عاجل
الإثنين 23 ديسمبر 2024 الموافق 22 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

الحقيقة الغائبة في صناعة الرأي العام

حتى فترة زمنية قريبة كان توجيه وصناعة الرأي العام يتم من خلال الوسائل الإعلامية التقليدية بدءا من الصحافة المطبوعة ووصولا إلى التليفزيون والإذاعة وكان المؤثرين في الرأي العام عبر تلك المنصات الإعلامية هم النخبة المثقفة.

الإعلام البديل

ولكن مع التطور وظهور شبكة الإنترنت وظهور شبكات التواصل الاجتماعي وتغولها في الحياة اليومية أصبحت هي الإعلام البديل والمؤثر الأكبر في توجيه وصناعة الرأي العام وخاصة لدي الشباب وهم القوة الفاعلة في المجتمع وخاصة أن صناع المحتوي في غالبيتهم شباب ينتمون لنفس الفئة العمرية مما جعل درجة مصداقيتهم عند جموع الشباب أكبر من أصحاب الياقات الزرقاء في الإعلام التقليدي.

وصاحب هذا التطور تطورا موازيا في تكنولوجيا الهاتف المحمول وخاصة التطور الكبير في تقنيات التصوير عبره وتطور نظم التشغيل في الهاتف المحمول وتعدد التطبيقات التي تعمل على الصورة فأصبح كل إنسان يحمل هاتفا محمولا بكاميرا عالية الدقة وصفحة تواصل اجتماعي هو وكالة إخبارية في حد ذاته واختلط الخبر مع وجهة النظر وذاب الفارق المهني ما بينهما وظهرت ثقافة الترند لتكون مبررة للكثير من التزييف ونقل الأخبار قبل التحقق من صدقها وأصبحت شبكات التواصل الإجتماعي أرضا خصبة للشائعات التزييف.

شبكات التواصل وتكوين الرأي العام

وهنا لابد أن نطرح على نفسنا سؤالا هاما إلى أي مدى أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي صانعة ومكونة للرأي العام؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد وان نتعرف على بعض الخصائص التي تنفرد بها ومنها:

• شبكات التواصل الاجتماعي بيئة مناسبة لممارسة التمرد على السلطة بكل أنواعها فأصبح الأفراد يمارسون التمرد والحرية تحت اقنعة تخفي شخصياتهم الحقيقية وصارت هي المتنفس وتحول الأمر إلى استنفار كل مشاعر التمرد لدى أفراد المجتمع فكُسر تابوه الخوف من السلطة وأبوية المجتمع. 

• تميزت بكونها تفاعلية آنية فهي تتيح للمتلقي أن يتفاعل مع الخبر بصورة وقتية وإدارة حوار ما بين مصدر الخبر وبين المتلقي أو بين المتلقي ومتلقي آخر فتميزت بديناميكية عالية تضيف لها قوة تأثير لا تتوفر في وسائل الإعلام التقليدية والتي كما ذكرنا سابقا أنها كانت منفذا للنخبة فقط. 

• تمتع شبكات التواصل الاجتماعي بقوة التأثير الكمي من خلال تكرار الخبر أو الرأي عبر المشاركة التي تصل للملايين في بعض الحالات مع كثرة وتنوع الصفحات التي يشاهدها الفرد للخبر أو الحدث يؤدي في النهاية إلى اليقين بمصداقية ومعلومية الخبر فيرسخ في ذهن المتلقي ويتحول إلى حقيقية حتى لو كانت مزيفة هذا التأثير الكمي هو أخطر ما يؤثر في الرأي العام ويغير اتجاهه في فترة زمنية قصيرة.

حين نبحث عن النماذج التي كانت لشبكات التواصل الاجتماعي الدور الأكبر فلن نذهب بعيدا فثورات ما عرف بالربيع العربي التي انطلقت من تونس ثم مصر وغيرهما كانت شبكات التواصل الإجتماعي محركا رئيسيا لجموع المشاركين في الثورة بقدرتها على توجيه الرأي العام  في الاتجاه الذي يرغب فيه صانعوا المحتوى وناشروا الصور والفيديوهات فدائما المتلقي يصدق الطرف الأضعف حتى لو كان كاذبا ولأن هناك أزمة ثقة كبيرة بين المجتمع والسلطة والإعلام التقليدي فكانت تلك الفيديوهات والصور تلقى نسبة تصديق عاليه عند المتلقين فصارت محركة رئيسية للرأي العام وصانعة له.. كما أن فضيحة شركة (أناليتيكا) والفيس بوك ليست ببعيدة حيث قامت الشركة باستغلال بيانات 87 مليون مستخدم لموقع “فيسبوك” لصالح شركات روسية لغرض التأثير في انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل الماضية.

شبكات التواصل والديمقراطية

لا تتمتع شبكات التواصل الاجتماعي بديموقراطية حقيقة فالخوارزميات التي تتحكم فيما يشاهده المستخدمون وتبرز لهم أخبار ومواضيع معينة وتحجب أخرى لا تتناسب مع توجهات الشبكة تؤطر لحقيقة غائبة في صناعة الرأي العام وهي أن الديموقراطية على شبكات التواصل الاجتماعي موجهة وليست مطلقة كما يتصور البعض فهي تمتلك القوة الفاعلة على توجيه وصناعة الرأي العام ناحية ما يؤمن به المتحكم الرئيسي فيها وتخضع لمعاييره وقيمه الخاصة ونحن لسنا ببعيد من موقف شبكات التواصل الاجتماعي مع الأزمة الروسية الأوكرانية التي تبنت بشكل واضح فلترة كل ما يمر عبر خوارزمياتها لدعم الموقف الغربي وتوجه الرأي العام لذلك.

تابع موقع تحيا مصر علي