عاجل
الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (٥)

تحيا مصر

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي الخامس في سيرته العطرة الشريفة، بعنوان «مبايعته لأهل المدينة»، ولما كان وقت الموسم الذي تواعدوا فيه، قدِم اثنا عشر رجلًا من الأوس والخزرج يريدون الحج، فاجتمعوا بالرسول صلى الله عليه وسلم عند العقبة، وأسلموا وبايعوه وانصرفوا إلى يثرب، وأرسل معهم مصعب بن عمير وعبدالله بن أم مكتوم، وهو ابن خال خديجة يعلمانهم القرآن ويفقهانهم في الدين، فكان يُسْلم بسماع القرآن أناس كثيرون حتى أسلمت كل بيوت الأنصار إلا بيت أمية بن زيد، وتُسمى هذه البيعة «بيعة العقبة الأولى».

ولما كان العام المقبل وفد إلى مكة كثير من أهل المدينة يريدون الحج، منهم المؤمن والمشرك، أرسلوا وفدًا منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعدهم المقابلة ليلًا عند العقبة، وأمرهم بكتمان ذلك عن المشركين منهم، فلما حان الموعد وقد مضى ثلث الليل خرج المسلمون من رحالهم يتسللون تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعوا في الشِّعب عند العقبة وهم ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأتان.

فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه العباس بن عبد المطلب عمه، وهو يومئذٍ على دين قومه، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له، فبعد أن تكلم العباس ووثق منهم وثوقًا بنصرتهم للرسول وأنهم لن يخذلوه أبدًا، قال قائل منهم: تكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبنائكم متى قدمت عليكم».

فأخذ البراء بن معرور كبيرهم والمتكلم عنهم بيد رسول الله، وقال: «والذي بعثك بالحق لنمنعنَّك بما نمنع به أُزُرَنا»، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: يا رسول الله، إن بيننا وبين الرجال عهودًا وإنا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا بين الرجال! فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدَّم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».

ثم أخرجوا من بينهم اثنى عشر رجلًا سمَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لهم: «أنتم على قومكم كفلاء ككفالة عيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي»، قالوا: نعم، فلما رأت قريش أن النبي بايعه قوم أهل حربٍ وشدة، ضيقوا على أصحابه وأنالوهم من العذاب ما ضاقوا به ذرعًا، فأصبحوا ما بين مفتونٍ بدينه ومعذب في دنياه، وهارب في المهامه والقِفار يشكوا إلى الله تعالى ظُلامته.

فأمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالهجرة إلى المدينة أرسالًا مستخفين، فكانوا كذلك إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يديه أسهمًا، ومضى قِبَلَ الكعبة، والملأ من قريش بفنائه فطاف البيت سبعًا، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم مال إلى القوم فقال: «شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس من أراد أن تثكله أمه أو يؤتم ولده أو يرمل زوجته فليتبعني وراء هذا الوادي»، فلم يتبعه أحد.. هاجر أصحابه ولم يبق إلا أبو بكر وعلي وصهيب وزيد ابن حارثة، ومن كان مريضًا أو محبوسًا أو عاجزًا أو مستضعفًا من الرجال والنساء.

تابع موقع تحيا مصر علي