العراق في مفترق طرق.. هل تفتح التعديلات القانونية الباب لتشريع زواج الأطفال؟
ADVERTISEMENT
أثار مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 جدلاً كبيراً في العراق، حيث ركزت الخلافات على قضايا متعددة تشمل سن الزواج وتسجيل العقود في المحاكم والمرجعية القانونية لحل النزاعات الزوجية. يعتبر هذا القانون أحد الركائز الأساسية التي تنظّم العلاقات الأسرية في البلاد، ويُنظر إليه كإطار قانوني يحافظ على التوازن بين التقاليد الشرعية والحقوق المدنية.
من بين أبرز التعديلات التي أثارت الجدل، اقتراح لخفض سن الزواج للإناث وتسهيل إتمام عقد الزواج خارج المحكمة. وقد أدى هذا الاقتراح إلى انقسام شديد في المجتمع العراقي، حيث يعتبر البعض أن هذه التعديلات ستفتح الباب أمام تشريع زواج الأطفال تحت غطاء القانون، في حين يرى آخرون أنها تأتي استجابة للتنوع الديني والمذهبي في البلاد.
ردود فعل المجتمع العراقي في الداخل والخارج
أثار المقترح غضبًا واسعًا بين النشطاء المدنيين ومنظمات حقوق الإنسان داخل العراق وخارجه. في ندوة نظمها منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي، عبّر المشاركون عن قلقهم العميق تجاه التعديلات المقترحة. وقد أشار الناشط مخلد القره غولي، خريج كلية القانون بجامعة غرب سيدني، إلى أن "العراق قريب جداً من تشريع زواج الأطفال"، مؤكدًا أن التعديلات المطروحة تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
بدوره، اعتبر منتدى الجامعيين العراقي الأسترالي أن هذه التعديلات ما هي إلا "قرار سياسي طائفي" تسعى بعض الكتل البرلمانية المتنفذة إلى تمريره، مؤكدًا أن التعديلات المقترحة قد تتسبب في الإخلال بالدستور العراقي وتضعف من وحدة النسيج الاجتماعي في البلاد. وحذر المنتدى من أن إقرار هذه التعديلات قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية ويقوض حقوق المرأة والطفل التي يكفلها الدستور.
النقاشات البرلمانية: دعم من رجال الدين ومعارضة مدنية
يبدو أن المقترح يحظى بدعم بعض النواب ورجال الدين، الذين يرون في هذه التعديلات وسيلة لتلبية احتياجات المجتمع العراقي المتعدد المذاهب. ويرى المدافعون عن التعديلات أن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الحرية الدينية وتمكين المواطنين من اختيار النظام القانوني الذي يناسب معتقداتهم الدينية والمذهبية.
ورغم الدعم الذي يحظى به المشروع من بعض الجهات، فإنه يواجه معارضة شرسة من المجتمع المدني العراقي الذي يعتقد أن هذه التعديلات ستفتح الباب أمام زواج القاصرات وستجعل من الصعب تطبيق القوانين التي تحمي حقوق النساء والأطفال.
نقاط الجدل الأساسية في التعديلات المقترحة
يرتكز الجدل حول ثلاث نقاط رئيسية في التعديلات المطروحة. أولاً، إضافة فقرة إلى المادة الثانية من القانون تمنح العراقيين الحق في اختيار تطبيق المذهب الشيعي أو السني على مسائل الأحوال الشخصية. ثانيًا، إلغاء الفقرة الخامسة من المادة العاشرة التي تجرّم عقد الزواج خارج المحكمة، مما قد يؤدي إلى انتشار حالات الزواج غير المسجلة رسميًا. ثالثًا، تمنح التعديلات المحاكم صلاحية التصديق على عقود الزواج المبرمة وفق التخويل الشرعي من ديواني الوقفين الشيعي والسني، وهو ما يثير قلقًا بشأن تسييس هذه العقود.
الأثر المحتمل للتعديلات على حقوق المرأة والطفل
من المتوقع أن يكون لهذه التعديلات تأثيرات كبيرة على حقوق المرأة والطفل في العراق. فالتسهيل في إجراءات الزواج، خصوصًا بالنسبة للقاصرات، قد يؤدي إلى زيادة في حالات زواج الأطفال، مما يعرض الفتيات القاصرات لمخاطر اجتماعية واقتصادية. كما أن إلغاء عقوبة الزواج خارج المحكمة قد يقلل من دور المؤسسات القانونية في حماية الحقوق المدنية للنساء.
من جهتها، ترى المنظمات الحقوقية أن تمرير هذه التعديلات سيشكل انتهاكًا صارخًا للدستور العراقي والمعاهدات الدولية التي تضمن حقوق المرأة والطفل. ويرى معارضو التعديلات أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مزيد من التمييز ضد المرأة وتعزيز السلطة الذكورية في المجتمع.
المستقبل القانوني للتعديلات
مع استمرار النقاشات داخل البرلمان العراقي وخارجه، يبقى مستقبل هذه التعديلات غير مؤكد. ففي حال تمريرها، قد تؤدي إلى تغييرات جوهرية في المجتمع العراقي، مع تأثيرات بعيدة المدى على الحياة الأسرية والحقوق المدنية. وحتى لو فشلت التعديلات في الحصول على الدعم الكافي داخل البرلمان، فإن النقاش حولها يعكس التوترات العميقة بين القوى المدنية والدينية في البلاد.