عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: بالأدلة التاريخية.. مصر المدافع الأول عن القضية الفلسطينية قبل وجود المزايدين!!

ياسر حمدي - كاتب
ياسر حمدي - كاتب صحفي

الدور المصري لا مجال للمزايدة عليه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية كونه الأكبر تاريخيًا في دعم القضية على الإطلاق، فمنذ فجر التاريخ والجهد المصري جاء على كافة الأصعدة على المستوى السياسي والدبلوماسي والإنساني، وتكليلًا لجهودها المضنية طلبت محكمة العدل الدولية بالأمس من مصر مرافعة شفهية يوم 21 فبراير القادم ضد إسرائيل بعد أن قدمت القاهرة مذكرة ومستندات ووثائق؛ منها تفريغ كافة كاميرات معبر رفح، وكذبت من خلالها كل إدعاءات تل ابيب في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد دولة الإحتلال الصهيوني.

مصر قامت بتوثيق كافة الإدانات التي توجه لإسرائيل منذ إحتلال فلسطين، متضمنة كافة الأراضي التي ضمتها بقوة السلاح منذ اعتراف الأمم المتحدة بدولة إسرائيل، وكذلك كافة المقدرات التي سرقتها حكومة الإحتلال الصهيوني منذ ذلك الحين «وهذا شغل اللواء عمر سليمان عليه رحمة الله، ولا أحد يعلم عنه شئ حتي الفلسطينيين أنفسهم!»، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكاباتها منذ انسحابهم من غزة في عام 2007، فضلًا عن جرائم الإبادة الجماعية التي يقومون بها منذ طوفان الأقصى حتى اليوم، ومحاضر المفاوضات التي تمت بما فيها لقاءات بلينكن وبيرينز وغيرهم، وكذلك مكالمات الرئيس السيسي لبايدن.

وتطالب مصر خلال المرافعة بتوقف العدوان على غزة ورفح وتفعيل القانون الدولي، وتعويض إسرائيل للفلسطينيين عن كل التدمير «لأن إعادة الإعمار مسئولية من دمره»، ووقف تسليح إسرائيل عن طريق أمريكا، مع عرض لتناقض كل ما يدلي به «بايدن» من تصريحات ثم إعلانه تزويد إسرائيل بقنابل عالية الدقة، ومناشدة الكونجرس بعدم الموافقة على اشتراكهم في المجازر البشرية في رفح، وبذلك مصر تكون وضعت إسرائيل في مأزق حقيقي وكشفت تحركاتها الخبيثة أمام العالم، وفضحت الدعم الأمريكي الغير متناهي ومساندتها لمجازر حكومة الإحتلال تجاه الشعب الفلسطيني.

مصر، شعبًا، وجيشًا، حملوا لواء الدفاع عن فلسطين بمفردهم، ليس فقط منذ نكبة 1948، ومرورًا بالعدوان الثلاثي 56 ونكسة 67 وانتصار 73، كما يظن البعض، وإنما منذ تصديها للاستعمار الغربي، فيما يطلق عليه الحملات الصليبية المتتالية الباحثة عن السيطرة على مقدرات وثروات الشرق تحت شعارات دينية، وهي حماية القدس.

مصر دافعت عن فلسطين بالأفعال قبل الأقوال، في الوقت الذي اكتفى فيه غيرها بترديد الشعارات الصاخبة والخطب الرنانة والملتهبة في قاعات الفنادق الفارهة، ومن فوق الموائد العامرة بكل ما لذ وطاب من المأكولات، على شرف مقاطعة القاهرة وكيل الاتهامات لمصر بشكل دائم، وأنها مقصرة في دورها وكأن مصر فقط كُتب عليها أن تحارب وتتهم بالتخوين والتقصير. 

