ياسر حمدي يكتب: مشروع القرن.. والقلعة الحمراء
ADVERTISEMENT
طالما أنك من عشاق ومشجعي النادي الأهلي احلم وتمنى لأن هذا الكيان العظيم دائمًا ما سيحول كل أحلام جمهوره العريق وأمانيه إلى حقائق ملموسة يفتخر بها كل أهلاوي في العالم، تخيل وسافر بخيالك إلى أبعد الحدود وشركة «القلعة الحمراء» إحدى قلاع الأهلي ستنجز كل ما تطمح إليه لتميزك عن باقي مشجعي الأندية الرياضية في كل مكان في الكرة الأرضية.
إن أهم ما يميز النادي الأهلي بشكل كبير عن باقي أندية العالم، أنه كيان عريق وكبير، له جذوره وتسلسله التاريخي، وحاضره لا يلغي ماضيه، وفي اللحظة التي يتحقق فيها الهدف تكون ثمرة نتاج تعب ومجهود ليس فقط لمن وصل لتحقيق الهدف وحده فقط، بل لكل من ساهم وفكر وساعد وساند في تنفيذه منذ أن كان فكره، فالكل في الأهلي كخلية النحل يعملون بجد وتفاني، ويسعون لتنفيذ وتحقيق وإنجاز احلام وطموحات وتخيلات وأماني جمهوره العظيم على مر السنين.
وفي محافل العظمة والفخر يجب الشكر لكل من وضع النادي الأهلي على القمة، فهم رجال مخلصون وجنود معلومون، وجمهور يصنع المستحيل يدًا بيد مع جيل تلو جيل، ومن الوفاء ألا ننسى أهل الفضل، رحم الله رجالًا قدموا قبل رحيلهم مجهودات مضنية كثيرة وعظيمة في تحقيق احلام وطموحات محبي وعشاق هذا الكيان الكبير.
إن ذكر الكابتن محمود الخطيب لمجهود روساء النادي الأهلي السابقين في حفل تدشين «مشروع القرن»، الفريق مرتجي، والكابتن صالح سليم، والكابتن عبده صالح الوحش، والكابتن حسن حمدي، والراحل الوزير العامري فاروق، ومحاولاتهم المستميته وجهودهم المضنية للوصول لتنفيذ وتحقيق حلم «استاد النادي الأهلي» الذي يجمع جمهور النادي في كل الأوقات خلف فريقه، كان توثيق في غاية الأهمية لدور كل رؤساء النادي الذين وضعوا وساهموا ونفذوا وخططوا واحترموا دستور القلعة الحمراء.
على مدى 117 عامًا شهد النادي الأهلي العديد من المشروعات، وكان بعضها بسيطًا لكنه كان حلمًا، وكان بعضها يحتاج إلى أموال وعمل سنين، لكنه كان ممكنًا، وليلة الثلاثاء الماضي، وفي حفل تاريخي وأسطوري دشن الأهلي مشروعه الكبير للقرن الحادي والعشرين، ببناء مدينة رياضية في مقره بالشيخ زايد في أكتوبر، وأساس هذه المدينة هو «استاد الأهلي»، ليكرر بذلك مشروع استاد التتش الذي أحاطت به العديد من الملاعب في مقره بالجزيرة، وهو المقر الذي وصفه المؤسسون عام 1907 بأنه يقع في منطقة نائية خارج القاهرة تحيط به المروج الخضراء.
اليوم ستكون شركة «الأهلي للإنشاءات» هي المسئولة عن الاستاد الجديد وهذه الشركة ضمن قلاع كثيرة أسسها النادي الأهلي، لكن الاستاد ضمن مشروع كبير ومتكامل لمدينة رياضية تتكلف 12 مليار جنيه، وتضم الاستاد بسعة 22 ألف متفرج كمرحلة أولى تزيد إلى 40 ألفًا فيما بعد، والمدينة بها مستشفى عالمي وجامعة رياضية ومدرسة دولية وفندق ومتحف، وصالات، ومطاعم، وشارك في تصميمها شركات عالمية منها أمريكية وبريطانية وإسبانية.
هناك تحالف مصري يضم العديد من الشركات الوطنية، بجانب شركة إماراتية، ويمنح هذا التحالف حق انتفاع لمدة 25 سنة، على أن يحصل الأهلي على حصة من الإيرادات بعد 15 سنة، والاستاد لن يكون مجرد ملعب كرة قدم، لكنه سيتضمن مناطق استثمارية وترفيهية شأن العديد من الملاعب الأوروبية لأكبر الأندية، ويدير هذا المشروع العملاق شركة «القلعة الحمراء»، ويرأس مجلس إدارتها محمد كامل، وتضم العديد من الوزراء والشخصيات العامة صاحبة الخبرات في شتى المجالات.
