ألفة السلامي تكتب: محافظ المركزي والسياسات الاقتصادية
ADVERTISEMENT
في أعقاب تعديل وزاري تضمّن 13 وزيرا ووزيرة، وصلت محطة التغيير للبنك المركزي وتم تعيين حسن عبد الله محافظاً للمركزي. وحسناً فعلَ الرئيس بأن أسرعَ بتعيين خلف للمحافظ السابق طارق عامر، نظراً لأنَّ البنك المركزي عنوان استقرار الدول وأي تغيير أو شغور في المنصب قد يؤثر على تداولات الأسهم بالبورصة وكذلك السندات الخارجية.
من المعروف أنّ حسن عبد الله هو أحد المصرفيين المشهود لهم بالكفاءة على المستوى الداخلي والخارجي، خاصة عربياً وافريقياً؛ فهو الرئيس السابق للبنك العربى الإفريقى الدولي، ويتمتع بخلفية مصرفية واسعة وكذلك في أوساط المال والأعمال. ومن يعرفه خلال نهاية التسعينيات والألفية يعلم عنه حب العمل أكثر من الكلام، وكيف أنه كان مهندساً للسياسات الاقتصادية ككلّ، وليس المصرفية فقط، وذلك خلال العشرية الأولى في القرن الجديد. والمهمة التي تسلمها الآن هي ثقيلة في ملفاتها ومطلوب منه الكثير للقيام به أكثرمن كلِّ ما قام به خلال مناصبه السابقة، وسوف يستدعي مهاراته وعلاقاته الواسعة لتحقيق أداء متميز للعبور بمصر لمنطقة الأمان مصرفياً واقتصاديًا.
ولم يكن تعيينه مفاجأة، على الأقل لمن يراقب الساحة المصرفية، على العكس من اعتذار طارق عامر الذي شكَّل مفاجأة للبعض لأن فترته تنتهي في نوفمبر 2023 ، حيث كان قد تولى منصب المحافظ في 27 نوفمبر 2015، بعد استقالة المحافظ السابق هشام رامز من منصبه، وكان أمامه عامٌ وبضعة أشهر لتنتهيَ مهمته. وقد تشكّل انطباع لدى الصحفيين الذين يتواصلُ معهم المحافظ أنه باقٍ في منصبه، ربما لسنوات كثيرة قادمة. لكنَّ القيادة السياسية تعتمد على النتائج، والنتائج فقط، في استمرار القيادات في مناصبهم. ولوحظ أن التصريحات التي صدرت قبل يومين فقط من قرار تغيير "عامر" - وجاءت على لسان جمال نجم نائب المحافظ - كانت تحمل بعض المغالطات للرأي العام، حيث حرصت على نفي إشاعة استقالته أو إقالته، عندما أكد فيها على إنجازات طارق عامر خلال فترة منصبه الذي امتد لسبع سنوات، مما أعطى الانطباع باستمراره.
وحول أسباب الإقدام على تغيير عامر، ردّد بعض المقرّبين منه رفضه لشروط ومعايير يطلبها صندوق النقد الدولي لإبرام اتفاق قرض مع مصر، خاصة في ضوء ما تردد عن تعثر تلك المفاوضات في ضوء ما تم ترديده أيضاً بخصوص طلب الصندوق تحرير كامل لسعر الصرف. والحقيقة أن هذا المعنى يوحي بأن الحكومة والقيادة السياسية موافقة على الشروط المجحفة على عكس السيد طارق عامر . في حين أن هذا الرفض لأي شروط مجحفة سبق أن عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لألمانيا يوليو الماضي.
وكانت مصر قد طلبت دعمًا من الصندوق لتنفيذ برنامجها الاقتصادي وبعض الإصلاحات الهيكلية، في نهاية مارس الماضي، بعد نحو شهر من اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية والتي رفعت أسعار السلع والطاقة، وخاصة القمح الذي تعد مصر أكبر مستورد له. وقد أربكت أجواء الأزمة العالمية حسابات العديد من الدول حتى تلك التي كانت الاصلاحات الاقتصادية تسير فيها بشكل جيد وتحقق نسب نمو مرتفعة رغم جائحة كورونا، مثل مصر.
وأوضح الرئيس السيسي، في مؤتمر صحفي مشترك آنذاك مع المستشار الألماني : "منقدرش نعمل زي أوروبا بإن الأسعار تنعكس على المواطن لأن ده لو حصل في مصر هيحصل مشكلة كبيرة جدا هيعمل تضخم لا يتحمله المواطن وهنا حالة عدم الاستقرار هتبقى على المحك".وطلب الرئيس من أصدقاء مصر في أوروبا المساعدة في التعامل مع هذا الوضع لإيصال رسالة لمؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدولي، بأن الواقع لا يحتمل حاليّاً المعايير المعمول بها خلال هذه المرحلة وحتى تنتهي هذه الأزمة.
أسوق هذه الوقائع للتأكيد على أن مصر ممثلة في قيادتها السياسية لا تقبل بشروط مجحفة إذا كانت مطلباً من المؤسسات المالية الدولية. كما أنَّ السياسات النقدية في الدولة خاصة فيما يتعلقُ بمسار اقتصادي وإصلاحات هيكلية تُتّخذ بعد موافقة من الحكومة ومجلسي النواب ولا تتخذ بموقف أو قرارٍ منفردٍ من محافظ المركزي. وفي رأيي، لا فائدة الآن من استمرار ترديد ما يوحي بأن السيد طارق عامر "أكثر وطنية" من أي مسؤول آخر خاصة في مواجهة مؤسسات دولية لها سمعة "سيئة" تاريخياً لدى الوعي الجمعي، ولابدّ من الكف عن ترويج هذه المقولات لأنها تسبب بلبلة والوضع لا يحتمل المزيد من الأزمات.
ولو بحثنا عن أسباب موضوعية ممكنة لتغيير محافظ المركزي فسنجدُ في مقدمتها حالة اعتراض المصنعين ورجال الأعمال على الاجراءات التي وضعها البنك المركزي في الشهور الأخيرة للاستيراد بما في ذلك مستلزمات الإنتاج. ولا يمكن التغافل عن حالة الرفض هذه وكيف أنها اتسعت مؤخراً وبقوة، لأن سياسات المركزي أثّرت على أداء ومردود صناعاتهم.
وتبدو مصر حاليّاً في حاجة ماسة لاستعادة الثقة في اقتصادها بعد تعرضه لصعوبات نتيجة الوضع الدولي والحرب الأوكرانية. وإذا كان الحصول على القرض من شأنه المساهمة في استعادة ثقة المستثمرين الأجانب فإنّ رفع الدعم لن يكون بالشرط المقبول من الحكومة الآن لأنه يمسُّ فئاتٍ عريضةٍ مازالت تحتاج إلى إجراءاتِ الحمايةِ الاجتماعية من أجلِ أمن واستقرار المجتمع ككلٍّ.
وستعمل الحكومة في الفترة المقبلة على تنسيق سياساتها العامة وخاصة سياسات الحماية الاجتماعية جنباً إلى جنب مع السياسات النقدية لتجنِّبَ البلادَ المزيد من تداعيات الأزمات المحدقة بها عالمياً والتي توثر على جهودها التنموية والإصلاحية. وسيعطي حسن عبد الله على رأس البنك المركزي مزيداً من الدعمِ بلاشك لمتخذي القرار الاقتصادي في المرحلة المقبلة.