عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مؤتمر إعمار الجنوب.. خطوة نحو مستقبل مستدام في ليبيا

مؤتمر إعمار الجنوب
مؤتمر إعمار الجنوب الليبي

يسعى الليبيون إلى إعادة إحياء جنوب البلاد عبر مؤتمر "إعمار جنوب ليبيا"، الذي ينظمه صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا في مدينة سبها، تحت شعار "من التهميش إلى الإعمار". يأتي هذا المؤتمر وسط تحديات هائلة يواجهها الجنوب الليبي، حيث يعاني السكان من نقص الخدمات الأساسية والبنية التحتية المتهالكة، ما أدى إلى موجات نزوح داخلي متزايدة، ومشاكل الهجرة غير النظامية.

افتتاح المؤتمر بحضور القادة الليبيين: بداية جديدة لعهد التنمية

أُقيم المؤتمر الأول لإعمار الجنوب في قصر فزان بمدينة سبها بحضور شخصيات قيادية بارزة، مثل قائد قوات "القيادة العامة" المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان أسامة حماد. وأعلن رئيس صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بلقاسم خليفة حفتر، افتتاح المؤتمر، مؤكدًا أن الهدف الأساسي هو الانتقال بالجنوب الليبي من حالة الإهمال إلى مستقبل أفضل من خلال مشاريع تنموية شاملة.
 

حماد والمشير حفتر في مؤتمر «إعادة الإعمار» (حكومة الاستقرار)
 

يشارك في المؤتمر وفود رفيعة المستوى تمثل العديد من الجهات الحكومية والشركات المحلية والدولية. هذا الزخم الكبير يعطي المؤتمر طابعًا استثنائيًا، حيث يُنظر إليه كمحاولة جادة لإيجاد حلول جذرية للتحديات التي تواجه المنطقة.

تحديات متجذرة: من التهميش إلى الأمل

الجنوب الليبي هو من أكثر المناطق تهميشًا منذ عقود، حيث يفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية والتعليمية، فضلاً عن تهالك شبكات الطرق والبنية التحتية. وقد عانى سكان الجنوب من تجاهل الحكومات المتعاقبة، ما زاد من مشاعر الاستياء والظلم.
 

في الاجتماع الذي انعقد على هامش المؤتمر، أكد أعضاء مجلس النواب أن الأوضاع في الجنوب وصلت إلى مرحلة حرجة لا تحتمل المزيد من التأخير. ناقش النواب مع المدير العام للصندوق، المهندس بلقاسم حفتر، حلولًا عملية لمشاكل البنية التحتية، متعهدين بالعمل على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية مثل الكهرباء، الطرق، المياه، الصحة والتعليم. هذه المشروعات تُعد أساسية لاستعادة الأمل لدى سكان الجنوب ووقف موجات النزوح الداخلي.

محور الأمن والاستثمار: لماذا الجنوب الآن؟

يُشير محللون سياسيون إلى أن المؤتمر جاء في توقيت حاسم بعد استقرار أمني فرضه الجيش الليبي في المنطقة منذ إطلاق "عملية الكرامة" في 2014. بفضل استعادة الأمن، أصبحت المنطقة جاذبة للاستثمارات المحلية والدولية، ما يفسر التوافد الكبير للشركات التي شاركت في المؤتمر. هذه الشركات تأمل في المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار، التي من المتوقع أن تشكل نقلة نوعية في التنمية الاقتصادية للجنوب.
 

أزمة كبيرة يعيشها الجنوب في ليبيا

يشير الخبراء إلى أن الاستقرار الأمني الذي فرضه الجيش الليبي كان عاملاً محوريًا في هذا التحول، إذ مكّن المنطقة من التخلص من سيطرة الجماعات الإرهابية، ما هيأ المناخ للاستثمار والتطوير. التكاتف بين القبائل الليبية والجيش أعاد للجنوب استقراره، ما ساهم في تعزيز الثقة بين السكان والدولة.

