فقه الأولويات (2)
ADVERTISEMENT
فقه الأولويات، هو مصطلح فقهى معاصر يعرف بفقه مراتب الأعمال حيث يفاضل بين الأعمال وبعضها؛ أيهما أولى وأيهما يقدم وأيهما يؤخر؟ فلا يقدم الصغير، ويصغر الكبير، ويهون العظيم، ويعظم الهين؛ فلا نقيم معركة من أجل مسألة فرعية أو قضية تحتمل الخلاف، وقد نرى من الطيبين من يتبرع لبناء مسجد فى بلد حافل بالمساجد بينما قد لا نجد خيوط الجراحة فى المستشفى.
وقد رأيت أحد الطيبين فى دولة خليجية يقوم كل عام بالإنفاق على ألف رجل فقير متحملًا نفقات ذهابهم إلى الحج، وهذا سلوك خير ونية طيبة ومقصد نبيل يشكر عليه، ولكن نقول له ولأمثاله من الأخيار: إن الله أسقط عن الفقير الحج، فهو غير مطالب به، وسقط عنه التكليف ولن يحاسبه الله على عدم الحج، وكما يقول المثل الصيني: لاتعطينى سمكا، ولكن علمنى الصيد؛ فإن كان ولابد فعمل مشروع لهذا الفقير يستر به نفسه ويعيش منه، هو أولى وأفضل من إنفاق عشرات الآلاف عليه وعلى غيره وهم غير مستطيعين، وبعدها يعود فقيرًا كما كان، وربما يمد يده للآخرين للإنفاق عليه، وكما نعلم أن الحج للمستطيع: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلً» (آل عمران: 97).
ومن الأولويات المقررة احترام العقل وإعماله؛ فهو أفضل نعمة أنعم الله بها على الإنسان أن منحه عقلا يفكر به ويهتدى به إلى طريق الصواب والحق؛ لذلك حرم الله تعطيل هذه الآلة بما يعود عليها بالتلف والضرر والتغييب مثل المخدرات والخمور وكل مايضر العقل.
ومن الأولويات؛ أولوية الكيف على الكم، فالعبرة ليست بالكثرة العددية أو بالضخامة فى الجسم وإنما العبرة بالكيف؛ فلو كان لديك 10 أولاد مثلا غير متعلمين، فولد واحد متعلم تعليما جيدا أفضل وأنفع من عشرة بلا تعليم، واذا كان عدد المسلمين 2 مليار إلا ربع المليار مثلا فقد اسأل سؤالا: هل لهم حق الفيتو فى مجلس الأمن - على سبيل المثال -؟ بالطبع لا، وإذا كان هناك من يردد حديث سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة، فأعلموا أن الرسول لن يباه الأمم بالكثرة الغثائية بدون فاعلية، فالأصل أننا يجب أن تكون يدنا هي العليا، هي التى تعطى وتطعم وتنتج وتنفع غيرها، لأن خير الناس أنفعهم للناس.
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لن يباه بنا الأمم ونحن بهذا الشكل أعدادا كبيرة بلا جدوى ولا فاعلية، بل أننا أمة مستهلكة، نستورد غذائنا ودوائنا، وكل احتياجاتنا من الآخرين، بحيث لو منع عنا الآخر هذه المنتجات، لأصبحنا فى خبر كان، ولعدنا إلى عصر البغال والحمير والعلاج ببول البعير.
ومن الأولويات، أولوية الاهتمام بالفكر والعلم والثقافة، وهي لا تقل عن الاهتمام بالصحة وبناء الأجسام؛ فلو أن ابنك يمارس كمال الأجسام ويلعب الرياضة ويبنى عضلاته، فهذا شيء جميل ولكن لا ينبغى أن يكون ذلك على حساب بناء العقل والفكر والثقافة أيضا، حتى لا ينطبق عليه المثل القائل: (ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل.. أجسام البغال وعقول العصافير)، ولهذا لابد من التوازن فى كل شيء.
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؛ فالقوة هنا ليست قوة العضلات والأجساد فحسب، وإنما قوة العقل والفكر وقوة الاقتصاد والقوة العسكرية التى ندافع بها عن أنفسنا. هي قوة متعددة فى كل شيء وليست قوة فى جانب على حساب جوانب أخرى، وهناك قاعدة تقول: إن الله لايقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة.
فقد ينشغل شخص بأداء السنن والنوافل والمستحبات هو معطل للفرائض والواجبات، وهذا مثل إنسان يقيم الليل ثم يصبح ويذهب إلى عمله الواجب عليه وهو مرهق ومُتعب من طول السهر، وقد يعطل مصالح الناس لأنه مجهد طيلة الليل فى عمل سنة، وترك أو أهمل الفرض الذي يعيش منه، ونفس الأمر ينطبق على من يواظب على الأذكار والورد في حين أنه عاق لوالديه أو قاطع لرحمه أو يؤذي جيرانه وهذه كلها فرائض هو تركها وتمسك بسنن.
وقد يقدم إنسان ما على أنه قد نوى أداء العمرة فيقوم باقتطاع قسط من مرتبه كل شهر فيحكر على أولاده وبيته فى المعيشة والنفقات لأنه سوف يذهب للعمرة، مع أن العمرة سنة والنفقة على أهل بيته فرض وواجب وأولى من العمرة.
وأشياء كثيرة من هذا القبيل لو بحثنا فيها لوجدنا أن هناك خللا فى الأولويات، ونكتشف أننا تركنا تقديم الأهم على المهم، والأوجب على الواجب، والواجب على المستحب.
والأولويات الواجبة الآن على الحكومة هو الإنتصار على الفقر، ومحاربة جشع والتجار الذين يحتكرون السلع فتختفي من السوق، ويتسبب ذلك فى معاناة الفقراء، بسبب الجشع وموت ضمير الكثير من التجار.
ومن الأولويات المطلوبة الآن تقليد الأمم التى نجحت فى تطبيق ثقافة الدولة المدنية؛ فأنت حينما تذهب لشراء جهاز أو سيارة تجد معهما كتالوج وفيه توصيات بدقة استخدام ما في الكتالوج، لكى تحافظ على الجهاز أو السيارة، ونحن أيضا نحتاج إلى تطبيق كتالوج الدول المدنية حرفيا والمثل الشعبي يقول: (اسأل مجرب).