حين يتحدث الجسد
ADVERTISEMENT
اللغة هي كلام البشر مكتوبًا كان أو منطوقًا، وهى وسيلة التخاطب بين البشر وطريقة التعبير عن الأفكار التي تتكون في الوعي الإنساني، ولأن الحياة البشرية هى حياة اجتماعية قائمة على اتحاد المجموعات البشرية في كتل مجتمعية، مشكلة القرى، المدن والدول كان لابد من وجود وسيلة تواصل، فكانت اللغة المنطوقة سابقة للغة المكتوبة بآلاف السنين كما ذهب بعض العلماء.
هل اللغة المنطوقة والمكتوبة قادرة على التعبير عن كل أفكار الإنسان؟
وأنا هنا لا أخوض في اللغة من زاوية التأصيل التاريخي ولكن أطرح سؤالًا هل اللغة المنطوقة والمكتوبة قادرة على التعبير عن كل أفكار الإنسان؟ أم أحيانا تعجز الكلمات عن ترجمة بعض الأفكار والمشاعر؟ وهل ثمة نوافذ أخرى يلجأ لها الإنسان حينها؟
أحيانا تفتقد اللغة القدرة على التعبير عن مشاعرنا؛ هنا ألتفت إلى التعبير الحركي الذي يستخدم الجسد في التواصل والحديث، فقد يستخدم الانسان حركات يديه أو كتفيه أو قدميه أو إيماءات رأس أو نظرة عين في التعبير. ينمو ذلك النوع من التعبير ليصل إلى التعبير الحركي بالرقصات التي كان يمارسها الانسان قديما في تعبيره عن الفرح أو الحزن أو النصر، بالإضافة أن التعبير الحركي الجسدي كان يستخدم في التعبير عن العبادة والطقوس الدينية التي كانت تمارس قديما وتعتمد اعتمادا كبيرا على التعبير الفردي أو الجماعي.
التعبير الحركي فطرة
توصل عالم النفس، ألبرت مهرابيان، إلى قاعدة مهمة في التواصل حيث وجد أن الرسالة الاتصالية تقسم ما بين 7% كلمات و38% نبرة الصوت 55% تعتمد على اللغة الحركية للجسد، ومن هنا ندرك أهمية التعبير الجسدي والتواصل البصري، ونذهب إلى أن التعبير الحركي فطرة، فلو انتبهت لسلوكياتك الفردية ستجد لديك تعبيرات جسدية تلقائية تعبر عن حالتك المزاجية او الفكرية.
كما أن الطفل في فترة ميلاده الأولى يدرك حنان أمه ويعيش في دفء حبها من خلال تعبيراتها الحركية كالاحتضان، التلامس وإيماءات الجسد، فالأم في تلك المرحلة من عمر الطفل تعبر بدون كلمات عن الشعور بحبها لطفلها وحنانها واهتمامها لأنها اللغة الفطرية كما اسلفت التي بدأت بها البشرية في مهدها خلق طريقة تواصل بين أفرادها.
التطور الحضاري أفقد البشرية وعيها بقيمة التعبير الجسدي
مع التطور الحضاري بدأت البشرية تفقد وعيها بقيمة التعبير الجسدي، مع توغل شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل التواصل الالكترونية فقدت البشرية جزءًا كبيرًا من فاعلية التواصل الجسدي في نقل الأفكار والمشاعر، وأصبحت الصفحات مليئة بالكلمات الصاخبة التي تزيف حقيقة مفاهيمنا ومشاعرنا تجاه الآخرين؛ فحين تأتينا رسالة نصية على تطبيق الواتس اب على سبيل المثال - الذي أصبح هو الوسيلة الأكبر للتواصل الإلكتروني بين البشر - في تلك اللحظة ستترجم الرسالة ليس كما أراد الطرف المرسل أن يعبر بها عن حالته، بل ستفسر بناء على مشاعر الطرف المستقبل تجاه الطرف المرسل وموقفه النفسي منه وأحيانا تترجم بناء على تمنيات الطرف المستقبل. وتغيب الحقيقة ونقع في خداع العقل والأحكام المسبقة في ترجمة مقاصد ومشاعر الطرف الآخر لنا.
إن التعبير الجسدي هو أصدق من كل الكلمات التي قد تقال فقد تحمل نظرة عين أو سلام باليد رسالة تفشل الكلمات المنطوقة أو المكتوبة عن التعبير عنها بصدق ووضوح؛ فلغة الجسد لا تقبل التزييف.