دار الإفتاء.. وريادة مصر الدينية
ADVERTISEMENT
يومًا تلو الآخر يُثبت فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، وجميع العلماء والعاملين بدار الإفتاء المصرية، أنهم كانوا أهلًا للثقة التي أولاها إياهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، حين أصدر في أغسطس من عام 2021 قرارًا جمهوريًّا رقم 338 لسنة 2021 بشأن اعتبار دار الإفتاء «جهة ذات طبيعة خاصة»، ولا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين «17، و20» من قانون الخدمة المدنية.
قرار الرئيس السيسي، والذي تلاه 3 قرارات أخرى تضمنت التجديد لفضيلة المفتي ثلاثة أعوام متتالية صدر آخرها في 12 أغسطس 2023 م، كان ميلادًا جديدًا لدار الإفتاء المصرية، إذ تحررت الدار -ولأول مرة منذ إنشائها- من التبعية لوزارة العدل، لتصبح وفقًا للقرار الجمهوري تابعة لرئاسة الجمهورية، وهذا التحرر انطلق بالدار من محدودية الانتشار المحلي إلى سعة التواجد والتأثير وقيادة ركب مؤسسات الإفتاء على المستويين الإقليمي والعالمي.
والمتابع لأنشطة دار الإفتاء منذ اختيار فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتيًا للديار المصرية، يلحظ أن النجاحات التي تحققها الدار ليست وليدة الصدفة؛ بل هي نتاج خطة مدروسة سارت عليها دار الإفتاء بدقة شديدة خلال السنوات العشر الأخيرة، وهي السنوات التي تسلح خلالها فضيلة المفتي والفريق المساعد له وجميع علماء الدار بالتفاني في العمل، والإخلاص للوطن، والصدق مع الله، ونظافة الأيدي، وعدم الانضمام -تنظيميًّا أو فكريًّا، أو حتى مجرد التعاطف- مع أي تيار ظلامي مثلما حدث في بعض أفرع المؤسسة الدينية.
طيلة هذه السنوات العشر؛ خاضت دار الإفتاء المصرية عديدًا من المعارك الفكرية نصرةً لدين الله ودفاعًا عن مصرنا الغالية، وبالرغم من كثرة المعارك وشراستها فإنّ الدار حافظت دائمًا على أن يكون سبيل خوضها هذه المعارك الفكرية هي «الحكمة والموعظة الحسنة»؛ فلا بذاءة، ولا تطاول، ولا تكفير، إنما هو رد على ادعاء، وتفنيدٌ لمزاعم، ودحض لأكاذيب، وتجلية لحقائق غيبتها أباطيل، ومجابهة لفكر متطرف، ونشر فكر صحيح بهدوء وثبات الواثق من قوة حجته.
نعم، تميزت دار الإفتاء طيلة هذه السنوات بالهدوء؛ لكنه ليس هدوء الكسول الكَلِّ على وطنه، غير القادر على أداء مهامه؛ بل هو هدوء الناجح المتفوق المتميز، هدوء المخلص في عمله، الصادق في سيره نحو تجلية هذا الدين الإسلامي الحنيف من تلك الشوائب، التي ألصقها بثوبه بعضُ المنتمين إليه ممن حادوا عن جادة الصواب.
إنه هدوء من يعشق تراب هذا الوطن، ويعمل بكل ما أوتي من جَهد لخدمته، هدوء المُدرك لعِظَم المسئولية الملقاة على عاتقه، وكذا عِظَم التحديات التي يواجهها الإسلام والمسلمون في عصرنا الراهن.. هدوء يتولد منه عمل دءوب، وأنشطة ناجحة ومؤثرة محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا.
إن الوقائع -وما أكثرها- تؤكد أن دار الإفتاء المصرية، خاضت خلال هذه السنوات العشر -بقرار شجاع وخطة مدروسة من فضيلة الدكتور شوقي علام- أعظمَ معركة في تاريخ مصر الحديث وأخطرها، وهي معركة المجابهة الفكرية للجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، في وقت آثر البعض دفن رءوسهم في الرمال خوفًا من ردة فعل هؤلاء الإرهابيين، بينما اختار البعض الآخر مساندة هذه الجماعات بشتى طرق الدعم والمساندة.
لكن دار الإفتاء، لم تكن من هذا الفريق الذي خاف ليسلم، ولا من ذاك الفريق الذي دعم وساند ليربح ويغنم؛ بل إن الدار اختارت منذ اللحظة الأولى لثورة 30 من يونيو 2013 م الانحياز إلى صف الوطن، وأخذ مفتى الديار ومن معه من العلماء الأجلاء على عاتقهم مهمة التصدي لذاك السيل من الأكاذيب، والتضليل، والتزييف، والتحريف، والتشويه، والتأويلات الخاطئة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص التراثية، التي كان يبثها صباحًا ومساءً عناصر جماعة الإخوان الإرهابية -ومن سار على دربهم من داعش وأخواتها- على مسامع العالم أجمع.