إعادة الإعمار: من البنية التحتية إلى المشاريع الاستراتيجية

تُعد البنية التحتية المتهالكة في الجنوب التحدي الأكبر الذي تواجهه مشاريع الإعمار، حيث أكد المهندس أحمد النمر، مسؤول متابعة المشروعات بصندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، أن "خطة الإعمار تستند إلى تحديد الأولويات وفق الحاجة الملحة". تبدأ المشاريع بتطوير قطاعات الصحة والتعليم، إلى جانب بناء مرافق جديدة وتحسين شبكات الكهرباء والمياه والطرق.

واحدة من أبرز المبادرات التي ناقشها المؤتمر هي تحويل مدينة مرزق إلى أول مدينة ذكية تعمل بالكامل بالطاقة الشمسية، كجزء من استراتيجية أوسع لتطوير المدن الليبية المستدامة. تُعد هذه المبادرة علامة فارقة في التحول نحو الطاقة النظيفة، ما يُعد استجابة للتحديات البيئية والاقتصادية التي تواجه المنطقة.
 

أحد سكان درنة أمام منزله الذي دمره إعصار «دانيال» (رويترز)
 

تطلعات محلية ودولية: الجنوب بوابة الاستثمار الجديدة

لم يقتصر المؤتمر على الحضور المحلي فقط، بل شاركت فيه وفود من دول عربية ودولية، مماثلة لما شهده مؤتمر إعادة إعمار درنة في فبراير/شباط الماضي، والذي نجح في جذب استثمارات دولية من أكثر من 26 دولة. تسعى الشركات الدولية إلى الاستفادة من الفرص الواعدة في جنوب ليبيا، خاصة مع الحوافز الحكومية الجديدة التي تستهدف جذب الاستثمارات في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة.

من جانبه، أكد المدير العام للصندوق، بلقاسم حفتر، أن الصندوق سيواصل جهوده لإزالة كافة العوائق التي تقف أمام التنمية المستدامة في الجنوب، مشددًا على أهمية العمل المشترك بين الحكومة الليبية والشركات الدولية لتحقيق نتائج ملموسة في أقرب وقت ممكن.

إعصار دانيال: سيول مدمرة في شرق ليبيا تخلف آلاف الضحايا والدمار

في سبتمبر 2023، ضرب إعصار "دانيال" مناطق شرق ليبيا، مخلفًا دمارًا هائلًا وسيولًا عارمة اجتاحت مدن مثل درنة وبنغازي والبيضاء. المدينة الأكثر تضررًا كانت درنة، حيث انهارت سدود قديمة، ما أدى إلى تدفق المياه بشكل غير مسبوق وغمر أحياء بأكملها. السيول جرفت مبانٍ سكنية بالكامل، ودفنت المنازل تحت الطين والركام، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2800 شخص في درنة وحدها، بالإضافة إلى آلاف المفقودين​

تسبب انهيار السدود في تدفق المياه من وديان المدينة، لتتحول إلى سيول جارفة ألحقت الدمار بالبنية التحتية وأدت إلى خلع الأشجار من جذورها. يُقدر أن حوالي 10,000 شخص ما زالوا في عداد المفقودين، في حين أُعلنت مدينة درنة منطقة منكوبة بسبب حجم الدمار الهائل
 

من الدمار الذي خلفه إعصار «دانيال» في درنة (أ.ف.ب)

تطلعات الشعب الليبي: الأمل في المستقبل

يعلق الليبيون آمالاً كبيرة على نجاح هذا المؤتمر لتحقيق نقلة نوعية في مستوى الخدمات والتنمية في الجنوب. يأمل السكان أن تكون نتائج المؤتمر نقطة تحول حقيقية نحو مستقبل أفضل بعد سنوات طويلة من الإهمال والمعاناة.

المؤتمر يمثل فرصة نادرة لتغيير الوضع القائم، خاصة في ظل الدعم الدولي والمحلي المتزايد، وتوافر الرغبة في الاستثمار في المنطقة. نجاح مشاريع الإعمار قد يُسهم في الحد من الهجرة الداخلية، وتحسين الظروف المعيشية للسكان، وبالتالي تعزيز استقرار ليبيا ككل.

 

تابع موقع تحيا مصر علي