ومن غير مصر التي واجهت الصليبيين في معركة حطين الفاصلة، عام 583 هجرية 1187 ميلادية، وأسفرت عن تحرير مملكة بيت المقدس ومعظم الأراضي التي احتلتها الحملة الأوروبية المكبرة.. ومن غير مصر التي تصدت للحملة البحرية عام 565 هجرية، كما تصدت للحملة الصليبية الثالثة، ومزقت أواصر الحملة الخامسة، عام 618 هجرية. 

ومن غير مصر التي قهرت الحملة العسكرية التي قادها الملك لويس التاسع، ملك فرنسا عام 647 هجرية، 1249 ميلادية، والذي جاء على رأس أسطول ضخم يضم ما يزيد على 1800 سفينة تحمل ثمانين ألف مقاتل ومعهم عدتهم وسلاحهم ومئونتهم وخيولهم، وعندما وصلت سفن الفرنسيين إلى الشواطئ المصرية، كان الجيش المصري في انتظارهم، فأفزع الفرنسيين وهم لا يزالون في سفنهم بمجرد رؤية الجيش المصري، وهنا يصف «جوانفيل» - مؤرخ الحملة وأحد قوادها - الرهبة التي سيطرت على الفرنسيين عند رؤية الجيش المصري فيقول: «وصل الملك أمام دمياط، ووجدنا هنا كل جيوش السلطان تقف علی الشاطئ، كتائب جميلة تسر الناظرين، ذلك أن أسلحة السلطان قد صُنعت من ذهب، فكانت الشمس تشرق على هذه الأسلحة فتزيدها بريقًا ولمعانًا، وكانت الجلبة التي يأتون بصنوجهم وأبواقهم الشرقية تُدخل الرعب في أفئدة السامعين»، وانتهت المعركة بهزيمة ساحقة للفرنسيين وأسر الملك لويس التاسع، ووضعه في دار ابن لقمان في مدينة المنصورة.

ومن غير جيش مصر العظيم بقيادة الظاهر بيبرس، الذي قضى على دولة أنطاكية الصليبية، أغنى دولة أوروبية حينها في رمضان 666 هجرية.. ومن غير جنود مصر البواسل خير أجناد الأرض كما وصفهم الرسول صل الله عليه وسلم الذي اقتلع جذور الغرب نهائيًا من الشرق عندما حرر عكا، أهم معاقل أوروبا للسيطرة على الشرق، وذلك بقيادة خليل بن قلاوون سنة 690 هجرية.

وفي عام 829 هجرية، ورغم متاعب مصر الداخلية، وتحملها تجاوزات المملكة الصليبية في قبرص، والتحرش بالسفن المصرية، وغاراتها على ميناء الإسكندرية، رغبة في الانتقام من مصر التي طردت الصليبيين وقضت على معاقلهم، قرر السلطان برسباى، فتح الجزيرة وتأديبها، فأعد حملة كبيرة، وأسطولًا يضم مائة وثمانين سفينة أبحرت من رشيد عام 829 هجرية 1426 ميلادية، واتجهت إلى قلعة ليماسول، وبعد حصارها اقتحموها وهدموها، وقاد ملك قبرص يانوس بن جاك بن بيدرو جيشًا أكبر من جيش مصر ودارت معركة حاسمة بينهم انتصر فيها الجيش المصري، وأسروا الملك يانوس وأحضروه إلى القاهرة مكبلًا بالأغلال.

وحديثًا كونت مصر ما سمي الجيش العربي بقيادتها في حرب فلسطين عام 1948، ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي وكان جيشها في مقدمة هذه الجيوش العربية التي دافعت عن الأرض والشعب وامتلأت الأراضي الفلسطينية بالدماء المصرية، حيث قدمت مصر أكثر من 100 ألف شهيد و200 ألف جريح خلال حروبها مع إسرائيل من أجل فلسطين.

ولعبت القاهرة الكثير من الأدوار في خمس حروب تعرضت لها مدن قطاع غزة من الجانب الإسرائيلي، وتكللت الجهود والوساطة المصرية بالنجاح في إرساء تهدئة واستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والتحرك في مسارات آخرى تهدف لتفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي عام 1962، دعمت مصر الدستور في قطاع غزة، وقبلت مصر مبادرة روجرز عام 1970، والتي تضمنت العديد من النقاط منها إحلال السلام وإيجاد تسوية لقضية اللاجئيين وإجراء مفاوضات تحت مظلة الأمم المتحدة للتوصل لإتفاق وتنفيذ القرار 242.