كان النادي الأهلي العظيم قد تخلص من قيود البيروقراطية بإنشاء شركاته المتعددة، وأهمها شركة الأهلي لكرة القدم، لكن المعروف أن النادي كان سابق عصره حين تأسس عام 1907 كشركة مساهمة بقيمة خمسة جنيهات للسهم، وتولت شركة أجنبية اسمها «راسل كوررويت» إدارة حسابات النادي.
كان المبنى الرئيسي للأهلي يُضاء بالفوانيس، وكانت طرقاته وحديقته تضاء بالغاز منذ تأسيسه وحتى مطلع العشرينات، وعندما دخلت الكهرباء إلى النادي عام 1922، لتحل محل الغاز بتكلفة وصلت إلى 52 جنيهًا، كان ذلك واحدًا من عشرات المشروعات في عمر النادي العريق، ووقتها استحق الأمر احتفالًا من الأعضاء، خاصةً أن دخول الكهرباء، وصف في أحد تقارير مجلس الإدارة عن الفترة من 1922 إلى 1923، بأنها «أمنية طالما تمناها كل عضو».
مشروعات النادي الأهلي تفاوتت في حجمها وأهميتها على مدى مائة سنة، وكانت تكبر مع نادي القرن، وكان بعضها يبدو من الأحلام، لكنها تحققت بتعاون إداراته المختلفة وأجياله، حتى بات من المستحيل أن ينسب جيل من أجيال النادي الأهلي أنه صاحب مشروع كامل هو الذي بدأه، وهو الذي انتهى منه.
وكان النادي كلما كبر وازداد نشاطه، وازدادت التزاماته الرياضية والاجتماعية تجاه أعضائه، أو عشاقه من الملايين، يلجأ إلى كل السبل والطرق، من أجل البناء والتوسع، لا سيما أن الأعباء المالية كانت تزداد بصورة مذهلة، فكان يقترض من البنوك في بعض الأحيان، ويطلب إعانات حكومية في أحيان أخرى، أو يعتمد على هبات وتبرعات محبيه وعشاقه، وعلى سبيل المثال، عندما طرح مشروع بناء مسجد النادي في أواخر الأربعينيات، وبحث عن مصدر للتمويل، أعلنت الأميرة فائقة صادق تبرعها وتحملها تكاليف بناء هذا المسجد، وقدم مجلس إدارة النادي شكره إلى الأميرة على هذا العمل العظيم في عام 1951.
وفي هذا المجال أستطيع أن أضيف أسماء كثيرة لرجال أعمال أعطوا الأهلي بحب وانتماء حقيقي دون انتظار لأي مقابل، لكنني أذكر ـ على سبيل المثال ـ أحمد عبود باشا عضو ورئيس النادي، الذي تبرع بأكثر من 40 ألف جنيه، وكان وراء ظهور حمام السباحة بالجزيرة، والذي بدأ العمل به عام 1940، وإنشاء ملعب كرة القدم الرئيسي مطلع الستينيات، وكان الأهلي هو أول نادي مصري يضع عدادات للملعب الرئيسي لكرة القدم، لإحصاء عدد الحضور من الجمهور، وكان ذلك لأول مرة في ملاعب الكرة الرسمية بمصر، وقد ظل الأهلي يسدد تكاليف بناء ملعب كرة القدم الرئيسي حتى يونيو 1964 بكمبيالات شهرية قيمة كل منها 150 جنيهًا.
وكذلك الأمير عبدالله الفيصل الذي قدم الكثير للنادي منذ نهاية الثلاثينيات، وكان أهم ما قدمه الأمير عبدالله ذلك السعودي العاشق للقلعة الحمراء، تنازله عن حصته في عدة شركات، أضافت للأهلي ثروة بالملايين، تضمن للنادي دخلًا وتمويلًا ثابتين وتساعده في تحقيقات طموحاته، وقدم عشرات من محبي وعشاق الأهلي الكثير على مدى تاريخه.
وظل البناء يعلو ويمتد، وظل كل جيل يضيف ويكمل ما بدأه الجيل الذي سبقه دون أن ينسب أي مسئول لنفسه أنه صاحب أي مشروع من مشروعات توالت على مدى 117 سنة، ليبقى سر النجاح الباهر لهذا الكيان العظيم في جميع المستويات الرياضية والاجتماعية وغيرها في طريقة اتخاذ القرار التي تبنى على أساس أن «النادي الأهلي فوق الجميع»، ليظل نسرًا يحلق في سماء الكون.