عاجل
السبت 02 نوفمبر 2024 الموافق 30 ربيع الثاني 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

علي جمعة: معرفة أسباب النزول تفيد في فهم النص القرآني فهما صحيحا

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة - عضو هيئة كبار علماء الأزهر

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب: إن معرفة أسباب النزول تفيد في الوقوف على المعنى كاملا وتعين على فهم النص القرآني فهما صحيحا، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195].

فإنا نقف على بيان معنى التهلكة إذا رجعنا إلى حديث أبي عمران التجيبي أنه قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا: سبحان الله, يلقي بنفسه إلى التهلكة؟! فقام أبو أيوب الأنصاري فقال: أيها الناس إنكم لتؤولون هذه الآية هذا التأويل، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز الله الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يرد علينا ما قلناه (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو. (أبو داود 3/12) أي الغزو المراد منه الدعوة إلى الخير وصد العدوان.

إزالة الإشكال الذي يمكن أن يحدثه ظاهر النص

وأوضح مفتي الجمهورية السابق، أن من فوائد معرفة أسباب النزول أيضا: أنه يزيل الإشكال الذي يمكن أن يحدثه ظاهر النص القرآني، ومن ذلك ما جاء عن مروان بن الحكم انه قال لبوابه: اذهب إلى ابن عباس فقل له: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون.

ويقصد مروان قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) [آل عمران:188] فقال ابن عباس: مالكم ولهذه الآية، إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود وسألهم عن شيء فكتموه إياه واخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم. (البخاري).

دفع توهم أن يكون النص قد حصر الحكم في الإفراد

وتابع عضو هيئة كبار علماء الأزهر، أن من فوائد معرفة أسباب النزول كذلك: أنه يدفع توهم أن يكون النص قد حصر الحكم في الإفراد التي ذكرها، فقوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ) [الأنعام:145] ظاهره يفيد حصر المحرمات من الأطعمة في هذه الأصناف الأربعة، ولكن بالعودة إلى سبب نزول هذه الآية تبين أن الحصر متوهم، فقد ذكر الشافعي أن الآية نزلت لترد على المشركين حين أحلوا ما حرم الله وحرموا ما أحل الله فناقضوا الشريعة، فأراد البيان الإلهي أن يرد عليهم مناقضتهم فنزلت الآية، وكأنه يقول فيها: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه والغرض من ذلك المضادة لا النفي ولا الإثبات على الحقيقة. (البرهان).

والحاصل أن قواعد الفهم السليم اقتضت أن يستعان بسبب النزول -الذي هو من السنة- في بيان النص القرآني المعجز والوقوف على المعنى الكامل والصحيح للآيات.

تابع موقع تحيا مصر علي