من حيثيات الحكم.. قضية الإيجار القديم ظلت أمام «الدستورية» 26 سنة قبل الفصل فيها.. الحكومة طالبت بثبات الأجرة.. والمحكمة انتصر لقيمة العدل
ADVERTISEMENT
من حيثيات الحكم.. قضية الإيجار القديم ظلت أمام «الدستورية» 26 سنة قبل الفصل فيها.. الحكومة طالب بثبات الأجرة.. والمحكمة انتصر لقيمة العدل
ظلت دعوى الإيجار القديم أمام المحكمة الدستورية، لأكثر من 26 سنة حيث أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى في فبراير 1998 قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعد دستورية نص المادتين 1 و 5 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في شهر فبراير 1998.
وقدمت المحكمة الدستورية حيثيات حكمها بعدم دستورية ثبات الأجرة، مستندًا إلى دستور 2014، حيث إن الدستور القائم لم يأت بما يخالف ما أورده المدعي في خصوص المبادئ الدستورية الحاكمة للدعوى المعروضة، ومن ثم تكون المواد (۲) و ۷ و ۳۲) و ٣٤) من دستور ۱۹۷۱ ، تقابلها المواد (۲) و ۸) و (٣٥) من دستور ٢٠١٤.
المحكمة الدستورية تستند للشريعة الإسلامية في حكم الإيجار القديم
وذكرت أن الأصل في الشريعة الإسلامية - في مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تبديل فيها أن الأموال جميعها مردها إلى الله تعالى، أنشأها وبسطها، وإليه معادها ومرجعها، مستخلفًا فيها عباده الذين عهد إليهم بعمارة الأرض، وجعلهم مسئولين عما في أيديهم من الأموال لا يبددونها أو يستخدمونها إضرارًا، يقول تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، وليس ذلك إلا نهيا عن الولوغ بها في الباطل، وتكليفا لولي الأمر بأن يعمل على تنظيمها بما يحقق المقاصد الشرعية المتوخاة منها، وهي مقاصد ينافيها أن يكون إنفاق الأموال وإدارتها عبثًا أو إسرافًا أو عدوانًا، أو متخذا طرائق تناقض مصالح الجماعة أو تخل بحقوق للغير أولى بالاعتبار. وكان لولي الأمر - صونا للملكية من تبديد عناصرها أن يعمل من خلال التنظيم التشريعي على ألا يكون نهبا لآخرين يلحقون بأصحابها ضررًا بغير حق أو يوسعون من الدائرة التي يمتد الضرر إليها، ليكون دفع الضرر قدر الإمكان لازما، فإذا تزاحم ضرران كان تحمل أهونهما واجبًا اتقاء الأعظمهما، وكلما كان الضرر بينا أو فاحشا كان رده متعينا، بعد أن جاوز الحدود التي يمكن أن يكون فيها مقبولا.
وأشارت إلى أن الدستور قد حرص في المادة (٤) منه على كفالة العدل، باعتباره أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وكانت العدالة في غاياتها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تنفصل علاقتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلا لأهدافها، فإذا زاغ ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التي تحتضنها، كان منهيا للتوافق في مجال تنفيذه، ومسقطا كل قيمة لوجوده، ومستوجبا تغييره أو إلغاءه.
ونوهت حيثيات الحكم بأن ما نص عليه الدستور في المادة الثامنة من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم، ليكون بعضهم لبعض ظهيرا، فلا يتفرقون بددا، أو يتناحرون طمعًا، أو يتنابذون بغيًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها،ولا يملكون التنصل منها أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها عدوانًا - أكثر علوا، وإنما تتضافر جهودهم وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها
الأمن والاستقرار .
وذكر أن العدالة الاجتماعية وإن كانت من القيم التي تبناها الدستور، إلا أن مفهومها لا يناقض بالضرورة حق الملكية، ولا يجوز أن يكون عاصفا بفحواه وعلى الأخص في نطاق العلائق الإيجارية التي تستمد مشروعيتها الدستورية من التوازن في الحقوق التي كفلها المشرع الأطرافها ؛ ذلك أن الملكية بما يتفرع عنها من الحقوق - ينبغي أن تخلص لأصحابها، فلا ينقض المشرع على أحد عناصرها، ليقيم بنيانها على غير القواعد التي تتهيأ بها لوظيفتها الاجتماعية أسبابها. ولئن جاز القول بأن لكل حق وظيفة يعمل في إطارها ليتحدد مداه على ضوئها، فإن لكل حق كذلك - دائرة لا يجوز اغتيالها حتى يظل الانتفاع به ممكنا. وكلما فرض المشرع على الحق قيودا جائرة تنال من جدواه، فلا يكون بها إلا هشيما، فإن التذرع
بأن لهذه القيود دوافعها من وظيفته الاجتماعية يكون لغوا.
