الشغف القديم ومرجعية المقارنة
ADVERTISEMENT
يأتي شهر رمضان من كل عام فنستعيد الحنين لأيام الطفولة، ونتذكر السعادة التي كنا نعيشها أطفالا؛ كانت سعادة متدفقة تختلط بعادات مختلفة ذات رائحة خاصة ترتبط في أرواحنا شرطيًا مع هلال شهر رمضان. ومع دخولنا الشهر أجدنا نهرب إلى تلك المرحلة القديمة، إلى الفرحة التي كانت، وأجد الشعور بالفرحة قد اختلف، ما عاد يتملكنا ذلك الشغف القديم كأن الفرحة به أصبحت باهتة.
كل عام أقف وأتساءل هل مغادرتنا الطفولة وتراكم العادة أفقدها بريقها وأصاب الشغف ببعض الكسل والخمول، فما عاد يستنطق فينا أهازيج الروح التي كانت تعانق المساء ودفء اللهو مع الأصدقاء؛ ما الذي تغير؟ هل نحن من تغيرنا؟ أم أن التفاصيل تبدلت وتغيرت العادات ففقدنا شغفنا بها؟
قبل أن نتأمل التساؤلات الماضية ماذا لو طرحنا سؤالًا هامًا كيف يرى أطفال اليوم قدوم شهر رمضان؟ هل يعيشون نفس الدرجة من السعادة التي كنا نعيشها ونحن في أعمارهم؟ هل يشعرون بنفس الشغف بالعادات الحالية التي بقي فيها بعض من عاداتنا القديمة وتبدل بعضها وأصبح لها مفردات مختلفة عما كانت عليه؟
كل مرحلة من عمر الإنسان لها مفرداتها التي تتغير مع تطور الزمن وكما أن العادات تتغير، فالحياة تتطور ولا تتوقف والتغيير حتمي، وكل جيل يجد في مفردات طفولته شغفًا وسعادة تختلف عن الأجيال السابقة، ولكن الطفل سيشعر بنفس تلك الفرحة التي شعرنا بها ونحن أطفال.. سيستمتع بتلك العادات الحديثة التي تصاحب شهر رمضان ولا يوجد لديه مرجعية المقارنة كما هو حالنا اليوم فنحن نمتلك ما أسميه مرجعية المقارنة بين عادات زمن طفولتنا والمرتبطة بشعورنا بالفرحة المطلقة والتي لا تخدشها خبرات الحياة ومسؤولياتها التي نمتلكها حاليًا ككبار فلدينا مسؤوليات ومفردات حياة مختلفة عن طفولتنا ومختلفة عن مفردات طفولة هذه الأيام أيضا؛ نحن من تغيرنا، عند تلك النقطة من الإدراك أتساءل وهل يمكن أن نستعيد ذلك الشغف وتلك الفرحة القديمة؟
حين نستعيد روح الطفولة ونستمد منها الدهشة الخالية من تراكمات الخبرة الحياتية يمكن ذلك والأهم هو ألا نعيش لحظاتنا الحالية بمرجعية المقارنة التي تسيطر على كل شعور نعيشه حاليًا إن أردنا إن نعيش تلك الفرحة الأولى لابد أن نتخلى عن آثار تراكم الزمن وأن نستعيد شغف طفولتنا الأولى الخالي من كل ذلك الغبار العالق عبر السنوات. ذلك هو مفتاح صندوق الكنز الذي يمتلكه كل أنسان ويحتوي على الكثير من المشاعر الصافية تمنح الروح سكينة وسعادة ملهمة.
إنه الشغف بدهشة الطفولة الأولى الخالية من كل مرجعيات للمقارنة؛ حين نستعيد تلك القدرة ونلقي بمرجعية المقارنة جانبًا سنعيش الفرحة والشغف بمفردات حياتنا الجديدة كما عشناها أطفالا. قد لا يمكن أن نعيش ذلك باستمرارية؛ لكن يمكن أن نخطف بعض لحظات من الحياة لنعيشها، وليكن شهر رمضان بكل ما يحمله من مفردات مختلفة وجميلة وشغف وسعادة طفولية نقية واحدة من تلك اللحظات التي نتخلى فيها عن مرجعيتنا وخبراتنا ونرتدي شغف الطفولة الأولى.. نعيش سكينة لحظة النقاء التي تعيد لنا التوازن الروحي والنفسي من جديد.