مفتي الجمهورية: الاستيلاء على أراضي الدولة عن طريق وضع اليد «محرم شرعا»
ADVERTISEMENT
قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الاستيلاء على الأرض عن طريق وضع اليد عليها -دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ- محرم شرعًا، وتزداد الحرمة والإثم إذا كانت تمتلكها الدولة.
مؤكدًا أن الاعتداءَ على المال العام أفْحشُ وأسْوأُ من الاعتداء على المال الخاص، فالاعتداء الحاصل فيه هو اعتداءٌ على مجموع الأفراد، ولا يتوقَّف أثرُه السلبي على فرد بعينه، بل يعود على المجتمع ككل، وكل من غصب شيئًا لزمه ردُّه إن كان باقيًا، وإن تلف لزمه رد بدله؛ لأنه إن تعذَّر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها.
المقصود بالأرض المملوكة للدولة
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية، في معرض رده على سؤال: ما حكم اغتصاب أرض تمتلكها الدولة عن طريق ما يُسمَّى بوضع اليد؟ وماذا يفعل من حاز أرضًا بهذه الطريقة؟ أن المقصود بالأرض المملوكة للدولة: هي الأراضي التي لها طبيعة الملكية العامة للدولة، والتي خصصتها لمرافق عمومية أو هيئات إدارية؛ وذلك عن طريق إحدى الجهات الحكومية التابعة لها، وذلك مِثْل ما تملكه الهيئة العامة للمجتمعات العمرانية الجديدة، أو الهيئة العامة لاستصلاح الأراضي وما شابه.
ومعنى وضع اليد عليها: مجرد حيازتها وإشغالها، سواء استُغِلَّت بالفعل ببناءٍ عليها مَثَلًا، أو استصلاحها أو زراعتها، أو لم تُسْتَغَلَّ، وذلك كله على وجهٍ يَترتَّب عليه تَعطُّل انتفاع الدولة بها.
الاعتداء على حقوق الغير محرم شرعًا
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أنه من المقرَّر شرعًا أنَّ الاعتداء على حقوق الغير مطلقًا، بأي وجه مِن وجوه الاعتداء محرم شرعًا؛ وذلك لأن فيه ظلمًا بيِّنًا وعدوانًا على حقوق الناس وأكلًا لها بالباطل، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل﴾ [النساء: 29]، ويقول سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا» رواه الشيخان عن أبي بَكرةَ رضي الله عنه.
ومن أنواع الاعتداء على حقوق الغير: الغصب؛ ومن جملة الغصب المحرَّم: الاستيلاء على أرض الغير بدون وجه حق؛ فهو من الظلم الذي يجب التَّحَلُّل والتَّخَلُّص منه؛ فقد توعَّد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يغتصب ولو شبرًا من أرض ليس له حق فيها بالعقاب الشديد؛ روى الشيخان في "صحيحيهما" واللفظ للإمام مسلم عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه أنَّ أَرْوَى بنت أُويس خاصمته في بعض داره، فقال: دعوها وإياها؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ»، وفي رواية أخرى: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»، وفي "مسند الإمام أحمد" عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَعْظَمُ الْغُلُولِ عِنْدَ اللهِ ذِرَاعٌ مِنَ الْأَرْضِ، تَجِدُونَ الرَّجُلَيْنِ جَارَيْنِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الدَّارِ، فَيَقْتَطِعُ أَحَدُهُمَا مِنْ حَظِّ صَاحِبِهِ ذِرَاعًا، فَإِذَا اقْتَطَعَهُ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
حكم الاستيلاء على أرض بغرض إحيائها
وأكد مفتي الجمهورية، أن الاستيلاء على الأرض وحيازتها عن طريق ما يُسمَّى بوضع اليد دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ؛ يُعدُّ اغتصابًا لها بغير حق، وهذا محرم، سواء كانت الأرض يمتلكها شخص بعينه، أو تمتلكها الدولة؛ ولا يُعدُّ ذلك من قبيل الإحياء الذي رغب فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الأرض المستولى عليها بهذه الصفة المتقدمة، إن كانت غير قابلة للإحياء، وذلك كما إذا كانت مملوكة لأحدٍ، أو حقًّا خاصًّا له، أو كانت داخل البلد- فقد أجمع الفقهاء على أنها لا تكون مواتًا أصلًا؛ فلا يجوز إحياؤها.
أَمَّا إذا كانت هذه الأرض المستولى عليها قابلة للإحياء؛ فلا يجوز أيضًا حيازتها بالصفة المتقدمة؛ وذلك لأن من شروط الأرض القابلة للإحياء: أن يكون الإحياء بإذن الإمام؛ فقد روى الإمامان أحمد في "مسنده" وأبو داود في "سننه" عن هشام بن عروة عن أبيه أنَّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ»، قَالَ مَالِكٌ: وَالْعِرْقُ الظَّالِمُ: كُلُّ مَا احْتُفِرَ أَوْ أُخِذَ أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وقد نصَّ قانون العقوبات رقم (58) وفق آخر تعديلاته لسنة 2018م على أن: [كل من تعدَّى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبانٍ مملوكة للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو لوقف خيري أو لإحدى شركات القطاع العام أو لأية جهة أخرى ينص القانون على اعتبار أموالها من الأموال العامة؛ وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة- يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز ألفين من الجنيهات أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الجاني برد العقار المغتصب بما يكون عليه من مبانٍ أو غراس، أو برده مع إزالة ما عليه من تلك الأشياء على نفقته فضلًا عن دفع قيمة ما عاد عليه من منفعة، فإذا وقعت الجريمة بالتحايل أو نتيجة تقديم إقرارات، أو الإدلاء ببيانات غير صحيحة مع العلم بذلك تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين، وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين في حالة العود] اهـ.
وبناءً على ذلك: فإن الاستيلاء على الأرض عن طريق وضع اليد عليها -دون إذنٍ أو تصريحٍ أو ترخيصٍ- محرم شرعًا، وتزداد الحرمة والإثم إذا كانت تمتلكها الدولة؛ لأن الاعتداءَ على المال العام أفْحشُ وأسْوأُ من الاعتداء على المال الخاص، فالاعتداء الحاصل فيه هو اعتداءٌ على مجموع الأفراد، ولا يتوقَّف أثرُه السلبي على فرد بعينه، بل يعود على المجتمع ككل، وكل من غصب شيئًا لزمه ردُّه إن كان باقيًا، وإن تلف لزمه رد بدله؛ لأنه إن تعذَّر رد العين، وجب رد ما يقوم مقامها.