الدستور أعلى دور الملكية الخاصة
وحيث إن الدستور إعلاء من جهته لدور الملكية الخاصة، وتوكيدا لإسهامها في صون الأمن الاجتماعي - كفل حمايتها لكل فرد - وطنيا كان أم أجنبيا - ولم يُجز المساس بها إلا على سبيل الاستثناء، وفي الحدود التي يقتضيها تنظيمها، باعتبارها عائدة في الأغلب الأعم من الأحوال إلى جهد صاحبها؛ بذل من أجلها الوقت والعرق والمال، وحرص بالعمل المتواصل على إنمائها، وأحاطها بما قدره ضروريا لصونها، معبدا بها الطريق إلى التقدم كافلا للتنمية أهم أدواتها، محققا من خلالها إرادة الإقدام هاجعًا إليها لتوفر ظروفًا أفضل لحرية الاختيار والتقرير، مطمئنا في كنفها إلى يومه وغده، مهيمنا عليها ليختص دون غيره بثمارها ومنتجاتها وملحقاتها .
وحيث إن السياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تقوم على عناصر متجانسة، فإن قامت على عناصر متنافرة نجم عن ذلك افتقاد الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها لانعدام الرابطة المنطقية بينهما، تقديرًا بأن الأصل في النصوص التشريعية في الدولة القانونية - هو ارتباطها عقلا بأهدافها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصودا لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق تلك الأهداف؛ ومن ثم يتعين دائما استظهار ما إذا كان النص المطعون فيه يلتزم إطارا منطقيا للدائرة التي يعمل فيها، كافلا من خلالها تناغم الأغراض التي يستهدفها، أو متهادمًا مع مقاصده أو مجاوزا لها، ومناهضا - من ثم - لمبدأ خضوع الدولة للقانون المنصوص عليه في المادة (٩٤) من الدستور.
وحيث إن السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق لازمها أن يفاضل بين بدائل متعددة مرجحًا من بينها ما يراه أكفل بتحقيق المصالح المشروعة التي قصد إلى حمايتها، إلا أن الحدود التي يبلغها هذا التنظيم لا يجوز بحال أن ينفلت مداها إلى ما يُعد سلبًا للملكية من أصحابها، سواء من خلال العدوان عليها بما يفقدها قيمتها، أو اقتلاع المزايا التي تنتجها، أو تهميشها، أو تعطيل بعض جوانبها.
وحيث إنه ولئن صح القول بأن مواجهة أزمة الإسكان والحد من غلوائها اقتضى أن تكون التشريعات الاستثنائية الصادرة دفعا لها مترامية في زمن تطبيقها، فإنه يتعين النظر إليها دوما بأنها تشريعات طابعها التأقيت مهما استطال أمدها، وأنها لا تمثل حلا دائمًا ونهائيا للمشكلات المترتبة على هذه الأزمة، بل يتعين دومامراجعتها من أجل تحقيق التكافؤ بين مصالح أطراف العلاقة الإيجارية، فلا يميل ميزانها في اتجاه مناقض لطبيعتها إلا بقدر الظروف التي أملت وجودها.
وحيث إن المشرع قد حرص في القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ على تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر تنظيمًا تشريعيا أمرًا بنصوص راعت - حسب ما أوردته المذكرة الإيضاحية للقانون، وتقرير اللجنة المشتركة من لجنة الإسكان والمرافق والتعمير، ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية - علاج القصور الذي كشف عنه التطبيق العملي للقانون رقم ٤٩ لسنة ۱۹۷۷ ، ومنه إعادة التوازن في العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر بما استحدثته من قواعد في شأن تحديد الأجرة، مخالفا التنظيم القانوني المعمول به بالقانونين رقمي ٥٢ لسنة ١٩٦٩، و ٤٩ لسنة ۱۹۷۷ ، إذ فضلاً عما جرت عليه قوانين الإيجار الاستثنائية من عدم خضوع الأراضي الفضاء وعقود الإيجار المفروشة لقواعد تحديد الأجرة استبعد أيضًا من هذه القواعد الإسكان الفاخر، والأماكن المستغلة لغير أغراض السكني المنشأة اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون، قاصرًا هذه القواعد على الأماكن المستغلة لأغراض السكنى جاعلا تحديد أجرتها معقودًا للمالك على ضوء أسس التكاليف المنصوص عليها بالفقرتين الأوليين من المادتين (۱) و (۲) من القانون ذاته، فإذا لم يوافق المستأجر على هذا التحديد يكون له أن يلجأ إلى لجنة تحديد الأجرة طعنًا على هذا التقدير، بمراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المادتين (۲) و ٥) منه.
