حرارة يوليو.. وفضل كاريير على البشرية
ADVERTISEMENT
في منتصف شهر يوليو من صيف عام 1988 م، كانت درجات الحرارة تصل إلى 47 درجة؛ وقتها سافرت من العاصمة الأردنية عمان إلى العاصمة العراقية بغداد بواسطة حافلة أردنية غير مكيفة، وكانت المياه التى نحملها لنشرب منها ساخنة لحد يقارب الغليان، أما الحديد داخل الحافلة فكان ساخنًا كأن بداخله نيران ملتهبة، وبإختصار كانت رحلة عذاب. وفي المساء وصلنا بغداد، ولم تكن الأجواء أفضل؛ فقد كانت درجات الحرارة مرتفعة جدا، والرطوبة عالية، ولم تكن الحرب العراقية الإيرانية قد وضعت أوزارها.
وفى اليوم التالى ذهبت إلى مكان استخراج أوراق الإقامة فى مدينة كربلاء، ودرجات الحرارة مرتفعة للغاية، وحينما كنا ندخل المطاعم أو الفنادق أو المؤسسات المكيفة ونشرب المياه الباردة وعصر البطيخ بالعراقى (الأناناس) ونأكل الرقى (البطيخ)، نخاف من ترك المكان المكيف والخروج إلى الشارع من شدة الحرارة، وكان أغلبية العراقيين يشربون اللبن الرايب المثلج ليقيهم من ضربات الشمس.
فى تلك الأجواء نتذكر مهندس أمريكى عظيم، نفع البشرية وخفف عنهم نار حرارة الصيف، إنه العظيم ويليس كاريير، مخترع التكييف عام ١٩٢١ م، ودائما الأشياء تتميز بضدها فلا يعرف قيمة التكييف إلا من ذاق ويلات الحرارة القاسية فى الصحراء، مثلا أتذكر مرة أن الكهرباء قطعت فى الكويت فخرج الآلاف إلى المطار يريدون السفر إلى دول أخرى، كما أتذكر مرة أني ركبت شاحنة غير مكيفة فى طريق العين - أبو ظبي فلم أتحمل حرارة الجو ونزلت من السيارة لأستقل تاكسي مكيف وفارق كبير بين الحالتين.
وفي هذه الأيام من شهر يوليو، يضرب العالم موجة حرارة هى الأشد وصلت فى وادى الموت بولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى 53 درجة مئوية، وفى الصين 52 درجة، وفى بعض دول أوروبا إلى 47 درجة، وذلك بعد تحذيرات الأمم المتحدة بانتظار الأشد حرارة مستقبلًا نتيجة التغير المناخى فى العالم، وهو ما يصاحبه ارتفاع درجات الحرارة عامًا تلو الآخر حتى تصل فى عام 2050 (وفقا للتوقعات) إلى 50 درجة مئوية.
ولاننسي أن صيف عام 2022، كان الأشد ارتفاعا في درجات الحرارة فى العالم، وراح ضحية الحرارة فى القارة العجوز أوروبا 62 ألف شخص ماتوا بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وكل التوقعات أن يكون صيف 2023 أشد قسوة بسبب النشاط البشرى والاحتباس الحرارى من استخدام الإنسان الطاقة والوقود وحرق المخلفات، ودائمًا مايصاحب ارتفاع الحرارة احتراق للغابات فى بعض الدول، وانقطاع للكهرباء بسبب الأحمال الزائدة، وهو الأمر الذي تحقق بالفعل ويعاني الناس منه في الوقت الراهن، خاصة الأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض.
وهنا تبرز لنا قيمة التكييف الذي يعد أهم اختراع منذ 100 عام، على يد المهندس الأمريكى كاريير، الذى نفع البشرية وأنقذ مئات الملايين فى العالم من الاحتراق بنيران الصيف، ورغم أن صاحب الاختراع ولد فى منطقة باردة إلا أن منتجه وصل إلى كل أنحاء الكرة الأرضية، خاصة دول الخليج، والتي لا يمكن أن تجد منزلًا واحدًا بدون تكييف، كما وصل هذا الاختراع المفيد إلى دول قارات آسيا وأفريقيا والأمريكتين وأوروبا وأستراليا.
ومع ارتفاع درجات الحرارة المستمر تزايد الطلب على التكييف، ورغم أنه فى بداية صناعته كان يستخدم فقط لتبريد الآلات فى المصانع؛ إلا أنه بعد ذلك تم تركيبه فى المنازل والمساجد والكنائس والمعابد والبنوك وفى كافة المؤسسات، وداخل السيارات والطائرات والقطارات، وكل هذا بفضل كاريير الذى نفع بعلمه الإنسانية؛ فهذا هو العلم النافع الذى يبقى للإنسان بعد مماته رصيدًا؛ لأن خير الناس أنفعهم للناس.
رحم الله العالم الجليل كاريير، كما رحم المليارات من البشرية من شدة الحر بسبب اختراعه العظيم.