عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: حرية الرأي والتعبير.. هل هي في خطر!؟

ياسر حمدي - كاتب
ياسر حمدي - كاتب صحفي

لطالما إتهم الغرب بلادنا بقمع حرية الرأي والتعبير، ولطالما صدعنا بشعارات ومتاجرات عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير في بلاده، ولطالما خدع الكثير من شعوب العالم بالإنسانية والديمقراطية، وفي النهاية وعلى صخرة الواقع تحطمت كل الشعارات والمتاجرات وبدأ الغرب عاريًا تمامًا حتى أمام شعوبه التي تتعرض الآن للقهر والاعتقال والتنكيل والسحل ليس إلا لأنهم مارسوا حرية الرأي والتعبير والديمقراطية.

فمن الواضح أنها حرية كرتونية - تفصيل على مقاس الغرب - فقط للمتاجرة وتجميل الوجه القبيح الذي رسخ النازية والفاشية والبربرية والإبادة والتجويع والسحق لكل من يقول رأيه بحرية، وانحياز سافر للإجرام والقتل وسفك دماء النساء والأطفال والمدنيين والتجويع والتدمير، وأصبح لا فرق بينه وبين البلدان العربية في قمع الشعوب من التعبير عن آرائهم كما يدعون!.

فمن بين الحسنات القليلة جدًا في المجزرة الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضي، هي أنها أسقطت الكثير من الأوهام التي كانت الولايات المتحدة وغالبية البلدان الأوروبية تجعلنا نعيش فيها، خصوصًا ما يتعلق بحقوق الإنسان وحريات التعبير والمساواة وعدم التمييز‫.‬

الطريقة التي تصرفت بها السلطات الأمريكية وبعض السلطات الأوروبية مع الاحتجاجات الطلابية المتنامية والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره في قطاع غزة، خصوصًا بعد إجتياح رفح الفلسطينية وتدمير معبر رفح من الجانب الفلسطيني، كشفت للجميع عن النفاق الغربي الواضح وعدم إيمانه الحقيقي بحقوق الإنسان وحريات التعبير إلا إذا كانت تصب في مصلحته وتتوافق مع هواه.

أظن أن المعارضين للغرب كانوا يعرفون ذلك بوضوح، لكن كثيرين أيضًا في وطننا العربي، ومنهم مثقفون كبار لم يصدقوا إطلاقًا أن النفاق الغربي وازدواج المعايير بهذه البشاعة للدرجة التي تصل إلى اعتقال طلاب لمجرد تعبيرهم عن رأيهم.

لا يعني كلامي السابق أن حقوق الإنسان وحريات الرأي والتعبير في بلادنا العربية والعالم الثالث أفضل أو أنها جيدة إطلاقًا.. هي غير موجودة تقريبًا إلا ما ندر، لكن على الأقل فإن غالبية النظم العربية لا تدعي إيمانها أو تطبيقها لحقوق الإنسان والحريات.

أستطيع القول إن الأشهر الأخيرة فجرت الكثير من المفاجآت الفاضحة التي عرت وكشفت وأسقطت الأقنعة، فحالة الانبطاح والتأييد والدعم الغربي للإجرام الإسرائيلي وضرب القواعد والمبادئ الإنسانية الدولية المستقرة بعرض الحائط كل ذلك يعري أكذوبة حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير على الطريقة الغربية التي تمضي وفقًا لمقولة «حرام عليكم حلال علينا».

الغرب لديه مزايا كثيرة لا ينكرها إلا جاحد ونموذجه السياسي أثبت قدرته على البقاء مقارنة ببقية الأنظمة الأخرى، لكن نحن اليوم نتحدث عن جانب إنساني وأخلاقي في النموذج الغربي ثبت يقينًا أنه غير موجود بالمرة، الأمر الذي ينسف جوهر المشروع الغربي من الأساس، مهما كان متقدمًا في جوانب كثيرة.

أتحدث اليوم عن الحكومات والأنظمة السياسية، وليس عن الشعوب والمؤسسات الغربية، الأولى تنظر للإسرائيليين باعتبارهم كائنات أرقى وأسمى مقارنة بالفلسطينيين، الحكومات الغربية ترى أن تدمير إسرائيل لقطاع غزة وقتل أكثر من 37 ألفًا وإصابة أكثر من 79 ألف فلسطيني هى دفاع عن النفس؛ أما إذا قاومت التنظيمات الفلسطينية المحتلة طبقًا للقوانين الدولية فهو إرهاب ينبغي إدانته!!.

أن تقتل إسرائيل آلاف الفلسطينيين وتهدم القطاع على رءوس أهله، وتحول غالبية السكان إلى نازحين، فهو أمر عادي في نظر بعض حكومات الغرب، أما أن يتظاهر آلاف الطلاب في الجامعات الأمريكية والأوروبية فهو حدث جلل يستدعي تدخل أجهزة الأمن وفض الاعتصامات بالقوة وتحويل الطلاب للتحقيق أو القبض عليهم.

تصدعنا بعض الحكومات الغربية ليل نهار بحقوق الإنسان وحريات التعبير، لكن أن يرفع بعض الطلاب في جامعات غربية لافتات تندد بالعدوان الإسرائيلي فهو أمر يستدعي الإدانة لأنه يهدد حق اليهود في الوجود!!.

الحكومات الغربية تمد إسرائيل بالمال والسلاح والذخائر المدمرة طوال الوقت، بل وترسل لها حاملات الطائرات وصواريخ الدفاع الجوي لحماية أجوائها، وتستخدم هذه الحكومات «الفيتو» دائمًا لمنع وقف إطلاق النار، وبعدها تطلق بعض التصريحات المنافقة عن ضرورة إدخال المساعدات لغزة.

الحكومات التي تفض اعتصامات طلابها وتمنع احتجاجاتهم لمجرد أنهم يعبرون عن رفضهم للمجازر ضد الأبرياء، لا يحق لها مطلقًا أن تصدعنا بعد الآن عن حقوق الإنسان أو حريات التعبير‫.‬. أما بعض طلاب الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني الغربية المتضامنين مع الفلسطينيين فلهم كل التحية والتقدير والإحترام لأنهم انحازوا لضمائرهم وإنسانيتهم.

تابع موقع تحيا مصر علي