حكم حج الطفل الصغير وهل يسقط عنه الفريضة؟ الإفتاء تجيب
ADVERTISEMENT
ما حكم حج الطفل الصغير ؟ الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، و أفادت دار الإفتاء بأن حج الصبي لا يُغنِي عن حج الفريضة، لأن شرط العبادة المفروضة التكليف، والصبي غير مكلَّف.
حكم حج الطفل الصغير
قالت دار الإفتاء، إنه اتفق الفقهاء على شروطٍ يلزم توافرها في المسلم لوجوب فريضة الحج عليه، ومن هذه الشروط: بلوغ سن التكليف؛ فإن اختل شرط البلوغ سقط عنه الفرض؛ كما قال الإمام ابن القطان في "الإقناع" (1/ 247، ط. الفاروق الحديثة)، والإمام ابن قدامة في "المغني" واشتراط البلوغ في وجوب الحج على الإنسان لا يمنع حج الصغير إذا أداه من غير أن يكون ذلك واجبًا عليه، وهذا محل اتفاق بين العلماء، ولا عبرة بمَن خالفهم؛ لما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه"، من حديث السائب بن يزيد رضي الله عنهما قال: "حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ".
واستدلت دار الإفتاء، بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَلَبَّيْنَا عَنِ الصِّبْيَانِ، وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ" أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والإمام أحمد في "المسند"، وابن ماجه والبيهقي في "السنن".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي ركبًا بِالرَّوْحَاءِ، فقال: «مَنِ الْقَوْمُ؟» قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللهِ»، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (4/ 441، ط. دار الوفاء): [لا خلاف بين أئمة العلم في جواز الحج بالصبيان]. ..وقال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (9/ 99، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه حُجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء: أنَّ حج الصبي منعقدٌ صحيحٌ يُثاب عليه وإن كان لا يجزيه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعًا].
انعقاد الحج للصغير ووقوعه عنه
أما عن انعقاد الحج للصغير ووقوعه عنه: فقد نص جماهير الفقهاء؛ من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم وغيرهم، إلى أن حج الصغير صحيحٌ منعقدٌ؛ يُثاب عليه شرعًا، ويقع عنه تطوعًا، بل ولو كان رضيعًا؛ كما هو المشهور في مذهب المالكية، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة، ويُحْرِمُ عنه وليه حال عدم تمييزه، ويؤدي عنه المناسك كلها، فإن كان مُمَيِّزًا أحرم عن نفسه بإذن وليه -كما في مسألتنا-، وأدى عن نفسه ما استطاع من المناسك، فإن عجز عن شيءٍ منها قام بها وليه عنه.
وذكر القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة": [فصل في حج الصغير: الصغير له حج].. وقال شهاب الدين القرافي المالكي في "الذخيرة" (3/ 297، ط. دار الغرب الإسلامي): [حج الصبي وفيه فصلان: الأول: في أفعاله وفي "الجواهر" للولي أن يُحْرِم عن الصبي الذي لا يميز ويحضره المواقيت فيحصل الحج للصبي نفلًا، والمميز يُحْرِم بإذن الولي ويباشر لنفسه].
وقال شمس الدين الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 475، ط. دار الفكر): [(فَيُحْرِمُ وليٌّ عن رضيعٍ، وَجُرِّدَ قُرْبَ الحرم) ش: يعني فبسبب أنه لا يشترط في صحة الحج والعمرة إلا الإسلام؛ صح الإحرام بالحج والعمرة عن الصبي ولو كان رضيعًا؛ لأنه محكوم له بالإسلام، وكذلك المجنون المطبق، وهذا هو مذهب "المدونة"، وهو المشهور في المذهب] … وقال الإمام الرافعي الشافعي في "فتح العزيز" (7/ 420، ط. دار الفكر): [حج الصبي صحيح].
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 22، ط. المنيرية): [قال الشافعي والأصحاب: لا يجب الحج على الصبي، ويصح منه؛ سواء في الصورتين: الصغير؛ كابن يوم، والمراهق، ثم إن كان مميزًا أحرم بنفسه بإذن وليه، ويصح بلا خلاف].. وقال موفَّق الدين ابن قدامة الحنبلي [ت: 620هـ] في "الكافي" (1/ 467، ط. دار الكتب العلمية): [وحج الصبي صحيح] .. وقال في "المغني" (3/ 241): [وجملة ذلك أن الصبي يصح حجه، فإن كان مميزًا أحرم بإذن وليه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه؛ فيصير محرمًا بذلك، وبه قال مالك، والشافعي، وروي عن عطاء، والنخعي] .
حج الصبي المُمَيِّز صحيحٌ منعقدٌ
وأما الحنفية: فوافقوا الجمهور في أن حج الصبي المُمَيِّز صحيحٌ منعقدٌ؛ يُثاب عليه شرعًا، ويقع عنه تطوعًا إذا أحرم بإذن وليه.
