ياسر حمدي يكتب:هل وصل الدين العام لمرحلة الخطر؟!
ADVERTISEMENT
جلسة الحوار الوطني، الثلاثاء الماضي، أجابت على هذا السؤال بكل شفافية ووضوح، حيث كانت واحدة من أشد وأعنف جلسات الحوار سخونة وحيوية، نظرًا لخطورة موضوع النقاش الذي كان يحمل عنوان «الدين العام.. الإشكاليات والحلول»، والتي شاركت فيها كل القوى السياسية المصرية، وتم نقل بعض وقائعها على الهواء ولم تكن بها أي خطوط حمراء.
الحقيقة كل الذين تحدثوا في هذه الجلسة لم يختلفوا على خطورة قضية الديون من أول ممثلي حزب «مستقبل وطن» إلى كل أحزاب المعارضة، ولم يشذ إلا متحدث واحد، وهو ممثل الحزب المصري الديمقراطي الإجتماعي، لكن من المهم أن يكون الرأي العام على بينة من حقيقة هذه المشكلة.
جلسة يوم الثلاثاء كانت واحدة من أهم وأبرز الجلسات التي أكدت على نزاهة وشفافية إجراءات الحوار، حيث تحدث جميع الحضور والمشاركين فيها بلا قيود، وخلصوا إلى ضرورة وضع سقف للدين العام، وفرض قيود على القروض التي تحصل عليها الحكومة، للحد من عملية الاستدانة إلا للضرورة القصوى، نظرًا لخطورة الأزمة على الاقتصاد المصري.
أدار الجلسة عبدالفتاح الجبالي المقرر المساعد للمحور الاقتصادي وهو واحد من أفضل العقول الاقتصادية في مصر، والكاتب المتخصص في هذا الشأن، وقال إن إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي بلغ ١١٣٪ من الناتج المحلي في آخر يونيو.
النائب طلعت خليل مقرر الجلسة، والعديد من المتحدثين، قالوا إن الدين المحلي الآن وصل إلى ٦٫٨٦ تريليون جنيه مقابل ٦٫٣٥ تريليون في الربع الأخير من عام ٢٠٢٢ حسب أحدث بيانات وزارات التخطيط، والدين الخارجي وصل إلى ١٦٥٫٣ مليار دولار بزيادة قدرها ٥٫١٪، الدين المحلي الداخلي قفز بنسبة ١٠٩٪ بزيادة ٢٫٤٩٧ تريليون في الفترة من ٢٠١٦ إلى ٢٠٢٢ أما الدين الخارجي فقفز بنسبة ٦١٤٪ ليصل إلى ٢٫٥٢٦ تريليون جنيه خلال نفس الفترة.
في الجلسة قال النائب محمد علي عبدالحميد، إن فوائد الديون تبلغ حوالي ١٤٪ من إجمالي الناتج المحلي، وهناك تقديرات بأن الديون غير المستغلة قد تصل إلى ٣٧ مليار دولار، والنائب أكمل نجاتي طالب بفتح ملف هذا الرقم للتأكد من حقيقته، أما مصطفى سالم وكيل لجنة الخطة والموازنة فقال إن إجمالي الديون الداخلية والخارجية بلغت حوالي ٩٫٤ تريليون جنيه بنسبة ٩٥٫٩٪ في نهاية مارس الماضي من إجمالي الناتج القومي الذي يبلغ ٩٫٨ تريليون جنيه وبالطبع هذا أمر شديد الخطورة لأنه يعني أن حجم ديوننا يساوي تقريبًا حجم كل ما ننتجه.
عضو مجلس الشيوخ، النائب محمد فريد، قال إن نسبة الدين الخارجي إلى الصادرات السلعية بلغ ٢١٣٫٥٪ في الربع الثاني من ٢٢ ــ ٢٣ حسب بيانات البنك المركزي في نشرته في مايو الماضي، أما نسبة أعباء الدين المقرر سدادها إلى الإيرادات المتاحة «ضرائب ومنح وإيرادات أخرى» تبلغ ١١٣٪ وهي تبلغ ١٥٫٦٪ من حصيلة الضرائب والمصدر هو تقرير لجنة الخطة والموازنة للعام المالي ٢٣ ــ ٢٤ بمجلس النواب.
