عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفة السلامي تكتب: جريمة جديدة والإرهاب الفكري ليس بريئا منها!

ألفة السلامي
ألفة السلامي

دماء زكية نزفت من سلمى بهجت طالبة الإعلام ومن قلوب المصريين بعد أن قتلها زميلها بـ17 طعنة لتتحول من جديد إلى قضية رأي عام هزّت مصر والدنيا بأسرها، وتنفتح "المكلمة" كالعادة لكن دون استخلاص العبر والوقوف على الدروس من جريمة مقتل نيرة أشرف، فتتكرر في أقل من شهرين. هل ننتظر مجدداً بعض "أدعياء الدين" وكعادتهم ليدلوا بدلوهم عن سلوك الفتاة الضحية مادامت "امرأة"؟ لكن القدرَ هذه المرة وكأنه يودُّ أن يُخرسَ ألسنة المتنطعين على الدين، لأنّ المغدور بها محجبة وليست سافرة مثل نيرة، ولأن الجريمة "عمياء" لا تُميّز  بين حجاب سلمى فتاة الشرقية أو خصلاتِ شعر نيرة فتاة المنصورة، بل يسكنُ التمييزُ أدمغةَ أدعياء الدين، وتُرتكب الجرائم مرارا وتكرارا والإرهابُ الفكريُّ ليس بريئا منها. 

ألفة السلامي تكتب: جريمة جديدة والإرهاب الفكري ليس بريئا منها! 


لقد سكتَ المجتمع سابقا- بل كبار رموزه أيضاً إلا أفراداً يعدون على أصابع اليد- عن بعض الشيوخ الذين انصرفوا تماما عن سبب الجريمة السابقة في المنصورة، كما لم يوقفهم أو يردعهم قانون عندما أرسلوا برسائل إرهابية فجة لفتيات مصر وطالبوا بخروجهن في "قفة ولا متفصلة ولا الشعر على الخدود" وإذا بالجريمة تتكرر في الزقازيق.. فهل من سكوت بعد اليوم؟! 

تحيا مصر
مقتل سلمى يتطابق مع مشهد قتل نيرة، فالقاتلان يهيمان عشقاً بهما وهما ترفضان هذا الحب وتصدانه، ليكون الفرق الوحيد بين المشهدين أن سلمى محجبة بينما نيرة سافرة الشعر.. كان حرياً بأولئك الشيوخ أن ينصحوا الفتيات بالإنسياق لحب وعشق الشباب حتى لا يلقين نفس المآل وهو تسديد الطعنات لهنّ حتى لقاء ربهن؛ فماذا سيقول دعاة الفكر الإرهابي والترهيبي للفتاة سلمى المحجبة رحمها الله.. لبست "القفة" وسترت جسدها ولم يكن شعرها على الخدود، مع ذلك لم تسلم!! فهل سيبحثون هذه المرة عن وسائل أخرى لإثبات الإدانة لسلمى بعد أن تبث أن التقديس للحجاب مجرد زيف لم ينجّها من القتل.. لأنّ الحجاب - بل "القفة" - هي التي تغطي عقول الأدعياء وليست جسد الضحيتين! 

ألفة السلامي تكتب: جريمة جديدة والإرهاب الفكري ليس بريئا منها! 


لقد كانت سلمى رمزاً للنجاح والتميز والعفة والفضيلة.. وكانت نيرة أيضاً كذلك رغم تشكيك المشككين، لكنْ ماذا تفعل الفضيلة فيمن يفتقرها من المجرمين والمحرّضين، وكيف يمكنُ تبرير رد الفعل الإجرامي يا دعاة "القفف- جمع قفة"؟! سلمي مثل نيرة، ومثل ألف غيرهما، ستتكرَّرُ معهنَّ الجريمة الشنعاء ولن يستيقظ المجتمع من صدمته أو سباته إذا لم يحدث تغيير حقيقيّ في سلوك المجتمع ومفاهيمه، ليس فقط للردع والعقاب، بل للتربية والأخلاق والقيم التي تنهارُ داخل العائلات والغابة التي تسود في الشوارع؛ عندما أذكر وغيري وصف الغابة التي أصبحنا فيها يهبُّ من "يسخّفُ" ويشكّكُ تحت دعاوي "كله تمام" و"بلاش مبالغات" وكأننا مجاذيب نكلم أنفسنا ونتوهم الدنيا كغابة في خيالنا المريض ومطلوب منا أن نسكت إزاء من يتحرش بغير المحجبة ومن يستبيح حرمة المرأة المسيحية وحتى من يقتل فتاة لا تبادله الحبّ!

ألفة السلامي تكتب: جريمة جديدة والإرهاب الفكري ليس بريئا منها! 

 أتساءل عن حال أمهات الشيوخ "دعاة القفة" ونساء مصر في السبعينيات من القرن الماضي، قبل بدء زحف الإرهاب الفكري المنظّم، فلم يكنّ محجبات ومع ذلك لم يتعرضّن للتحرش والتنكيل والقتل! إن الإسلام والديانات السماوية والقوانين الوضعية والقيم الإنسانية ترفض الاعتداء على الآخرين وقتلهم ذكورا وإناثا وتدعو إلى السلم الاجتماعي والسلوك القويم وتقدير المرأة وتبجيلها أمّا وأختا وزوجة وزميلة ومواطنة وحمايتها من عادات الجاهلية والنظرة الدونية وممارسة العنف ضدها، وحمايتها أيضا ممن يرتدون عباءة الدين ويشوهون تعاليمه ويحرضون على قتلها من خلال بثّ أفكارهم السامة في المجتمعات الآمنة، دون رادع أوعقوبة حتى بعد أن وجهوا اللوم للضحية، وكأنها السبب وراء جريمة قتلها. 

 


كلمة أخيرة: إذا كانت الدنيا قد أصبحت غابة فنحتاج فقط أن نعرف الحقيقة لنتعامل على ضوئها حتى نحمي بناتنا وأنفسنا وليستمر الأدعياء في قفّتهم. رحم الله سلمى بهجت ورحم الله نيّرة أشرف وربط بالصبر على قلوب أبويهما وأصدقائهما.. وعزّز هذا الوطن وانتشله من سباته فالمشوار طويل وشاقّ أمامه لانتزاع نصل الإرهاب الفكري والجريمة الاجتماعية والتلوث السامّ من عقول الناس وهي مهمة أكثر صعوبة من القضاء على جماعات الإرهاب المسلحة.
 

تابع موقع تحيا مصر علي