وأما الصبي غير المُمَيِّز: فاختلفوا فيه؛ فذهب جمهور مشايخ الحنفية: إلى صحة حجه وانعقاده، واختار علاء الدين الكاساني القولَ بعدم صحة حجه، وجَمَعَ بعضُ محققي المذهب بين القولين؛ فحملوا قولَ مَن أجاز صحة حجه وانعقاده على ما إذا أحرم عنه وليه، وحملوا قول الثاني: على ما إذا أحرم الصبي بنفسه؛ لأن عدم التمييز لا يتأتَّى معه نيةُ الإحرام بالنُّسك.
قال علاء الدين الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 160، ط. دار الكتب العلمية): [لا يجوز أداء الحج من المجنون والصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما، فأما البلوغ والحرية فليسا من شرائط الجواز، فيجوز حج الصبي العاقل بإذن وليه].
وقال العلامة الشلبي الحنفي في "حاشيته على تبيين الحقائق" (2/ 5، ط. الأميرية): [اعلم أن مقتضى القياس: أن يكون التمييز والعقل من شروط الصحة أيضًا، لكن ثبت في "صحيح مسلم" وغيره: أن امرأةً رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيًّا، وقالت ألهذا حج؟ قال: «نَعَمْ، وَلَكَ أَجْرٌ» فلا جَرَمَ إنْ قال مشايخنا رحمهم الله بصحة حجة الصبي ولو كان غير مميز، وكذا بصحة حج المجنون، ويُحْرِمُ عنهما الأب؛ يعني: ومَن بمثابته] .
وقال العلامة ابن عابدين في "رد المحتار" (2/ 459، ط. دار الفكر): [ذكر في "البدائع": أنه لا يجوز أداء الحج من مجنونٍ وصبيٍّ لا يَعقل، كما لا يجب عليهما اهـ. ونقل غيرُه صحة حجهما، ووفق في "شرح اللباب" بالفرق بين مَن له بعضُ إدراكٍ وغيره. قلت: وفيه نظرٌ، بل التوفيق بحمل الأول على أدائهما بنفسهما، والثاني على فعل الولي؛ ففي "الولوالجية" وغيرها: الصبي يحج به أبوه، وكذا المجنون؛ لأن إحرامه عنهما وهما عاجزان كإحرامهما بنفسهما].
وقال في "منحة الخالق على البحر الرائق" (2/ 334-335، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(قوله: ولا على صبي إلخ) أي: لا يجب عليه أيضًا، فلو حج وهو مميز بنفسه أو غير مميز بإحرامِ وليه فهو نفل، وأما غير العاقل فاختلف فيه؛ ففي "البدائع": ولا يجوز أداء الحج من المجنون والصبي الذي لا يعقل كما لا يجب عليهما، وقال ابن أمير حاج: قال مشايخنا وغيرهم بصحة حج الصبي ولو كان غير مميز، وكذا بصحة حج المجنون اهـ. وينبغي الجمع بينهما بحمل الأول على مجنونٍ ليس له قابلية النية في الإحرام؛ كالصبي الذي لا يعقل، والثاني على الذي له بعض الإدراكات الشرعية وعلى صحة حج الصبي الغير المميز إذا ناب عنه وليُّه في النية؛ كذا في شرح "لباب المناسك" لمنلا علي القاري. أقول: الْمُتَعَيِّنُ حمل ما في "البدائع" على أداء المجنون والصبي بنفسهما بلا ولي، وحمل ما نقله ابن أمير حاج على ما إذا أحرم عنهما وليهما] .
صحة جواز حج الصغير مطلقًا
وأفادت دار الإفتاء أن المختار للفتوى: هو صحة جواز حج الصغير مطلقًا، ووقوعه عنه تطوعًا؛ من غير تقييد بسنٍّ معينةٍ أو تفرقة بين كونه مُمَيِّزًا أو غير مُمَيِّز؛ كما هو مذهب جماهير الفقهاء، ويحرم عنه وليه إن كان غير مميز، ويأذن له إن كان مميزًا.
هل الحج قبل سن البلوغ يسقط الفريضة
قالت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، إنه في حال قام الإنسان بأداء شعائر الحج في صغره - قبل البلوغ-، هو حج صحيح ، لكنه من قبيل التطوع، وعليه لا يُسقط الفريضة.
وأوضحت «البحوث الإسلامية» في إجابتها عن سؤال: «قمت بأداء شعائر الحج مع أمي وأبي عندما كنت صغيرًا، فهل تسقط عني فريضة الحج؟»، أن البلوغ شرط وجوب وإجزاء، فلا يجب الحج على الصبي لكنه لو حج صح حجه وكان تطوعًا، فإذا بلغ وجب عليه حجة الفريضة، بإجماع العلماء.
وتابعت: وذلك لأنه أدى ما لم يجب عليه، فلا يكفيه عن الحج الواجب بعد البلوغ، فإذا حج الصبي فإن كان مميزًا أحرم بنفسه، وإن لم يكن مميزًا أحرم عنه وليُّه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وبعض الحنفية، وجماهير العلماء من السلف والخلف.
وأضافت أن الدليل على صحة حج الصبي: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: رفعت امرأة صبيا لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر، والدليل على أنه لا يجزئه عن حجة الإسلام: ما روى ابن عباس قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: «ومن حج وهو صغير ثم بلغ؛ فعليه حجة أخرى» .