الدكتور مدحت نافع، قال إن الدين الداخلي صعب لكنه أقل خطرًا من الخارجي، وفي اليابان فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي قفزت إلى ٢٤٠٪ وأمريكا أكبر دولة مدينة، لكنها في النهاية دولة الاحتياط للدولار، وبالتالي فمن المهم قراءة الأرقام بصورة صحيحة.
نعلم أن هناك أزمة ديون عالمية كبيرة، ونعلم أن هناك أسبابًا موضوعية حتمت لجوء الحكومة إلى التوسع في الاستدانة خصوصًا لتثبيت أركان الدولة وإقامة البنية التحتية وبالأخص في الطرق والكباري وشبكات الكهرباء، لكن علينا الآن أن نتوقف تمامًا عن الاستدانة إلا في الحالات ذات الأولوية القصوى، وأن يكون ذلك مصحوبًا بضوابط كثيرة أهمها أن نعرف أين سيذهب هذا القرض وكيف سيتم سداده وأن يعلن ذلك للرأي العام.
في الجلسة طالب الأستاذ عماد الدين حسين، رئيس تحرير الشروق وعضو مجلس الشيوخ، بضرورة أن يصدر مجلس النواب قانونًا يمنع الاستدانة، وقال آخرون لا بد أن يكون هناك سقف للديون لا يتم تخطيه بأي حال من الأحوال، وقال أحد المتحدثين إنه يمكن حينما نسدد قرضًا أن نستدين قرضًا يماثله حجمًا إذا كنا مضطرين، وفي هذه الحالة إن لم نستطع سداد الديون، فعلى الأقل لا نجعلها ترتفع.
رئيس الجمهورية طلب من الحكومة أكثر من مرة ألا تستدين إلا للضرورة القصوى، والحكومة بدورها شكلت لجنة عليا للسيطرة على الديون وعدم زيادتها، في حين قال متحدث الحزب المصري الديموقراطي الإجتماعي إن الدين المصري في منطقة آمنه، وبالتالي، فمن الخطر أن نخدع الناس بهذه الأفكار، ونحاول تسويق فكرة أن الدين آمن، الأمر الذي دعى حزبه أن يصدر بيانًا عاجلًا بعد الجلسة مباشرةً يتبرأ فيه من هذا الكلام، ويؤكد على موقفه من خطورة قضية الديون.
ومن النقاط المهمة أيضًا في الجلسة ما قاله عبدالفتاح الجبالي مقرر الجلسة، عن وجود خلط في المفاهيم، موضحًا أن مشكلة الدين الداخلي تختلف عن الخارجي، والدين المحلي منقسم إلى دين حكومي ودين للهيئات الاقتصادية، أما الدين الخارجي فهو مستحق على الحكومة وعلى البنك المركزي وعلى القطاع المصرفي المرتبط بالحكومة.
والنقطة المهمة أيضًا أنه عند قياس حجم الدين بالناتج المحلي الإجمالي، فقد يكون الدين في وضع غير سيئ لكن مؤشرات خدمة الدين في وضع حرج، وبالتالي فالأهم قياسه للصادرات والاحتياطات العامة التي تحدد قدرة الدولة على خدمة الدين، مضيفًا أن نسبة الدين المستخدم لتمويل العجز يبلغ ٩٠٪ وليس دينًا لتمويل استثمارات تضيف طاقة إنتاجية للمجتمع.
الحقيقة يحسب للحوار الوطني والقائمين عليه والمشاركين فيه وللدولة المصرية عمومًا هذه الحيوية التي بدأت تدب في أوصاله وتخلق بالفعل «مساحات مشتركة» بين القوى السياسية وهو الشعار الذي يرفعه الحوار، خصوصًا وأن جلسة الدين العام لم تكن بها أي خطوط حمراء، وتحدث فيها جميع المشاركين باريحية وبدون قيود.