عاجل
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 الموافق 24 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: لماذا يحب العرب بوتين؟

ياسر حمدي - كاتب
ياسر حمدي - كاتب صحفي

سؤال قد يبدوا غريبًا في ظل الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي يمر بها العالم أجمع بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن الحقيقة منذ بداية هذه الحرب في 24 فبراير 2022، وتجد تعاطفًا قويًا وواضحًا من الشعوب العربية والأفريقية مع الرئيس بوتين، ودائمًا ما تلقى كافة قراراته استحسان واستعطاف المسلمين والأفارقة، على الرغم من قسوتها على دولهم، ونتج عنها تدهور لحالتهم المادية والمعيشة، وتعاني من تداعياتها الكورة الأرضية.

وزير خارجية إحدى الدول الأوروبية، ودولته عضو في الإتحاد الأوروبي صرح متسائلًا: لماذا تتعاطف الشعوب العربية والأفريقية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ ثم استطرد مستنكراً: هل للدعاية الروسية هذا التأثير الرهيب عليكم؟! وكاد يصرخ بأعلى صوته: الإتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية والإنمائية للدول الفقيرة في العالم وينظر إليه «الإتحاد الأوروبي» على أنه «إمبريالي» في الوقت الذي ترى فيه الكثير من شعوب هذه الدول بوتين بطلًا؟! هل يعقل هذا؟!.

صار السؤال مطروحًا بقوة على مستويات عديدة في أوروبا وأمريكا: لماذا تتعاطف الشعوب العربية خصوصًا والإسلامية عمومًا مع روسيا ومع بوتين؟.. في محاولاتهم الإجابة عن السؤال يتوجهون مباشرةً إلى أحد أهم أسباب ذلك التعاطف مع الرئيس الروسي.. فيرجعونه إلى تصور نمطي يعود إلى الحقبة الإمبريالية التي احتلوا فيها البلدان العربية والأفريقية، ويحمل هذا التصور قدرًا كبيرًا من الإهانة لشعوبها، ففيه يقولون: إن هذه الشعوب جبلت على الإعجاب بالرجال الأقوياء أي المستبدين، حتى أن معهد كارنيجي أعد دراسة بعنوان: «بوتين وتعاطف العرب مع حكم الرجل القوي»، وهو معهد أمريكي خاص بالدراسات الشرق أوسطية وشمال أفريقيا ومقره بيروت.

وبالعودة لسؤال الغرب: لماذا يتعاطف العرب مع بوتين؟.. أجيبهم بموقف واحد بعيدًا عن سردية ماضيهم الاستعماري ودعم روسيا للعرب ضد إسرائيل لفترات طويلة، ومساندتها لقرارات هذه الدول في جميع المحافل الدولية، والتودد والتقرب والتضامن معهم، كان أخرها دعوة الرئيس الروسي للقمة الروسية الأفريقية التي عقدت في سانت بطرسبورج منذ يومين، والتي أكدت فيها روسيا على دعمها القوي والمستمر لدول القارة وتأمين احتياجاتها من الحبوب، ومساندتها اقتصاديًا، ودعم إستقلالية القرار الأفريقي وعدم التدخل في شؤون دوله الداخلية.

الإجابة عن سؤالهم تتلخص في موقف واحد فقط من مواقفه الإيجابية الكثيرة تجاه العرب والمسلمين والدول الأفريقية، وهو أن بوتين الذي له مطامع في العالم العربي والأفريقي شأنه شأن الغرب لم يصمت على حرق «القرآن الكريم».. أو لم يعتبره من قبيل «حرية التعبير».. فبعد أن أقدم المواطن السويدي ذو الأصل العراقي الأشوري سلوان موميكا عليه من الله ما يستحق بحرق المصحف الشريف يوم عيد الأضحى المبارك في ستوكهولم، أكد بوتين أن إهانة القرآن الكريم في روسيا «جريمة»، وقال: «هذا المصحف مقدس عند المسلمين، ومقدس أيضًا عند الآخرين، نعلم أن بعض البلدان الأخرى يتصرفون بصورة مختلفة، ومنهم من لا يحترم المشاعر الدينية للناس ويقولون إنها ليست جريمة».

موقف فلاديمير بوتين النبيل، هو ما استدعى إشادة به وبموقفه العظيم من الأزهر الشريف بما له من مكانة لدى العرب والمسلمين، فقال «الأزهر» في بيان: «يحيي الأزهر الموقف الشجاع الذي وقفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحمل المصحف، ويُدافع عن مقدسات المسلمين، ويعبر عن إحترامه للإسلام».

إن موقف الرئيس الروسي من حرق المصحف الشريف، كفيل بأن يبطل مفعول كل المبالغ الضخمة التي ينفقها الغرب لتشويهه في إطار الدعاية والدعاية المضادة في سياق الصراع على المصالح بين الغرب وروسيا ليس في أوروبا وحدها ولكن في كل بقعة من بقاع الأرض.

الحقيقة أنه بموازاة من يصمتون على جريمة حرق القرآن الكريم وإهانة المشاعر الدينية لمليار مسلم يجب أن نشيد بالأمم المتحدة التي خصصت يوم 15 مارس من كل عام بداية من سنة 2021 بإعتباره «اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام» المعروف بمصطلح «الاسلاموفوبيا»، وتشدد وثيقة القرار على أن «الإرهاب والتطرف العنيف لا يمكن ولا ينبغي ربطهما بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية»، كما تدعو الوثيقة «إلى تشجيع إقامة حوار عالمي بشأن تعزيز ثقافة التسامح والسلام على جميع المستويات، استنادًا إلى احترام حقوق الإنسان وتنوع الأديان والمعتقدات».

وبمناسبة أول احتفال بهذا اليوم العالمي سنة 2021، أشار السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى أن «التعصب ضد المسلمين هو جزء من تيار أوسع لعودة ظهور القومية العرقية والنازية الجديدة ووصمة العار وخطاب الكراهية الذي يستهدف الفئات السكانية الضعيفة بمن في ذلك المسلمون واليهود وبعض الأقليات المسيحية وغيرها».

الأمين العام للأمم المتحدة أشار أيضًا إلى أن «القرآن الكريم يذكرنا بأن الشعوب والقبائل خُلقت لتتعارف، وأن التنوع ثراء وليس تهديدًا»، وفي 15 مارس الماضي أشار جوتيريش في رسالته إلى العالم إلى تقرير صدر أخيرًا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد جاء فيه «أن الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين قد وصلت إلى أبعاد وبائية»، والتقرير منشور على موقع الأمم المتحدة.
سؤال الغرب عن تعاطف العرب مع بوتين واستنكارهم لذلك الحب، له عندي وعند جميع العرب والمسلمين إجابات عديدة لكن كانت أهمها هو موقفه الواضح والصريح والحاسم من حرق المصحف الشريف، ورفضه القاطع لاستفزاز مشاعر المسلمين وغيرهم بالعبث بمقدساتهم الدينية ومعتقداتهم تحت أي مسميات واهية، ومواقفه الجادة تجاه تلك الانتهاكات التي لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، والتي تحمل إجرامًا وتطرفًا تجاه المقدسات الإسلامية، فهل علم الغرب لماذا يحب العرب والمسلمين بوتين ويتعاطفون معه؟! ليتهم يفقهون!!.

تابع موقع تحيا مصر علي