وجاء اقتراح الرئيس محمد أنور السادات في عام 1972، ليدعو لإقامة حكومة فلسطينية مؤقتة، وذلك ردًا على ما قالته رئيسة وزراء إسرائيل حينها جولدا مائير بأنه لا يوجد شعب فلسطيني، كما زار السادات في 1977 إسرائيل وتحدث عن حقوق الفلسطينيين، وبدعوة مصرية أقر المجلس الوطني الفلسطيني في 1988 وثيقة الإعلان عن قيام الدولة.

وطرحت مصر في 1989 خطتها للسلام، ودعت لضرورة حل القضية ووقف الاستيطان، كما رحبت مصر في نفس العام بمبادرة جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي حينها، وشاركت مصر في 1993 في التوقيع على اتفاق أوسلو من أجل إقامة سلطة فلسطينية، وكان لمصر دورًا بارزًا في 1995 ليتم التوقيع على بروتوكول القاهرة ونقل مجموعة من الصلاحيات للسلطة الفلسطينية.

وفي 1997 تم التوصل إلى إتفاق الخليل بفضل الجهود المصرية، وشاركت مصر في المبادرة التي دعت فيها إلى رفع التمثيل الفلسطيني بالأمم المتحدة إلى مكانة شبه دولة، وتم طرح المبادرة المصرية الفرنسية في 1998، كما تم طرح المبادرة المصرية الأردنية في 2001 لوقف العنف.

واقترح الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في عام 2002، إعلان إقامة دولة فلسطين بحلول 2003، وكان لمصر جهود في إقرار خطة خريطة الطريق والتي تبنتها اللجنة الرباعية، وأيدت وثيقة جنيف في 2004، لتواصل مصر حتى 2009 دفاعها المستميت عن القضية، ومنذ 2014 ومصر تستنكر الممارسات الإسرائيلية وتؤكد وقوفها التام بجانب الفلسطينيين لتواصل مسيرة الدفاع عن القضية. 

وبعد هذا السرد المختصر، من حقنا أن نطرح الأسئلة على كل الكيانات والتنظيمات والجماعات، الذين يهاجمون مصر آناء الليل وأطراف النهار، أين أنتم مما يحدث منذ أربعة أشهر ومستمر حتى الآن في غزة من مجازر وحشية يرتكبها العدو الصهيوني؟ وأين كنتم طوال القرون والعقود الماضية من تحرير القدس؟ ولماذا الجميع يطالب الزج بجيش مصر فقط في أتون حرب تستنفد قواتنا البشرية وإمكانياتنا العسكرية وقدراتنا الإقتصادية وإعاقة انطلاقتنا التنموية؟ وأين الصواريخ التي كنتم تهللون بأنكم تمتلكونها، ولديها القدرة على ضرب قلب تل أبيب، وتمزق المستوطنات الإسرائيلية تمزيقًا؟ ولماذا تكتفون برفع العلم الفلسطيني في مظاهراتكم السلمية، وارتداء «الكوفية» الفلسطينية الشهيرة حول أعناقكم أمام كاميرات القنوات الفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية، ثم تخلعونها عقب انتهاء الفعاليات؟.

مصر ووفق الأدلة التاريخية، هي الوحيدة التي دافعت عن فلسطين والأماكن المقدسة، وأن جماعات المزايدة، وخزعبلات البعض الذين يشككون في قدرات الجيوش ويُعلون من شأن الميليشيات على مواقع التواصل الإجتماعي، لم يقدموا شيئًا حقيقيًا للقضية الفلسطينية سوى طنطة الكلمات، وتدشين الشعارات البراقة!.

تابع موقع تحيا مصر علي