حكم طواف الحائض .. سعد الدين الهلالي: جائز.. وجمهور الفقهاء: لا يجوز
ADVERTISEMENT
ما حكم طواف الحائض ؟ لا يشترط في مناسك الحج الطهارة إلا في الطواف؛ فمن شروط صحة الطواف الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ورأى الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أنه يجوز للحائض الطواف حول الكعبة.
وقالت دار الإفتاء، إنه إذا حاضت المرأة قبل طواف العمرة أو الإفاضة فإن لها أن تتحين وقت انقطاع دمها خلال الحيض، أو تأخذ دواءً يمنع نزول الدم بما يسع زمن الطواف، ثم تغتسل وتطوف في فترة النقاء، ولا شيء عليها، فإن لم تفعل ولم ينقطع دمها ولم يمكنها الانتظار حتى تطهر فلها أن تطوف بعد أن تشد على نفسها ما تأمن به مِن تلويث الحرم، ولا إثم عليها؛ لأنها معذورة، ولحديث عطاء قال: "حاضت امرأةٌ وهي تطوف مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فأتمَّت بها عائشةُ بقيةَ طوافِها" ذكره ابن حزم في "المحلَّى".
وأضافت: ويستحبُّ لها في هذه الحالة -الثانية- أن تذبح بدنة، ويجوز الاكتفاء بذبح شاة، فإن شقَّ عليها ذلك فلا حرج عليها ألَّا تذبح أصلًا؛ أخذًا بما ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها وجماعة من السلف، واختار هذا الرأي مَن قال مِن الفقهاء إن الطهارة للطواف سُنَّةٌ أو واجبٌ تسقط المؤاخذة به عند العذر.
حكم اشتراط الطهارة من الحيض والنفاس للطواف
الطهارة من الحيض والنفاس شرط لصحة الطواف دون السعي عند جمهور الفقهاء؛ مستدلين بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها السابق ذكرُه؛ فإن فيه نهيًا للحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل، والنهيُ في العبادات يقتضي الفساد، ولذلك يبطل الطواف لو فعلَتْه.
وخالف في اشتراط الطهارة للطواف جماعةٌ مِن الفقهاء؛ فحملوا النهي في الحديث على الحالة المعتادة التي تستطيع فيها الحائض الانتظار حتى تطهر وتطوف، لا على حال الضرورة، وجعلوا الطهارة في الطواف واجبًا لا شرطًا، وهو مذهب الحنفية، وقول عند الحنابلة، ومنهم مَن جعلها سُنَّة، وهو مذهب جماعة مِن التابعين، وقول عند الحنفية والمالكية والحنابلة.
فتُحْرِم الحائض أو النفساء بالحج أو بالعمرة من ميقات إحرامها وتنتظر على مذهب الجماهير حتى تطهر؛ سواء أتاها الحيض قبل الإحرام أم أثناءه أم بعده وقبل الطواف، فإذا طهرت اغتسلت ثم طافت وسعت من غير أن تحرم مرة أخرى من الحِلِّ.
فإن تخلل حيضها فترة انقطع فيها الدم، أو استعملت دواءً فانقطع دمُها جاز لها الاغتسال والطواف، وطوافها صحيح حتى لو رجع إليها الدم بعد ذلك وكانت في مدة الحيض؛ على ما عليه المالكية والحنابلة مِن أن النقاءَ في الحيض طُهْر، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، ويُعرَف بقول "التلفيق"، ورجحه جماعة من الشافعية، وهو مذهب الإمام الحسن بن أبي الحسن البصري.
فإن تأخر طهرُها ولم ينقطع دمُ حيضها وخافت فوات الرُّفقة، وتعذر عليها الانتظارُ حتى تطهر فالذي يقتضيه مذهب مَن يرى الطهارة شرطًا في الطواف أنها تتحلل من إحرامها كالمُحصَر، وتذبح إن لم تكن قد اشترطت إحلالها إذا حُبِسَتْ، ويبقى الطواف في ذمتها ولو بعد سنين، وبعضهم يوجب عليها المكث بمكة حتى تطهر فتطوف، ولا يخفى ما في ذلك كلِّه مِن العسر والمشقة، سيَّما إذا نأتِ الديار وبَعُدَت الشُّقَّةُ، أو ضاق الحالُ وعزَّت النفقة، وقد أصبح الحج كالفرصة التي يندر تكرارها لعامَّة الناس.
ما عليه الفتوى في طواف الحائض والنفساء
والذي عليه جماهير المحققين وكثيرٌ مِن فقهاء المذاهب وعليه العمل والفتوى: صحَّةُ طوافِها حالَ حيضها حينئذٍ؛ لأن "المشقة تجلب التيسير"، و"إذا ضاق الأمر اتسع".
