الكاتب الصحفي ياسر حمدي يكتب: تبرعوا لمعهد الأورام
ADVERTISEMENT
كتبت قبل أسبوعين عن أهمية توافر الضمير والإنسانية في كل مسؤول، وكنت أخص بذلك الأستاذ الدكتور محمد عبدالمعطي، عميد معهد الأورام، الذي توافرت فيه هاتين الخصلتين الجميلتين، التي قلما تجدهما في مسؤول، وذلك لما قام به من تجديد شامل وتطوير رائع في جميع اروقة المعهد الذي يستقبل آلاف المرضى يوميًا، وقلت إن ملايين المواطنين من أنحاء الجمهورية لا يعرفون طريقًا للعلاج لهذا المرض اللعين إلا طريق معهد الأورام الذي يضم كوادر طبية كبيرة في كافة التخصصات.
واليوم أتوقف أمام تصريح خطير لعميد معهد الأورام، خصني به خلال زيارتي لهذا الصرح العلمي العريق منذ أسبوع، وبعد تفقدي للتطورات العظيمة في الإنشاءات والتوسعات والإدارة والأجهزة وطرق العلاج، وخصوصًا في المبنى الجنوبي الذي تم توسعته وتطويره وتم إضافته للمبنى القديم، وإنشاء استراحات للمرضى في المبنيين الشمالي والجنوبي، وإضافة عيادات لم تكن موجودة من قبل، واستحداث تخصصات مختلفة أخرى بخلاف كافة التخصصات القديمة، فكان تصريح الدكتور محمد عبدالمعطي صادمًا، حيث أكد أن التبرعات شهدت تراجعًا واضحًا خلال الشهور الأخيرة بسبب الأزمة الاقتصادية.
وقبل التحدث عن موضوع نقص التبرعات لابد أن أثني وأشكر جميع القائمين على إدارة معهد الأورام لما شاهدته من جودة في الأداء وكفاءة في التجهيز وتأهيل لفريق العمل بمعايير تضاهي ما يقدم في المؤسسات العلاجية العالمية الكبرى، بما يشمل محاور البحوث والتجارب العلمية والإكلينيكية، والكشف والتشخيص، وتحضير الدواء والصيدلة، والعلاج الدوائي والإشعاعي والكيميائي، والدعم النفسي، والعلاج بالطرق والمعايير العلمية الحديثة، ومعايير سلامة الغذاء، هذا بالإضافة إلى حسن ضيافة المرضى وأسرهم بما يقدم لهم من خدمات مجانية، وبصفة خاصة لغير القادرين مجانًا من خلال التبرعات أو عن طريق قيام إدارة المعهد بمخاطبة المجالس الطبية المتخصصة لإستخراج جوابات علاجهم على نفقة الدولة.
وبالعودة لنقص التبرعات، فهذا التصريح الخطير أغضبني كثيرًا، ووقفت أمامه مذهولًا مصدومًا، فقد أكد عبدالمعطي أن نسبة التراجع في التبرعات وصلت إلى نحو 50% تقريبًا، وفقًا للمعدلات الطبيعية للتبرعات السنوية القادمة للمستشفى، والتي تقع في أغلبها من مواطنين عاديين حصلوا على خدمة طبية بالفعل من المستشفى ويحاولون رد الجميل، وهذا الأمر حقيقةً في غاية الخطورة، لما سينتج عنه من تأثير سلبي على الملايين من المرضى المترددين على عيادات معهد الأورام.
عميد المعهد القومي للأورام أضاف أن المستشفى يعاني من زيادة أسعار الأدوية والأجهزة الطبية المعروفة بارتفاع أسعارها في الطبيعي بسبب الأزمة العالمية، ومن ثم قد لا تتوفر كنتيجة حتمية لضعف التبرعات خلال الفترة القادمة، ومن ثم تقويض قدر معهد الأورام على توفير العلاج لمرضاه والبالغين بمئات الآلاف، لذلك أدعوا الجميع من أبناء الوطن الغالي إلى سرعة التبرع ولو بالقليل من أجل توفير الأدوية لمرضى السرطان المترددين على المعهد.
محمد عبد المعطي أكد أن عدد مرضى معهد الأورام في العام الواحد يصل إلى 300 ألف تقريبًا كمترديين على المعهد، في الوقت نفسه يدخل المعهد 30 ألف مريض جديد مصاب بالأورام، وقال أن التكلفة الاقتصادية لعلاج مريض أورام واحد تكلف نحو 50 ألف جنيه، وتصل في الحد الأقصى إلى 200 ألف جنيه للمريض الواحد في حال كانت حالته الصحية أسوأ.
