عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: ختان الإناث محرمٌ شرعًا ومجرمٌ قانونًا.. لا يجوز للأطباء الإقدام على ممارسته أو الإعانة عليه.. والنبي لم يختن بناته أو واحدة منهن

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن ختان الإناث مُحرَّمٌ شرعًا ومُجَرَّمٌ قانونًا؛ فلا يجوز لأولياء الأمور الإقدام على ختان بناتهم؛ لثبوت ضرره الطبِّي والنفسي الجسيم بشهادة الأطباء، وكذلك يحْرُم الإقدام على ممارسته من الطبيب أو الإعانة عليه إلَّا في حالات الضرورة المرضية التي حَدَّدها القانون.

تحيا مصر 

ختان الإناث مسألة طبية

وأوضح مفتي الديار المصرية، أن ختان الإناث مسألة طبية يُنظر إليها من جانب الوجود؛ لارتباطه بصحة المرأة الجسدية والنفسية، وجانب الوحي فيها لم يَرِد إلا على جهة تنظيمه وبيان ماهيَّتِهِ تخفيفًا لِبَلْوَتِهِ، لا الأمرِ بِهِ أو استحسان صَنعَتِهِ:

فأما جانب الوجود المنظور: فختان الأنثى هو إجراء يتعلق بجسدها الذي أوجب الله تعالى رعايته والحفاظ عليه؛ فقال تعالى: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا» (الإسراء: 36)؛ وأباح من أجل ذلك كل ما يضمن سلامته؛ كالاغتذاء والتداوي، وحرَّم كل ما يؤول إلى تضرّره؛ كالتغيير فيه، أو الإيلام من غير ضرورة، أو حاجة تنزل منزلتها.

وإذا كانت عملية الختان عبارة عن قطعٍ كليّ أو جزئيّ أو شقٍّ لجزءٍ من جسد المرأة هو منها بمثابة عضوٍ له وظيفته؛ فإنه يلزم لإجرائها الرجوع إلى ما يُقَرِّره أهل الطب المختصون، باعتبارهم أهل الذكر والخبراء فيما يتعلق بصحة الجسد البشري والتعامل فيه؛ ذلك أنَّ الشريعة المحكَمة أناطت المعرفة الصحيحة بالرجوع إلى أهلها، فلا يسوغ في هذا الأمر إلا سؤالُهُم؛ كما قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النحل: 43). واستطلاعُ الآثار المترتبة، والوقوفُ على الأضرار أو المنافع المتوقَّعة بإنبائهم؛ بما خُوِّل لهم في هذا المجال ما لم يُخَوَّل لغيرهم، من خلال دراستهم وممارستهم وخبرتهم؛ كما قال سبحانه: «وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ» (فاطر: 14).

وكما هو مستفاد من صياغة الآية الكريمة: فإنَّ مجرد الإنباء لا يتحقق به المطلوب من العلم الذي تنبني عليه الأحكام حتى يكون من خبيرٍ بما ينبئ عنه؛ حتى يجمع إلى صفة الصدق ومطابقة الواقع صفة الخبرة والتخصص.

النبي كان يُراعي قواعد الطب فيما يتعلق بصحة جسده

وأكد فضيلة المفتي، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُراعي قواعد الطب فيما يتعلق بصحة جسده؛ فكان يعادل -مثلًا- في تناول الأطعمة بما يحدّ من ضررها؛ قال العلامة القسطلاني في (المواهب اللدنية): «وكان صلى الله عليه وآله وسلم يراعي صفات الأطعمة وطبائعها واستعمالها على قاعدة الطب».

وقرر الفقهاء ضرورة الرجوع إلى الأطباء في كثير من المسائل الفقهية التي تتعلق بالجسد البشري كلٌّ في تخصصه؛ فَبَنَوُا الكثير من أحكامهم فيها على ما وصل إليه السقف المعرفي في العلوم الطبية، ومن ذلك ما قاله الإمام الشافعي في (الأم) في سياق الكلام عن كراهة الوضوء بالماء المشَمَّس: «ولا أكرهه إلَّا مِن جهة الطِّب».

وإنفاذًا لهذا المنهج الشرعي المحكم: فقد أفاد الخبراء أنَّ لختان الإناث بأنواعه المختلفة مخاطر كثيرة؛ منها ما هو قصير المدى؛ كالألم المفرط، أو حدوث نزيف حاد، أو التهابات شديدة، ومنها ما هو طويل المدى؛ كحدوث ضيق أو انسداد في مجرى البول، أو صعوبة في خروج دم الحيض، أو الألم البالغ أثناء العلاقة الزوجية مما يُسَبِّب للمرأة مشاكل نفسية واجتماعية، وقد يصل ما للختان من ضرر إلى حدّ تأخير الولادة الطبيعية وصعوبتها ممَّا قد يؤدي إلى وفاة الأم أو الطفل.