ثم منهم مَن يُلزِمُها بشاة عن طواف العمرة وبدنة عن طواف الإفاضة في الحج، وهم الحنفية في المعتمد؛ بناءً على أن ترك الطهارة يُجْبَرُ بدمٍ؛ لأنها مِن واجبات الطواف لا مِن شروطه، ويروي الحنفية هذا القولَ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وذكره الإمام أبو يعقوب الأبيوردي وجهًا في مذهب الشافعي في طواف الوداع، وإن لم يعتمده الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، ونص المالكية على تقليده، وأن الأخذ به هو مقتضَى يسر الدين، ونص الشافعية على أنه هو الأحوط.
ومنهم مَن لا يُلزمها بدمٍ أصلًا:
1- إمَّا لأنها معذورة؛ كما هو مرويٌّ عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد نقله عنها عطاء بن أبي رباح وهو أعلم التابعين بالمناسك، وهو مقتضى قول عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي في تصحيحهما الطواف إذا حاضت المرأة أثناءه، وقول الحكم بن عُتَيْبة، وحماد بن أبي سليمان، ومنصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش؛ كما نقله عنهم إمام المحدِّثين شعبة بن الحجَّاج، وهو المُفتَى به عند السادة المالكية تخريجًا على ما رواه البصريون عن الإمام مالك في جعله طواف القدوم بدلًا عن طواف الإفاضة لمن سافر لبلده ونسيه، وهو مرويٌّ عن الإمام أحمد، واختاره الشيخ ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الحنبليان وبعض أئمة الحنابلة.
2- وإما لأن الطهارة في الطواف سنة لا واجب؛ وهو قول الإمام محمد بن شُجَاع الثلجي مِن أئمة الحنفية، وقول الإمام المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي؛ فقيه أهل المدينة بعد الإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد. غير أنَّ مِن الفقهاء مَن لا يجعل القولَ بسُنِّيَّة الطهارة مسقطًا للزوم الدم.
هل يجوز الطواف إذا وقعت في حرج شديد ومشقة بالغة
أما إذا وقعت في حرج شديد ومشقة بالغة، ولم تتمكن من امتثال الأصل الواجب، فقد اختلف الفقهاء في الرخصة المتاحة لهذه الحالة على مذاهب:
أولا: مذهب الشافعية
قالوا: إن خشيت التخلف عن رفقتها لنحو فقد نفقة، أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، فإذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة - وقد قال بعض العلماء إنه مسافة القصر- تحللت تحلل المحصر بالذبح والتقصير مع نية التحلل، ويبقى الطواف في ذمتها، فإن عادت إلى مكة ولو بعد زمن طويل طافت، وهو معتمد المذهب. ثم قالوا: الأحوط لها أن تقلد مذهب أبي حنيفة في المسألة. لأنها على مذهبهم لم يتم حجها أو عمرتها، ولم تؤد فريضتها.
جاء في كتاب [تحفة المحتاج 4 / 74]: "ولو طرأ حيضها قبل طواف الركن، ولم يمكنها التخلف، لنحو فقد نفقة، أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر، ويبقى الطواف في ذمتها، والأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها".
وجاء في كتاب [حاشية البجيرمي على الخطيب 1 / 362]: "فالمرأة الحائض تصبر حتى ينقطع حيضها، ثم تتطهر وتطوف، فإن خافت التخلف عن الرفقة خرجت معهم إلى محل لا يمكن عودها له، ثم تتحلل كالحصر أي بذبح فحلق مع النية، وإذا عادت إلى مكة ولو بعد مدة مديدة طافت بلا إحرام".
ثانيا: مذهب الحنفية
قالوا بأن الحائض إذا شدت نفسها وتحفظت، وطافت بالبيت، كان طوافها حراماً وفيه معصية، ولكنها تتحلل به من إحرامها، وعليها ذبح بدنة.
جاء في كتاب [البحر الرائق شرح كنز الدقائق 1 / 207]: "يمنع الحيض الطواف بالبيت، وكذا الجنابة؛ لما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت بسرف: (اقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) فكان طوافها حراماً، ولو فعلته كانت عاصية معاقبة، وتتحلل به من إحرامها بطواف الزيارة، وعليها بدنة، كطواف الجنب. وعلل للمنع صاحب الهداية بأن الطواف في المسجد، وكان الأولى عدم الاقتصار على هذا التعليل فإن حرمة الطواف جنباً ليس منظورا فيه إلى دخول المسجد بالذات، بل لأن الطهارة واجبة في الطواف، فلو لم يكن ثمة مسجد حرم عليها الطواف، كذا في فتح القدير وغيره.