وحيث إن البين من استصفاء الأحكام الآمرة في القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى التي لم يخرج عليها القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ السالف البيان انطواؤها على خصيصتين رئيسيتين؛ أولاهما : الامتداد القانوني لعقود إيجار هذه الأماكن، والأخرى التدخل التشريعي في تحديد أجرتها، وكلتاهما لا تستعصي على التنظيم التشريعي، ولا يُعدحكمها مطلقا من كل قيد، فالامتداد القانوني لعقود الإيجار المار ذكرها حدد نطاقا بفئات المستفيدين من حكمه دون سواهم، فلا يفيد منه غير المخاطبين به، أما تحديد أجرة هذه الأماكن فلئن انتظمه النصان اللذان تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة، وما يرتبط بهما من نصوص أخرى، فإن تحديد أجرة هذه المباني يتعين دوما أن يتساند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، فلا يمتنع المشرع عن التدخل فيمكن المؤجر من فرض قيمة إيجارية سمتها الغلو والشطط استغلالاً لحاجة المستأجر في أن يأوي إلى مسكن يعتصم به وذووه، تلبية لحاجة توجبها الكرامة الإنسانية، أو يهدر عائد استثمار الأموال التي أنفقت في قيمة الأرض والمباني المقامة عليها بثبات أجرتها، بخسا لذلك العائد، فيحيله عدمًا، بل يكون بين الأمرين قوامًا.
المحكمة تنتصر لقيمة العدل
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المشرع - بمقتضى النصين اللذين تحدد بهما نطاق الدعوى المعروضة - قد حظر زيادة الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بالقانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ على %۷% من قيمة الأرض والمباني، وثبت عائد استثمارها بتقدير قيمة الأرض، وفقًا لثمن المثل عند الترخيص بالبناء وقيمة المباني وفقا للتكلفة الفعلية وقت البناء - بحسب الأصل ، فإنه بذلك يكون قد حاد عن الأهداف التي غاير بسببها فلسفة تحديد الأجرة في قوانين الإيجار السابقة على القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ السالف البيان، ذلك أنه ولئن صح القول بأن أسس تحديد أجرة الأماكن المؤجرة لأغراض السكنى يدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع في تشريعات الإيجار ذات الطابع الاستثنائي، فإن الصحيح كذلك أن ربط أجرة هذه الأماكن بالتاريخ المحدد بنص الفقرة الأولى من المادة (۲) من القانون المشار إليه، مؤداه ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمن ثباتًا لا يزايله مضي عدة عقود على التاريخ الذي تحددت فيه، كلما امتدت العلاقة الإيجارية بقوة القانون، ولا يؤثر فيه زيادة معدلات التضخم مهما بلغت نسبتها، ولا يزحزحه نقصان القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية، وإن اضمحل عائد استثمار الأعيان المؤجرة بما يدنيه من العدم؛ الأمر الذي يشكل عدوانا واضحًا على قيمة العدل، وإخلالا ظاهرا بمقتضيات التضامن الاجتماعي، وإهدارًا أكيدًا لحق الملكية الخاصة المتعين صونها، وافتئاتا غير مبرر على مبدأ خضوع الدولة للقانون، بما يوقع هذين النصين في حماة مخالفة المواد (٤) و ) و (٣٥ و ٩٤) من الدستور.
عدم دستورية المادتين
وذكر الحكم أنه: "حيث إن المحكمة بعد أن انتهت إلى عدم دستورية النصين اللذين تحدد بهما نطاق هذه الدعوى، وتقديرًا منها لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار من بين البدائل المتاحة ما يتناسب مع الدراسات والبيانات الإحصائية التي يتطلبها تشريع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن المرخص بإقامتها لأغراض السكني الخاضعة لأحكام القانون رقم ١٣٦ لسنة ۱۹۸۱ السالف البيان، فإن المحكمة تعمل الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (٤٩) من قانونها الصادر بالقانون رقم ٤٨ لسنة ۱۹۷۹ المعدل بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ١٦٨ لسنة ۱۹۹۸، وتحدد اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي العادي الحالي المجلس النواب تاريخا لإعمال أثر هذا الحكم، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي
في الدعوى المعروضة منه".