ياسر حمدي يكتب: بعد إغتيال نصر الله.. مَن بعد لبنان؟
ADVERTISEMENT
تسارعت وتيرة الأحداث في المنطقة، وإسرائيل تنتهج سياسة الاغتيالات، وهي بداية مرحلة جديدة في الصراع، واستهداف الشهيد حسن نصر الله وعدد كبير من قيادات حزب الله أول أمس هو استكمال لسلسلة اغتيالات تزايدت منذ اندلاع حرب غزه لقيادات إيرانية وفلسطينية ولبنانية، وتوقيت تنفيذ الاغتيالات مختار بعناية، لأنه لم يكن أي منهم بمنأى عن استهدافهم من قبل.
على الرغم من الاختلاف الايدولوجي فيما بيني وبين نصر الله وحزب الله إلا أنه كان شوكة في ظهر حكومة الإحتلال، ولم ننسى أنه كبد الصهاينة خسائر مادية وبشرية فادحة، وعلى رأي المثل «عدو عدوي حبيبي»، وبصراحة لا شماتة في الموت، وليس مطلوباً أن تكون معجباً بالقتيل، ولكن المطلوب أن لا تكون معجباً بالقاتل السفاح.
وعند التطرق إلى الحروب التي أوقدتها الحكومة الإسرائيلية، في غزة ولبنان والضفة الغربية، واستفزازها دولًا عربية عدة، وتجاهلها كل الشرائع والقوانين، ونرجسيتها، التي تحاول فرضها على العالم، نستحضر الذهنية المتطرفة، التي تسيطر عليها، وتيارها اليميني، الذي يلوي نصوصًا توراتية، أو يستخدم مبادئ وضعها منظرو الحركة الصهيونية قبل تأسيس إسرائيل لتنفيذ المخططات التوسعية والدموية.
في بادئ الحرب بعد السابع من أكتوبر الماضي، ظهر رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، بخطاب أسّس لإبادة جماعية بذكره نصًّا توراتيًّا لتأليب الرأي العام الإسرائيلي، وحشده لمصلحته؛ إذ قال بالنص: «يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم»، و«العماليق» بعقيدته، هم شر محض وعدو لدود يجب قتلهم جميعًا، نساء وأطفال وماشية، وهذا ما كان بالفعل في غزة بقتل عشرات الآلاف، ثم في لبنان الذي قتل فيه خلال ساعات قليلة ما يزيد على 700 شخص، جزء كبير منهم من النساء والأطفال، من دون أي وازع أخلاقي، أو رادع قانوني؛ وذلك لأن ثمة قناعات متجذرة في عقلية اليمين الإسرائيلي المتطرف بأن ذلك «قمة العدل»، وأن الدم المسفوح لا بد منه لبقائهم، وهذا ما واظبوا عليه طوال أكثر من سبعة عقود.
حكومة نتنياهو، وهي خليط من أعتى المتطرفين، تتمسك أيضًا بمبادئ زيف جابوتنسكي، كاتب مقال «الجدار الحديدي»، عام 1923، الذي وضع فيه أسس التعامل مع العرب، مبرزًا أن القوة وحدها هي ما يحافظ على تماسك الدولة الموعودة، وهي السبيل لإجبار المحيط على القبول بها وخشيتها، وأن الاستيطان لا يمكن أن يستمر إلا تحت حماية قوة مستقلة عن السكان الأصليين (الفلسطينيين). وهذا ما تكرّسه إسرائيل، اليوم، عبر تدميرها غزة، والبدء بعملية شاملة في لبنان، والتهامها الضفة، وتهويدها للقدس والمسجد الأقصى، واستفزازها للمحيط كله.
إسرائيل لا تهدف إلى استعادة الردع الذي فقدته في السابع من أكتوبر فحسب؛ بل تطمح إلى أبعد من ذلك، عبر حسم ملفات كانت تشكل عقبات كبيرة أمامها، وهي ضم (يهودا والسامرة)، أي الضفة التي تشكل صلب عقيدتهم، ثم بناء الهيكل في الأقصى، والتوسع تحت حجج حفظ الأمن شمالًا بإتجاه لبنان إلى نهر الليطاني، حتى إنه لا تخفى تهديدات التيارات اليمينية للدول المجاورة، وقد عبّر عن ذلك رجل الأعمال الإسرائيلي روني مزراحي، المقرب من نتنياهو، بالقول: «ما نفعله في لبنان، اليوم، قادرون على فعله في الأردن. الأردن قادم بعد لبنان».
لا أمن لأي أحد بوجود هذه العقلية التدميرية في إسرائيل لأنه بعد لبنان، يمكن أن تتجه إلى زعزعة استقرار دول أخرى، وهو ما يُحتم على الجميع كبح جماح نتنياهو وعصابته كي لا يُقال: «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».. حفظ الله مصر وشعبها وحفظ الله فلسطين وشعبها وحفظ الله لبنان وشعبها وجميع الدول العربية.