وقد تقرر شرعًا أنه «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»؛ فمتى ثبت ما في هذا الفعل من ضررٍ حسيٍّ ومعنويٍّ، يلحق بالأنثى على المستوى الشخصي والأسري، دون أدنى فائدة مرجوة تعود عليها بالمسرة، أو على زوجها بالحظوة، بل هو عكس ذلك؛ يُورِد المهالك، ويَنهَك المسالك، ويُفَوِّت كمال الانتفاع، ببتر محلِّ لذة الجماع، ويطفئ النضارة والسرور، لِتَحِلَّ الكآبةُ ويحصل النُّفور؛ وجب حينئذٍ القول بتحريمه واعتباره جريمة، على ما جرت به قواعد الشريعة.

ختان الإناث من جانب الوحي المسطور

وأكد مفتي الجمهورية، أنه فيما يتعلق بختان الإناث من جانب الوحي المسطور: فما رُوي في الختان من أحاديث -إن صحت- إنما يُستدلّ بها على عظيمِ حرص الشريعة الإسلامية على حماية جسد المرأة وصيانته عن العبث به والتمثيل بخِلقته، وعِظَمِ جريمة التعدي عليه والتنكيل به، ووجوبِ تقييد هذا الفعل ما أمكن، لا مشروعيته أو الأمر به.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم عطية حين سألته عن الختان: «إِذَا خَفَضْتِ فَأَشِمِّي وَلَا تَنْهِكِي؛ فَإِنَّهُ أَسْرَى لِلْوَجْهِ، وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ» أخرجه الطبراني في (المعجم)، والبيهقي في (السنن).

وعن أمِّ عطيةَ الأنصارية رضي الله عنها: أن امرأةَ كانَت تَخْتُنُ بالمدينةِ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ، وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ» أخرجه أبو داود في (سننه)، وقال: هذا حديث ضعيف.

فهذا الفعل وإن لم يأت النصُّ النبويُّ بالنهي عنه مباشرةً؛ مراعاةً لما جرت به الأعراف المستقرة، إلا أنه جاء بتقييده إلى الحدّ الذي يتضمن النهي عنه.

ومن هذا البيان يمكن القول بأنَّ المسلك الذي اختاره التشريع الإسلامي في النهي عن ختان الإناث بتقييده إلى الحدّ الذي يوصّل إلى تركه، دون التصريح بالنهي المباشر عنه، رعايةً منه للعادات والأعراف المجتمعية المستقرة، هو ذات المسلك الذي اختاره في تحريم الرق بتجفيف المنابع، والحث على العتق لكل رقيقٍ تابع.

وعلى هذا الفَهم تواردت نصوص الفقهاء: فنَصُّوا على أنَّ ما ورد في الختان من رواياتٍ لا يصحّ الاستدلال بها على مشروعيته.

قال الإمام الشوكاني في مناقشته لأحاديث ختان الإناث في (نيل الأوطار): «ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج به، فهو لا حُجَّةَ فيه على المطلوب». وقال العلامة شمس الحق العظيم آبادي في (عون المعبود): «وحديث ختان المرأة رُوي من أوجُهٍ كثيرة، وكلها ضعيفةٌ معلولةٌ مخدوشةٌ لا يصح الاحتجاج به».

كما لا يصح الاستدلال على مشروعية الختان للإناث بما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ» وذلك فيما أخرجه أبو يوسف في (الآثار)، والشافعي وأحمد في (المسند)، وعبد الرزاق الصنعاني وابن أبي شيبة في (المصنف).

وبيان ذلك: أنَّ التعبير عن مختلِفَيْن باسمِ الغالِب منهما إذا كان بين مَدْلُولَيْهِمَا عُلْقَةٌ أَو اختلاط؛ هو في اللغة العربية من باب التغليب، ومن ذلك: قولهم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: العمران، والأب والأم: الأبوان، والتمر واللبن: الأسودان، والشمس والقمر: القمران.

قال العلامة بدر الدين العيني في (البناية شرح الهداية): «فذكر الختانين بطريق التغليب؛ كالعمرين والقمرين».

ختان الإناث من العادات

وأكد مفتي الديار المصرية، أن غاية الأمر في ختان الإناث أنه من العادات التي انتشر فعلها في بعض المجتمعات دون بعض؛ ظنًّا منهم أنَّ فيه صيانةً للمرأة ونفعًا لها؛ حتى إن كثيرًا من البلدان الإسلامية لا تعرف الختان ولا تفعله؛ كبلاد الخليج العربي، والشمال الأفريقي، وكثير من أهل مصر، ومن هنا نجد الفقهاء حين ذكروه فرَّقوا بين نساء المشرق والمغرب، فدلَّ هذا على أنَّ المسألة مرتبطة بجانب الوجود (أي: الحقائق الطبية، والرصد والتتبع).

ونصَّ المُحَقِّقُون من فقهاء المذهب على أنَّه لو طرأ عرفٌ جديد في زمان دون زمان فللمفتي أن يفتي بما يناسب زمانه ولو خالف المنصوص في كتب مذهبه، وأنَّ المتأخرين الذين خالفوا المنصوص عليه في كتب مَن سبقهم لم يفعلوا ذلك إلا لتغيرِ العرف تبعًا لتغير الزمان، ولِعِلْمِهِم أن هؤلاء السابقين لهم لو كانوا في زمانهم لأفتَوا بما أفتَوا به، وأن العالِم مهما حفظ من كتب الفقه ومسائله ودلائله وظاهر الرواية فيه فإنَّ هذا كلَّه لا يكفيه في الفتوى حتى يَبْنِيَها على عُرف أهل زمانه وعاداتهم، وإلَّا كان ضررُه أعظمَ من نفعه.