وقد يقال: إن حرمة الطواف عليها إنما هي لأجل كونه في المسجد، وأما إذا لم يكن الطواف في المسجد بل خارجه فإنه مكروه كراهة تحريم؛ لما عرف من أن الطهارة له واجبة على الصحيح، فتركها يوجب كراهة التحريم، ولا يوجب التحريم، إلا ترك الفرض. ولو حاضت بعدما دخلت وجب عليها أن لا تطوف وحرم مكثها كما صرحوا به".
ثالثا: مذهب المالكية
قالوا بأن للمرأة الحائض أن تطوف أثناء الطهر المتخلل للحيض؛ لأن الطهر المتخلل للحيض يعد طهراً عندهم، وهو معتمد مذهب المالكية، وقال به بعض الشافعية على غير معتمد المذهب عندهم.
جاء في كتاب [شرح مختصر خليل للخرشي 2 / 343] - نقلا عن القاضي عياض-: "إنها في مثل هذا الزمن الذي لا يمكنها السير إلا مع الركب تصير كالمحصر بالعدو، أي: فلها التحلل بنحر هدي، أو ذبح يجزئ ضحية.
وهذا كله حيث لم ينقطع عنها الدم أصلاً، أو انقطع بعض يوم، وعلمت أنه يأتيها قبل انقضاء وقت الصلاة؛ لأن حكمها حكم الحائض، إذ هو يوم حيض، فلا يصح طوافها بل تتحلل.
وأما إن انقطع عنها يوماً، وعلمت أنه لا يعود قبل انقضاء وقت الصلاة، أو لم تعلم بعوده، ولا بعدمه، فيصح طوافها؛ لأن المذهب أن النقاء أيام التقطع طهر فيصح طوافها في هاتين الحالتين". وللتوسع في حكم "الملفقة" ينظر: "مدونة الفقه المالكي" للصادق الغرياني (1/206)
رابعا: مذهب الحنابلة
ورد عن الإمام أحمد رواية في طواف الحائض أنه يصح، وأنها تجبره بدم. جاء في كتاب [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1/ 348]: " في الصحيح من المذهب: أن الحائض تمنع من الطواف مطلقا. ولا يصح منها. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم.
وعنه: يصح، وتجبره بدم، وهو ظاهر كلام القاضي.
واختار الشيخ تقي الدين جوازه لها عند الضرورة. ولا دم عليها".
ومما نقل عن عطاء في ذلك: أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف، فإنها تتم طوافها. وهذا صريح من عطاء: أن الطهارة من الحيض ليست شرطاً، وقوله مما اعتد به أحمد، وقد ذكر حديث عائشة، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) متفق عليه، يبين أنه أمر بليت به نزل عليها ليس مِن قِبَلها، فهي معذورة في ذلك؛ ولهذا تعذر إذا حاضت وهي معتكفة، فلا يبطل اعتكافها، بل تقيم في رحبة المسجد، وإن اضطرت إلى المقام في المسجد أقامت به.
وكذلك إذا حاضت في صوم الشهرين لم ينقطع التتابع باتفاق العلماء. وهذا يقتضي أنها تشهد المناسك بلا كراهة، وتشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة، وتدعو وتذكر الله، والجنب يكره له ذلك لأنه قادر على الطهارة. وهذه عاجزة عنها، فهي معذورة.
كما عذرها من جوز لها القراءة، بخلاف الجنب الذي يمكنه الطهارة، فالحائض أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة، فإن ذلك يمكنه الطهارة، وهذه تعجز عن الطهارة، وعذرها بالعجز، والضرورة أولى من عذر الجنب بالنسيان، فإن الناسي لما أمر بها في الصلاة يؤمر بها إذا ذكرها، وكذلك من نسي الطهارة للصلاة، فعليه أن يتطهر ويصلي إذا ذكر، بخلاف العاجز عن الشرط، مثل: من يعجز عن الطهارة بالماء فإنها تسقط عنه، وكذلك العاجز عن سائر أركان الصلاة، كالعاجز عن القراءة، والقيام، وعن تكميل الركوع والسجود، وعن استقبال القبلة، فإن هذا يسقط عنه كل ما عجز عنه، ولم يوجب الله على أحد ما يعجز عنه، ولا سقط عنها الطواف الذي تعذر عليه بعجزها عما هو ركن فيه، أو واجب كما في الصلاة وغيرها، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) رواه البخاري.
وهذه لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت الله ما استطاعت، فليس عليها غير ذلك، ومعلوم أن الذي طاف على غير طهارة متعمداً آثم، وقد ذكر أحمد القولين: هل عليه دم، أم يرجع فيطوف، وذكر النزاع في ذلك، وكلامه يبين في أن توقفه في الطائف على غير طهارة يتناول الحائض والجنب، مع التعمد، ويبين أن الناسي أهون بكثير، والعاجز عن الطهارة أعذر من الناسي.