عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء: طلب المدد والاستغاثة بـ الأولياء والصالحين بعد وفاتهم «جائز شرعًا»

ضريح الإمام الحسين
ضريح الإمام الحسين رضى الله عنه بالقاهرة

هل طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين - سواء الأحياء منهم أو المنتقلين - من الأمور الجائزة شرعًا، أم أنها محرمة وكل من يفعلها يكون مشركًا بالله كما يروج هذا عناصر التيار السلفي؟ وما حكم قول: مدد يا فلان؛ كقول: مدد يا سيدنا النبي، أو مدد يا سيدنا الحسين؟ وهل هناك إثم على مَن يقول ذلك؟

حكم طلب المدد من الأولياء والصالحين

وحول هذا أكدت دار الإفتاء المصرية، أن طلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين (أحياء ومنتقلين) من الأمور المشروعة التي جرى عليها عمل المسلمين، وذلك محمول على كونهم سببًا - كالاستعانة بالطبيب على الشفاء من مرض - لا على جهة التأثير والخلق؛ فالأصل حمل أقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة؛ حيث إن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه وتعالى، والأسباب لا تثمر المسبَّبات بنفسها وإنما بخلق الله لها.

وأوضحت دار الإفتاء، أنه لا إثم على من يقول مدد يا فلان؛ كقول: مدد يا سيدنا النبي، أو مدد يا سيدنا الحسين؛ فقد ورد من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ما يدل على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، وهذا ما عليه الصحابة والتابعين سلفًا وخلفًا، وما عليه علماء الأزهر الشريف ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون.

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن الأصل في الأفعال التي تصدر من المسلم أن تُحمَل على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد؛ فإن إسلامه قرينة قوية توجب حملَ أفعاله المحتملة على ما يوافق عقيدته، ولا يجوز حملها على خلاف ذلك، وتلك قاعدة عامة يجب تطبيقُها في كل الأفعال الصادرة من المسلمين.

وقد دَلَّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسُنَّة النبوية وإجماع علماء الأمة على أن كثيرًا من الأفعال التي نسبَتْها الشريعة إلى الله تعالى يصح إسنادُها إلى المخلوقين على جهة التسبب والاكتساب، ومن هذه الأفعال (الإمداد)؛ وهو منح المدد وإعطاؤه.

ضريح الإمام الحسين - رضى الله عنه -

الأدلة الشرعية على جواز طلب العون والمدد

وتابعت دار الإفتاء، أن هناك فارقًا بين اعتقاد كون الشيء سببًا وبين اعتقاده خالقًا ومؤثرًا بنفسه؛ فإن أهل السنة يعتقدون أنه لا مؤثر في الكون على الحقيقة إلا الله سبحانه، وأن الأسباب لا تثمر المسبَّباب بنفسها وإنما بخلق الله لها، وقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على جواز طلب العون والمدد من المخلوقين على جهة السببية والاكتساب، أما الطلب على جهة الخالقية والتأثير فهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.

فالاستمداد (وهو طلب المدد) قد يكون عبادة للمُستَمَدِّ منه كما في قوله تعالى: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ» (الأنفال: 9)، وقد لا يكون عبادةً للمُستَمَدِّ منه؛ كما في حديث سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ..»، وقد بوَّب له الإمامُ البخاري في صحيحه بقوله: (باب العون بالمدد).

وكما ورد الإمداد مسندًا إلى الله تعالى، فقد ورد مسنَدًا للمخلوقين؛ كما في القراءةِ المتواترةِ الصحيحة للإمام نافع المدني: «وَإِخْوَانُهُمْ يُمِدُّونَهُمْ» (الأعراف: 202)؛ قال الحافظ بدر الدين العيني في كتاب (عمدة القاري - 14/ 309): «أي: هذا باب في بيان عون الجيش بالمدد، وهو في اللغة: ما يُمَدُّ به الشيء، أي: يُزاد ويكثر، ومنه أَمَدَّ الجيشَ بمددٍ؛ إذا أرسل إليه زيادة، ويُجمَع على أمداد. وقال ابن الأثير: هم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد».

واستغاثة المسلم أو طلبه المددَ من الأنبياء والأولياء والصالحين هو محمول على السببيةِ لا على التأثير والخلق؛ حملًا لأقوال المسلمين وأفعالهم على السلامة على ما هو الأصل.

ضريح أبو العباس المرسي - رضى الله عنه -

كيف يُطلب المدد من الأموات؟

وأكدت دار الإفتاء، أنه يتبين وجه الحق والصواب هنا بالكلام في مقامين:

المقام الأول: أن الموت في نفسه ليس فناءً محضًا أو عدَمًا لا حياة فيه؛ كما يقول الماديون والملاحدة، بل هو انتقال من حياة إلى حياة، وقد أثبت الشرع أن للموتى إدراكًا، وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سماعهم أشد من سماع الأحياء في نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق موتى الكفار: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» متفق عليه، ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، بل وترُدُّها رواية البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ». وإذا كان الموت لا يحول بين الكفار وبين الإدراك - مع ما هم فيه من سوء العاقبة -؛ فلأن يسمع موتى المؤمنين مِن باب أَوْلى وأحرى؛ وذلك لأن إدراك الروح خارج الجسد أوسع وأقوى من إدراكها وهي داخل الجسد الذي هو عائقٌ لها.

المقام الثاني: أن الله تعالى جعل لأرواح الأنبياء والأولياء والمؤمنين في حياة البرزخ مِن سعة التصرف ونفع الأحياء بإذنه تعالى بل وعبادتهم لله تعالى تشريفًا واستجابة دعائهم ما ليس للأحياء.

الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم «جائزة»

والقول بجواز الاستغاثة بالأنبياء والصالحين بعد وفاتهم هو الذي عليه علماء الأزهر ومشايخه بصفاء فهمه ووسطيته واعتدال منهجه عبر القرون، ولم تكد تظهر بدعة تكفير من يستغيث بالأنبياء والصالحين ويطلب المدد منهم تَدبُّ في جسد الأمة حتى تصدى لها بياطرةَ العلمِ وأساطين الفهم من علماء الأزهر الشريف بالردِّ الوافي والبيان الكافي والدواء الشافي، وبينوا أنها بدعة ضلالة تخالف المنقول والمعقول وما استقر عند علماء المسلمين وعامتهم، وأنها عين منهج الخوارج الذين هم شرار الخلق عند الله، والذين كان أُسُّ ضلالتهم: أنهم عمدوا إلى آيات نزلت في المشركين فجعلوها في المسلمين.

واختتمت دار الإفتاء: وخلاصة القول؛ أن الاستغاثة وطلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين (سواء في حياتهم أو بعد مماتهم) جائزة شرعًا، وهذا ما قال به العلماء سلفًا وخلفًا.

وأما القول بأن الاستغاثة وطلب المدد من الأنبياء والأولياء والصالحين (بدعة أو شرك)؛ فهذا القول هو أعظم بدعة ظهرت في الأمة الإسلامية في الأعصر المتأخرة وهي من جنس بدع الخوارج التي يتوسل بها أصحابها إلى تكفير المسلمين والطعن في عقائدهم، على أن تكفير المسلم بذلك لا يستقيم عند العقلاء أصلًا فضلًا عن أن يدل عليه نقل أو شبهة نقل.

تابع موقع تحيا مصر علي