ومن ذلك يُعلم: أن ختان الإناث لا موجب له من الشرع، وأن ما ورد فيه من أحاديث إنما دلت على تقييده بُغية الوصول إلى منعه، وبيان عظيم شره، والتحذير من انتهاك جسد المرأة بهذه العادة، في سياقٍ يؤكد عدم جواز الادعاء بأن فعلها عبادة، بل هو سقف معرفي، وصل إليه حينذاك العقل البشري، فإذا ما ارتفع هذا السقف المعرفي، وترتب عليه تغير المدرك العقلي، أو تغيرت أحوال الناس واختلفت البيئات، لزم أن يتغير بناءً على ذلك ما استقر لدى هذه المجتمعات من تلك العادات، وهذا ما أقره الشرع في قواعده والأصول واستحسنه، وتواردت نصوصه على أنَّ الأحكام المترتبة على العادات تتغير بتغيرها.

لم ينقل عن النبي أنه ختن بناته أو واحدةً منهن

وتابع مفتي الجمهورية: يضاف إلى ذلك أنَّ حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تمَّ تدوينها ونقل أحداثها إلينا كاملة بأدق ما فيها من تفاصيل، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه ختن بناته أو واحدةً منهن عليهن السلام، مثلما نقل عنه أنه ختن حفيديه الحسن والحسين عليهما السلام.

وعلى ذلك؛ فإذا ثَبَت ضرر ختان الإناث ومَنْعه، فلا يجوز لأحدٍ من الأطباء الإقدام على ممارسته؛ إذ فيه تعدٍّ على جسد الآدمي بدون داعٍ إليه، بل بما يترتب عليه مضارُّ كثيرة عليها: جسدية ونفسية؛ ممَّا يستوجب معه القولَ بحرمة الإقدام والإعانة عليه؛ فممَّا هو مقرَّرٌ في الشريعة الغرَّاء أنَّ (الإعانة على الحرام حرام)؛ لقوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» (المائدة: 2)، لكن يستثنى من ذلك ما إذا كان لضرورة مرضية يحددها الطبيب المختص.

القانون يمنع هذه الفِعلة الشنعاء.. ويَعُدُّها جريمة نكراء

وأوضح فضيلة المفتي، أن المشرع المصري قد استند في قطع دابر هذا الفعل الإجرامي إلى أقوال أهل العلوم والخبرة الطبية؛ تطبيقًا لما أمرت به نصوص الشريعة الإسلامية، فأصدر من القانون ما يَمنَعُ به هذه الفِعلة الشنعاء، ويَعُدُّها جريمة نكراء، ويغلِّظ العقوبة على مُرتَكِبِها والجزاء؛ فنصَّ قانون العقوبات المصري المعدل برقم 10 لسنة 2021 م، على أنه: «يُستبدل بنصّى المادتين (٢٤٢ مكررًا) و (٢٤٢ مكررًا/أ) من قانون العقوبات، النصان الآتيان:

مادة (٢٤٢ مكررًا): يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة أي جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئي، أو تام، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات.

وتكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات إذا كان من أجرى الختان المشار إليه بالفقرة السابقة طبيبًا أو مزاولًا لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة ولا تزيد على عشرين سنة.

وتقضى المحكمة فضلًا عن العقوبات المتقدمة بحرمان مرتكبها من الأطباء ومزاولي مهنة التمريض من ممارسة المهنة، مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات، تبدأ بعد انتهاء مدة تنفيذ العقوبة، وغلق المنشأة الخاصة التي أجرى فيها الختان، وإذا كانت مرخصة تكون مدة الغلق مساوية لمدة المنع من ممارسة المهنة، مع نزع لوحاتها ولافتاتها سواء أكانت مملوكة للطبيب مرتكب الجريمة، أم كان مديرها الفعلي عالمًا بارتكابها، وذلك بما لا يخل بحقوق الغير حسن النية.

مادة (٢٤٢ مكررًا/أ): يُعاقب بالسجن كل مَن طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه على النحو المنصوص عليه بالمادة (٢٤٢) مكررًا من هذا القانون.

كما يُعاقب بالحبس كل من روَّج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة (١٧١) من هذا القانون لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر] اهـ.

وبناءً على ذلك: فلا يجوز لأولياء الأمور الإقدام على ختان بناتهم؛ لثبوت ضرره الطبِّي والنفسي الجسيم بشهادة الأطباء، وكذلك يحْرُم الإقدام على ممارسته من الطبيب أو الإعانة عليه إلَّا في حالات الضرورة المرضية التي حَدَّدها القانون.

تابع موقع تحيا مصر علي