المجالس المحلية.. غياب مؤثر ودور منتظر
ADVERTISEMENT
مع مطلع الأسبوع الماضى، بدأ وكأن القدر رتب لى سلسلة من اللقاءات المتنوعة مع مجموعات تنتمى إلى مستويات فكرية واهتمامات مجتمعية متباينة بداية من تاج الرؤوس البسطاء من أهل قريتى والقرى المجاورة، مرورا بكوادر حزبية محلية تشغل مواقع تنظيمية فى أحزاب ذات إيدلوجيات مختلفة مابين حاملى راية الموالاة وآخرين من أصحاب مواقف المعارضة الوطنية وصولا إلى تجمع تكنوقراط من رفقاء المهن الطبية غير المعنيين بالعمل العام والتوجهات السياسية، وكان الموضوع الأهم بلا شك فى هذه النقاشات هى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ومع تيقن الجميع ممن تحاورت معهم بموقفى المعلن والراسخ من تأييد ترشيح السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي لفترة رئاسية قادمة، كان باعثا لسرورى قناعة الشريحة العظمى ممن التقيتهم بهذا الرأي.. قناعة نابعة من تقديرهم لشخص هذا الرجل واجلالهم لدوره فى حماية معنى وكيان الدولة المصرية من السقوط ومواجهته بكل جسارة لجحافل الارهاب واعادته الامن والاستقرار الذى كاد ان يضيع للبلاد.
إلا أنه فى ذات اللحظة فإن نفس هذه الشريحة مع تأكيد تأييدها لم تخفى انزعاجها من الأوضاع الاقتصادية ولا معاناتها من غلاء الأسعار وامتد الحوار فى بعض الأحيان إلى الانتقاد الحاد لتر هل الآداء الإدارى وبطء القرارات وتضاربها داخل دولاب العمل الحكومى.
وسط ذلك كله كان لافتا للنظر وغريبا أن تصمت الأغلبية منهم عن ذكر أى تطور تم فى مجالات البنية التحتية ولا معلومة عن حجم الإنفاق الهائل فى مسارات التنمية المختلفة، ومبعث الاستغراب أن عددا من هولاء المتحاورين أنفسهم نالتهم ثمار هذا التطور والخدمات بشكل مباشر فى شوارع قراهم ومدنهم من خلال مشروع حياة كريمة ومن خلال برنامج التضامن الاجتماعى تكافل وكرامة.
هنا أدركت المعنى المقصود وراء العبارة الفلسفية الشهيرة "المرء عدو ما يجهل".. ظل هذا الهاجس المرعب محتلا عقلى وفى ذات الوقت ملتمسا العذر لهذه الشريحة المجتمعية متنوعة الفكر والتوجه والتى تستيقظ كل صباح على سيل عارم من الترصد السلبى والانتقاد لكل شىء وأى شىء فى مصر عبر مئات القنوات والصفحات والمواقع الاخبارية ومقاطع الفيديو الموجهة والاعلانات الممولة.
وبمزيد من التمعن، أدركت أننا فى هذه الحرب الممنهجة افتقدنا دور هولاء الرواة الذين يجلسون على المصاطب فى القرى أو على سلم المساجد أو فى ساحات الكنائس بعد صلاة الجمعة وقداس الأحد ليحكوا لأهلهم وجيرانهم عن المشروعات والخدمات والانجازات.
لقد قام بهذا الدور وبنجاح شديد ولفترة طويلة أعضاء المجالس الشعبية المحلية الذين كانت لديهم بحكم القانون واختصاصات مجالسهم فرصة الاطلاع على الخطط ومن بعدها الميزانيات ثم فى النهاية على اماكن واوجه الصرف والتنفيذ ومتابعتها.
بل إن هولاء الأعضاء على اختلاف مستويات مجالسهم التنظيمية اعتبروا انفسهم (وهذه حقيقة) شركاء فى صنع القرار وبالتالى فاصبح لزاما عليهم الدفاع عن هذه القرارات والاعلان عنها وترويجها باعتبارها انجازات شخصية لهم قبل ان تكون انجازات الدولة.
لقد تمتع هولاء بمصداقية كبيرة لدى مجتمعهم المحيط لأنهم من الأساس نتاج نسيجه وإفراز لكل شارع ونجع وكفر وقرية يعيشون مع الناس ويعملون معهم فى نفس أماكن عملهم كما أنهم كانوا مسلحين فى عرضهم الذى يبدو بسيطا بأرقام وميزانيات ومحاضر تخصيص أراضى.
إن وجود ما يزيد عن ٥٢ ألف عضوا محليا كان بمثابة وجود ٥٢ الف سفيرا منتشرين فى كل شبر من أرض مصر، ولا شك أن غياب هذا العدد من المؤثرين أفقد الدولة أذرعا إعلامية إيجابية كانت قادرة على التعبير عن حقيقة ما تم وعلى نقل معلومات حول نصيب كل شارع أو حى أو قرية من مشروعات وتنمية ومبالغ مالية تحملتها الدولة.
إحقاقا للحق لقد فتح كل ذلك سواء غياب أعضاء المجالس المحلية أو تراجع دور الإعلام المحايد الباب واسعا أمام مشروع ترويج الشائعات والاكاذيب وبث روح الاحباط داخل الفكر الجمعى المصرى.
ربما تكون الانتخابات الرئاسية القادمة واحدة من الجولات المهمة في حرب استهداف كيان الدولة المصرية، لكن لازال أمامنا جولات ولازالت المعركة مع قوى الظلام مستمرة.
ولا أدرى لمصلحة من يفقد معسكر الدولة المصرية ما يزيد على ٥٢ ألف مقاتل ضمن صفوفه.