عاجل
الأحد 22 ديسمبر 2024 الموافق 21 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: عندما استمعت لصوت العصافير!

تحيا مصر

عن إسراء سيد البابلي أتحدث، فهي أول طبيبة أسنان فاقدة للسمعفازت منذ أيام بعضوية مجلس نقابة أطباء الأسنان بالقاهرة تحت سن 15 عاما، وحققت نجاحات مبهرة خلال ثلاثين عاما من مسيرتها وهي التي لم تتمكن من سماع أول صوت في حياتهاإلا في سن السادسةوالعشرين؛ كان صوت العصفور الذى كانت تضع له بانتظام قطع الخبز بجانب نافذة غرفتها. أجهشت بالبكاء آنذاك ربما لأنها كانت محرومة قبل ذلك من سماع ذلك الصوت الجميل. 

تحيا مصر 

عانت إسراء منذ الولادة منصمم عميق في الأذنين مما استدعى خضوعها لجلسات التخاطب وهي صغيرة،ثم لعملية زرع قوقعة لم تكن ممكنة إلا عندما بلغت السابعة عشر من عمرها.

لكن هذا الأمر لم يقف عائقًا نحو تحقيق أحلامها وأن تصبح طبيبة شهيرة يتحدث عنها العالم. وكانت أيقونة مؤتمر الشباب فيدورته الثالثة بالإسماعيلية عام 2017 . وكانت قصة ملهمة ليس فقط لذوي الهمم وإنما للشباب جميعهم عندما نادتهم قائلة: "لا تيأسوا من التحديات، واجهوها بقوة وجرأة من أجل تحقيق أهدافكم!". بعدها أُختيرت إسراء من قبل الأمم المتحدة لتقديم خطبة في "اليوم الدولي للمرأة والفتاة فى ميدان العلوم"، وكانت أول متحدثة رسمية في المنتظم الأممي فاقدة لحاسة السمع منذ الولادة، كما حصلت على نوط الامتياز من الدرجة الثانية في حفل عيد العلم. واستحقت الاحتفاء بها عن جدارة في شهر مارس شهر المرأة!

لقد حرمها الله من السمع وعوضها بقدراتاستثنائية لمواجهة كافة الصعاب والتي قد لا يقوى عليها من يتمتعون بحواسهم. وقاومت إسراءهذا التصنيف للبشر، هذا معاق وذاك سليم، فهي مجرد أحكامٍ مسبقةٍ لا تعكس حقيقة ما يستطيع هذا أو ذاك إنجازه. ولعل الفوز الأخير بعضوية مجلس نقابة أطباء الأسنان بالقاهرة يؤكد كفاءة إسراء ونجاحها الباهر في تحدى الصعاب.

قبل كتابة هذا المقال، كنت آمل في العثورعلى بيانات محلية وعالمية حول سبب عدم وجود المزيد من المتخصصين في طب الأسنان من الصمأوضعاف السمع. كنت أشعر بالفضول لمعرفة الأسباب. والنتيجة الواضحة من بحثي هي أن أطباء الأسنان الصم أو ضعاف السمع هم الأكثر ندرة. وسألت الكثير من أصدقائي الأطباء عن الأسباب، فقالوا : "لم نلتق مطلقًا بطبيب أسنان يعاني من الصمم.. بسبب التحديات التي تقف حائلا دون اقتحامهم هذا المجال، أهمهاارتداء الطبيب القناع وعدم القدرة على قراءة الشفاه حيث تنعدم القدرة على التواصل مع المريض وجها لوجه، إضافة إلى الضوضاءالصادرة عن المعدات المستخدمة في عيادات الأسنان والتي تسبب إزعاجاً غير محتمل لهذه الفئة".

لذلك، ربما اعتقد البعض أن إسراء كانت "تشطح" بطموحها لرغبتها في أن تصبح طبيبة أسنان لأن التحديات كثيرة بلاشك وربما تتضاعفعند ارتداء القناع. 

هناك فرق بين "الاستماع" و"الفهم". يكون الفهم أكثر تعقيدًا حيث يكون السمع مجرد تعرفٍ على الأصوات والنغمات المختلفة. قد تكون آذانفاقدي وضعاف السمع قادرة على التقاط الأصوات، لكن هذا لا يعني أنهم يفهمون ما قيل بالكامل. عادة ما يواجه الشخص المصاب بفقدانالسمع تحديات في فهم الكلام. ويملأ هذا الضعف بقراءة الشفاه. ويمكن أن يؤثر فقدان السمع على كل جانب من جوانب عمله. لكنَّ إسراء التي نشأت وهي تعاني من فقدان السمع أعطاها ذلك تميزاً ونظرة فريدة للحياة. وكانت على ثقة بأنها "تستطيع"، بل وستحدثتأثيرًا إيجابيًا على حياة مرضى هذه الإعاقة وغيرها من الإعاقات. كما أدركت مبكراً أنها ستواجه تحدياتٍ في حياتها اليومية بسبب فقدان السمع. وتسلّحت بالعزيمة والتصميم مع تشجيع والديها والمؤمنين بها من مدرسيها وبفضلهم تجاوزت بإيجابية تحديات سوء الفهم والتمييزوالتنمر خلال مراحلها التعليمية وقيامها بالأنشطة الأساسية، والتي لم تنته بالتخرجبل تبعتها في مهنتها، وفي كافة أنشطةحياتها. 

الأصعب في هذا الأمرأنها تحدياتٍ ليست مسئولة عنها ومع ذلك قاومتها وتخلصت من الحرج الذي قد يشعر به الكثيرون تجاهإعاقتهم، بقبول حالها والرضا عن نفسها. وقد واجهت مواقف لم يكن فيها الآخرون على استعداد لبذل الجهد المطلوب وكانت تنظر إلى ذلك على أنها خسارتهم لوحدهم!

إسراء تمارس حاليا مهنتها بكل ثقة ونجاح وتميز حيث لديها عيادتها الخاصة منذ عام 2014 فى مدينة الشروق. ليسذلك فحسب، إسراء عضوة فى البرنامج الرئاسى، ومن سفراء مبادرة حياة كريمة، علاوة على هذا فهي أديبة تعانقالأحاسيس الإنسانية الجياشة ونشرت مجموعة قصصية بعنوان "من الخيال". والأهم أنها صنعت حالة من الرضا والطموح والفخر لدى كل أسرة لديها طفل من ذوي الهمم، لأنهم يتطلعون إلى تكرار ما صنعته إسراء وأسرتها وقهرت به المستحيل!

[email protected]  

تابع موقع تحيا مصر علي