يا سادة الموضع جد خطير، تبرعوا لمعهد الأورام، مريض الأورام يتألم بحرقة من شدة الألم الذي ينتابه من هذا المرض المميت، ويعاني معه أهله، والمعهد يفتح أبوابه طول العام ولا يغلق الباب في وجه مريض مهمًا كانت حالته، فأثناء زيارتي تقابلت مع مرضى من أسوان وأخرين من المنيا وغيرهم من الوادي الجديد، بخلاف مرضى القاهرة الكبرى ووجه بحري ومدن القناة، والتقيت بعدد كبير من اخواتنا السودانيين، ولاحظت وجود اخوه من اليمن وغيرهم من باقي الدول العربية.
اقترح تفعيل لدور المجتمع المدني من خلال جمع التبرعات، وعلى جامعة القاهرة تشكيل فرق عمل من الطلاب، وخصوصًا طلاب كلية الخدمة الإجتماعية ومعاهدها لتخصصهم ميدانيًا، تطرق أبواب مصانع المدن الصناعية في كافة ربوع مصر، وتطالب أصحابها بضرورة التبرع لمستشفيات معهد الأورام، خاصةً أن الآلاف الذين يعملون في هذه المصانع يعالجون في مستشفيات المعهد، ولابد من أن يمتد طرق الأبواب إلى المحلات الكبرى والصغرى في أنحاء الجمهورية.
كما أقترح على رئيس جامعة القاهرة ومجلس الجامعة أن يضيفوا بندًا في بنود المصاريف التي يدفعها كل طالب خلال سنوات دراسته داخل أروقة كلياتها المختلفة، هذا البند يلزم كل طالب بالتبرع بمبلغ 20 جنيه كل عام موجهة لمستشفيات معهد الأورام وحدها، وخصم مبلغ 10 جنيه من العاملين بالجامعة كل عام، وخصم مبلغ 200 جنيه من كل عضو من أعضاء هيئة التدريس بجميع كليات ومعاهد الجامعة البالغ عددهم 12500، وإضافة رسم إضافي على مصاريف الطلاب الأجانب والوافدين من الدول العربية والأجنبية لصالح مستشفيات معهد الأورام.
ولا نغفل الدور المجتمعي لرجال الأعمال، فمعمول به في كل دول العالم، ويؤمن به القلة في مصر، رغم أن غالبيتهم لا يعالجون العاملين في مؤسساتهم إلا في المستشفيات الحكومية، إما على نفقتهم أو على نفقة المريض نفسه، لذلك فدورهم كبير في تخصيص نسب ولو بسيطة من دخولهم كل شهر، وذلك لصالح مثل هذه القلاع العلمية لقيامها بالدور العلمي والخدمي الكبير في علاج المرضى.
الدور المجتمعي لرجال الأعمال لابد من تفعيله بشكل أكثر مما هو عليه الآن، لتقديم خدمات حقيقية للمواطنين، وعلى رجل الأعمال أن يفعل ذلك عن قناعة، وليس من قبيل المنظرة أو المن، لأن الخدمة تذهب للمواطنين الذين جمع رجال الأعمال ثرواتهم من جيوبهم، تكلفة سهرة واحدة لرجل أعمال يستفز بها المجتمع تكفي لعلاج أكثر من مريض سرطان!.
مؤخرًا.. قرأت تصريحًا للدكتور طلعت عبدالقوي رئيس الإتحاد العام للجمعيات الأهلية، أكد فيه أن أحد إنجازات الإتحاد في الفترة الماضية تقديم 150 مليون جنيه دعمًا للمستشفيات الحكومية، وهذا جيد، لكني تمنيت لو خصص الإتحاد بندًا لمعهد الأورام، لأنه يعاني نقصًا في التبرعات، فالكوادر موجودة، وطواقم التمريض، لكنك قد تفاجأ بنقص في المستلزمات الطبية البسيطة.
نحن أمام نموذجين من المستشفيات.. خاصة تتاجر بالألم وتزرع اليأس في نفوس المرضى وأسرهم.. وحكومية كمعهد الأورام.. تعرف رسالتها وتزرع الأمل في نفوس المرضى وأسرهم، فهل من تشريع يوقف شطحات أسعار المستشفيات الخاصة التي لا تعترف لا بالفقر ولا الإنسانية؟ ويفرض عليها تخصيص جزء من مكاسبهم الخرافية لصالح معهد الأورام! ثم.. لماذا لا تتوجه التبرعات إلى مستشفيات معهد الأورام التي تستقبل ملايين المرضى الذين يفرون إليها هربًا من جشع المستشفيات الخاصة؟.
مستشفيات معهد الأورام أصبحت وجهة البسطاء الفارين إليها من جحيم المستشفيات الخاصة، لذلك هي الأولى بالتبرعات، وهنا يبرز دور الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني.. معهد الأورام هو أبرز صرح طبي لعلاج مرضى الأورام في الشرق الأوسط، حيث يعالج نحو 20 % من مرضى الأورام على مستوى مصر، يتلقون العلاج على نفقة معهد الأورام، ومن ثم التبرع لمعهد الأورام ضرورة ملحة لاستمرار تقديمه للخدمات الصحية.