وطوال هذه السنوات العشر، تلقى علماء دار الإفتاء وكل من ينتمي إلى هذا الصرح الوطني سيلًا جارفًا من التهديدات، لكنهم ما ضعفوا وما استكانوا، وواصلوا معركتهم الفكرية المقدسة في مجابهة ودحض وتفنيد أكاذيب وضلالات خوارج العصر الحديث.
وفي سابقة تاريخية؛ آثر فضيلة الدكتور شوقي علام مواجهةَ من صنعوا جماعات الإرهاب بحقيقة صنيعتهم، وذلك حين قرر في مايو من العام المنصرم 2022 م، الذهاب إلى مجلس النواب البريطاني، وإلقاء كلمة تاريخية أمام أعضائه، تلاها توزيع تقرير مهم على جميع الأعضاء تضمن أدلةً وبراهين ووثائق تثبت جذور العنف لدى جماعة الإخوان الإرهابية، وتكشف بما لا يدع مجالًا للشك تاريخهم الدموي، ليقول للعالم أجمع ومن داخل مجلس العموم البريطاني: «إذا كنتم صادقين في حربكم ضد الإرهاب، وتريدون حماية الشعوب من ويلات العمليات الإرهابية، فأخلصوا الجهود في القضاء على جماعة الإخوان.. هذه الجماعة التي هي أصل كل جماعة متطرفة وتنظيم إرهابي».
وإذا أردنا سردًا تفصيليًّا لجهود دار الإفتاء، في مجال مجابهة التطرف والإرهاب؛ فلن يكفينا مقال واحد أو حتى مقالات عدة، ولكن تكفينا هنا الإشارة إلى مركز «سلام» لدراسات التطرف الذي دشنته الدار؛ فهو خير شاهد على ما بُذل -وما زال يُبذل- من جهود في هذا المجال؛ إذ إن هذا المركز «معنيٌ بدراسة التطرف ومناهج مكافحته والوقاية منه، ويسعى إلى تأصيل فلسفة الدولة المصرية ودار الإفتاء في نطاق المواجهة الفكرية الشاملة لظاهرة التطرف، والمواجهة الدينيـة المتعلقـة بقضيـة التشـدد والتطـرف».
وهناك قضية أخرى خاضها فضيلة الدكتور شوقي علام، بكل شجاعة، ولو لم يفعل غيرها لكفَتْه ولظللنا ما حيينا نُقدِّم له عليها جزيل الشكر وعظيم الامتنان؛ هذه القضية هي الحفاظ على ريادة مصر الدينية، وقيادتها لركب المؤسسات الدينية في العالَميْن العربي والإسلامي، بعد أن ظن بعض المأجورين أنهم قادرون على أخذ راية الريادة الدينية والذهاب بها إلى بلد آخر غير مصر.
لقد أعادت الجولات الخارجية التي قام بها فضيلة المفتي -للهند وصربيا وغيرهما- خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، لمصر ريادتها الدينية (وهي الريادة التي لم تُفقد لكنها كانت على وشك أن تُسرق)، وإذا أضفنا إلى هذه الجولات ترؤس الدكتور شوقي علام الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، فهذا يعني أن مصر هي المرجعية الأولى والوحيدة لكل مؤسسات الإفتاء في العالم.
فضلًا على الانتهاء من إنشاء مقر دائم للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في مصر (بجوار مقر دار الإفتاء المصرية بحي الدراسة في القاهرة)، والاستعداد لافتتاحه بالتزامن مع عقد المؤتمر السنوي لدور وهيئات الإفتاء بالعالم في الفترة من 16 وحتى 18 أكتوبر 2023 م، الذي اختير له عنوان: «الفتوى وتحديات الألفية الثالثة»؛ كل هذه الجهود -وغيرها مما لا يتسع المجال لذكره- أكدت للجميع أن مصر كانت وما زالت وستظل قائدة ركب المؤسسات الدينية في العالم أجمع، وأن مؤسستها الدينية هي مرجعية المسلمين السنة في شتى ربوع الأرض.
أما عن جهود دار الإفتاء في مجال تجديد الخطاب الديني؛ فلنا في هذا المجال حديث مفصل ومستقل؛ إذ إن إفراد مقال للحديث عن هذا الجانب من الأهمية بمكان، كون تجديد الخطاب الديني هو قضية الساعة التي تشغل العقل الإسلامي الجمعي في كل زمان ومكان.
ولقد بحثت كثيرًا عن الأسباب غير المعلنة التي تقف وراء هذه النجاحات المتعددة والمتجددة التي تحققها دار الإفتاء بقيادة العالم الجليل والفقيه المستنير الدكتور شوقي علام؛ فوجدت أنها كثيرة، ولا شك أن أهمها: الصدق، والإخلاص، والتجرد؛ بيدّ أن السبب الأهم من وجهة نظري يكمُن في أن فضيلة المفتي، والعلماء والعاملين بدار الإفتاء، تمسَّكوا بمصر وطنًا لا بديل له، وبالمنهجية الأزهرية مرجعًا لا يحيدون عنه، وبالوسطية والحكمة والموعظة الحسنة سبيلًا للدعوة إلى الله.. لقد صدقوا فصُدِّقُوا.