ألفة السلامي تكتب: اجتماعات بطرسبرج وطموحات الدول النامية
ADVERTISEMENT
يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في حوار بطرسبرج حول المناخ الثالث عشر، المقام في برلين حالياً، بدعوة من المستشار الألماني أولاف شولتز، برئاسة مشتركة بين مصر وألمانيا. وهو محطة مهمّة قبل أقل من أربعة أشهر من انطلاق الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في شرم الشيخ (كوب 27). كما أنه يأتي مباشرة بعد قمة بون ومجموعة السبع في يونيو الماضي حيث أظهرت محادثاتها نتائج "هزيلة" فيما يخص العمل المناخي، مما يعكس أن الدول المتقدمة ليس لديها الرغبة ولا الطموح للتقدم في هذا الشأن، لا سيما فيما يتعلق بتمويل الخسائر والأضرار للدول النامية.
وحوار بطرسبرج حول المناخ هو منتدى تنظمه ألمانيا منذ عام 2009. ويعقد في دورته الحالية ليكون بمثابة الفرصة للضغط على الحكومات بالدول المتقدمة قبل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي تستضيفه شرم الشيخ نوفمبر المقبل. وستمهّد المناقشات رفيعة المستوى بين الوزراء والمسؤولين من 40 دولة الطريق إلى مؤتمر شرم الشيخ بهدف تعزيز التزام ووحدة هدف الدول الأطراف من جميع المناطق خاصة بشأن للعمل من أجل التكيف المناخي والحد من الخسائر وتخفيف الأضرار والحاجة الملحّة لتوسيع نطاق التمويل لدعم جميع مجالات العمل الخاصة بالحد من أضرار التغير المناخي.
وكل متابع لما يجري في مجال دعم تمويل المناخ للبلدان النامية يُجزمُ الآن أنَّ الدول المتقدمة ليس لديها النية لتوسيع حزمة التمويلات، بل وقررت النكوص فيما يتعلَّقُ باستخدام الطاقة النظيفة داخل بلدانها حيث اتجهت للحلول السهلة الأكثر ضرراً بالبيئة والاقتصاد والحياة على هذا الكوكب ألا وهي العودة إلى استخدام الفحم والنفط وحتى الطاقة النووية مؤقتًا، بما يتناقض مع التزاماتها. وراعت فقط الاستجابة لظروفها للحد من إمدادات الطاقة من روسيا وإحكام العقوبات المفروضة عليها. وقد فعلت الدول المتقدِّمة إبّان أزمتها الحاليّة نفس الممارسات التي كانت تنتقدها لدى بعض البلدان النامية خلال مؤتمر الأطراف 26، والتي بررت آنذاك ظروفها المحلية أيضاً فيما يتعلق بالاستخدام المستمر للفحم.
ويؤكد الخبراء والمسؤولون عن ملف التغيّر المناخي أنَّ البلدان النامية تحتاج ما بين 5 و11 تريليون دولار لتحقيق أهدافها المناخية. ومع ذلك، تم جمع حوالي 80 مليار دولار فقط، وفقاً لما كشف عنه تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن المعروف أنه لا يمكن للدول النامية تحقيق تقدّمٍ في تبنّي وتنفيذ سياسات خاصة بالأهداف التي حددتها الأمم المتّحدة للتكيف المناخي، والانتقال العادل، وتسريع الإجراءات الخاصة بحماية المناخ وتجنب الخسائر وتقليل الضرر إلا بتوفير حجمٍ مناسبٍ من التمويل الذي لا يؤدي إلى تفاقم مديونية الدول النامية. لكنَّ المناقشات المتعلقة بهذه العملية لم تحرز حتى الآن التقدّمَ المطلوبَ خلال المحادثات السابقة.
ولاشك أن دعوة مصر للمشاركة في رئاسة هذا المنتدى المهمّ فرصة جيدة لكي تلعبَ دوراً محورياً فاعلاً مع شركائها للتقدم في مفاوضات تغير المناخ. كما يمثل المنتدى فرصة جيدة لمصر للتشاور مع مجموعة كبيرة من الدول النشطة في جهود مواجهة تغير المناخ والترتيب من أجل أن تكون الدورة القادمة لقمة المناخ العالمية في شرم الشيخ ناجحة ومثمرة في نتائجها.
ومصر ومجموعة كبيرة من الشركاء الدوليين على وعي كبير بتغير المناخ ومخاطره وتكلفته التي تتضاعف كلّما تم التّغاضي عن ضرورة التحرك بسرعة لاتخاذ الحلول المناسبة. إن تأثيرات المناخ التي تلحق بعالم يزيد 1.1 درجة مئوية عن مستوى ما قبل الصناعة تتسبب في تأثيرات خطيرة على حياة الناس وصحتهم وسلامتهم وعلى النّظم البيئية الطبيعية والأمن الغذائي والمائي والمدن والبنية التحتية. وأصبحت وتيرة تغير المناخ تتجاوز العديد من الإجراءات المتخذة للتكيف معها حيث يعيش حوالي 3.3 مليار شخص في أماكن شديدة التأثر بتغير المناخ، وفقا لتقرير آثارالهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (2022). وبدون اتخاذ إجراءات موسعة وناجعة بشكل كبير للتخفيف من أضرار التغير المناخي، فسنرى زيادة كبيرة في الخسائر والأضرار على نحو لا يمكن تحملّه لدى الأجيال المستقبلية.
ألفة السلامي تكتب: اجتماعات بطرسبرج وطموحات الدول النامية
ولعلَّ حضور مصر القويّ في هذا المنتدى ولقاء الرئيس السيسي مع عدد من المسؤولين من ألمانيا والعالم وتكثيف المحادثات معهم حول سبل التوصل لسياسات مستدامة للحد من آثارالتغير المناخي من شأنه الدفع بالمفاوضات إلى نتائج تناسب طموحات الدول النامية. ويجمع المراقبون أنَّ الطريقة المثلى التي يمكن من خلالها تحقيق اختراق في هذا الملف الملحّ هو تحديد هدف "واقعي" للبلدان المتقدمة، لجمع ما لا يقل عن تريليون دولار سنويًا، لمساعدة البلدان النامية على تحقيق أهدافها المتعلقة بتغير المناخ وذلك كجزء من تكثيف الاستعدادات لمحادثات كوب 27 في شرم الشيخ نوفمبر المقبل ولتكون واعدة بنتائج تناسب الطموحات التي تحملها مصر والدول النامية وكافة الأطراف النشطة في جهود مواجهة التغير المناخي.