثقة الشعبية بالنظام السياسي نتيجة عدم الاستقرار الاقتصادي، والاضطرابات الاجتماعية، وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق وعود الإصلاح. ومع صعود الرئيس قيس سعيد إلى السلطة في 2019، كانت الآمال معقودة على إعادة البلاد إلى مسار الإصلاحات الجذرية، لكن القرارات الاستثنائية التي اتخذها سعيد في يوليو 2021 أثارت مخاوف من عودة النظام السلطوي.

حملة انتخابية متوترة: بين قمع المعارضة وتهميش المنافسين

انطلقت الحملة الانتخابية في 14 سبتمبر 2024، بعد يوم من احتجاجات شعبية واسعة للدفاع عن الحريات العامة. هذه الاحتجاجات كانت بمثابة صوت المعارضين لسياسات الرئيس سعيد التي يصفونها بالاستبدادية. ومن أبرز القضايا التي أثيرت خلال هذه الحملة هو مشروع تعديل قانون الانتخابات، الذي قدّمه عدد من نواب البرلمان، والذي اعتُبر محاولةً لتقليص دور المحكمة الإدارية في مراقبة الانتخابات. هذا التعديل أثار قلقًا واسعًا لدى المعارضة، التي ترى أن قمع الحريات السياسية واستبعاد الشخصيات المعارضة يشير إلى أن الانتخابات المقبلة ليست سوى "مجرد إجراء شكلي".
 

الرئيس قيس سعيد

ما دور القضاء في حماية العملية الانتخابية في تونس؟

في سبتمبر 2024، رفضت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تنفيذ حكم المحكمة الإدارية الذي قضى بإعادة ثلاثة مرشحين تم استبعادهم من السباق الرئاسي. هذا القرار أثار جدلاً واسعًا حول مدى احترام السلطة التنفيذية للقضاء واستقلاليته، حيث يُعتبر القضاء أحد آخر الحصون المستقلة في البلاد بعد أن قام قيس سعيد بحلّ المجلس الأعلى للقضاء في عام 2022. تتهم المعارضة الرئيس سعيد بالسيطرة على جميع مؤسسات الدولة لضمان فوزه في الانتخابات، مما يعزز المخاوف من تحوّل تونس إلى نظام حكم فردي.

هل يمكن لانتخابات دون معارضة حقيقية أن تعكس الإرادة الشعبية؟

أعلنت العديد من القوى السياسية التونسية، مثل "جبهة الخلاص الوطني" (التي تضم حركة النهضة) والحزب الدستوري الحر، مقاطعتها للانتخابات الرئاسية. هذه الأحزاب رأت أن الانتخابات ستُجرى في ظل ظروف غير نزيهة، متهمة النظام الحالي بتقويض فرص المنافسة العادلة. يُشير المحللون إلى أن هذه المقاطعة تعكس أزمة ثقة عميقة في النظام السياسي، وتؤكد أن الانتخابات قد لا تكون سوى "استفتاء غير رسمي" على بقاء قيس سعيد في السلطة.
 

تراجع اهتمام الشارع التونسي: هل فقد الشعب إيمانه بالعملية السياسية؟

أشارت تقارير وتحليلات سياسية إلى أن الشارع التونسي يعاني من فتور غير مسبوق تجاه الانتخابات الرئاسية، إذ يتحدث البعض عن غياب الحماس العام تجاه هذه الانتخابات. الباحث التونسي شاكر الحوكي يصف المشهد الانتخابي بأنه "مفتقر للزخم"، حيث يرى أن استبعاد الأحزاب المؤثرة وسجن العديد من الفاعلين السياسيين أدى إلى تراجع اهتمام المواطنين. يُضاف إلى ذلك، تزايد الإحساس بالإحباط بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ما جعل الانتخابات تبدو للكثيرين كحدث بعيد عن همومهم اليومية.

هل يحقق قيس سعيد فوزاً ساحقاً في الجولة الأولى؟

من بين 17 مرشحًا تقدموا لخوض الانتخابات الرئاسية، وافقت الهيئة العليا للانتخابات على ثلاثة فقط، من بينهم الرئيس الحالي قيس سعيد. هذا العدد المحدود من المرشحين يقلل من فرص المنافسة الجدية، حيث تُشير التوقعات إلى أن سعيد سيحقق فوزًا سهلًا، ربما من الجولة الأولى. يُرجح المحللون أن سعيد سيحصد أغلبية مريحة، ما يعزز سلطته ويمنحه مزيدًا من الشرعية في تنفيذ رؤيته السياسية التي لطالما اعتبرها ضرورية لإنقاذ تونس من أزماتها المتعددة.

مشهد حقوق الإنسان في ظل الانتخابات: بين القمع والرقابة

رغم ما يُروَّج له من أن تونس ما بعد 2011 شهدت انفتاحاً كبيراً في مجال الحريات وحقوق الإنسان، فإن منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" أعربت عن قلقها البالغ من تصاعد القمع قبل الانتخابات. فقد زادت السلطات من مضايقاتها للمعارضين والصحفيين والنشطاء الحقوقيين، فيما فُرضت قيود جديدة على وسائل الإعلام. واعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين هذه الإجراءات محاولة واضحة لإسكات الأصوات المعارضة وتشديد الرقابة على الخطاب الإعلامي.

هل تستطيع تونس تجاوز أزماتها الاقتصادية والاجتماعية بعد الانتخابات؟

يبدو أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية تمثل العقبة الأكبر أمام أي رئيس قادم لتونس. فقد ارتفعت معدلات البطالة إلى 16%، بينما بلغت نسبة التضخم في أسعار الغذاء 10%. كما يُواجه الاقتصاد التونسي صعوبات كبيرة في تحقيق معدلات نمو مرضية، ما يُنذر بأزمة اقتصادية خانقة في ظل ارتفاع الدين العام إلى مستويات مقلقة، قاربت الـ 80% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه الأوضاع تزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتضع مزيدًا من الضغوط على الرئيس القادم، سواء كان قيس سعيد أو غيره، لتحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية.

 انتخابات 2024 – مرحلة جديدة أم تكريس للوضع الراهن؟

بينما تستعد تونس لخوض غمار الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تبقى الأسئلة الكبيرة حول مستقبل الديمقراطية في البلاد قائمة. في ظل مقاطعة المعارضة، والتشكيك في نزاهة الانتخابات، والقيود المتزايدة على الحريات، يبدو أن قيس سعيد ماضٍ في تعزيز سلطته. لكن، هل تكفي هذه الانتخابات لترسيخ حكم سعيد أم أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية ستدفع بالشعب التونسي للمطالبة بتغيير حقيقي؟ الأيام المقبلة ستحدد ما إذا كانت هذه الانتخابات ستكون نقطة تحول إيجابية أو خطوة نحو مزيد من التراجع السياسي.

تابع موقع تحيا مصر علي