عاجل
الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

علي جمعة: الغنى والابتلاء بالفقر اختبار للإنسان بين الشكر والصبر

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة - عضو هيئة كبار علماء الأزهر

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب: إن الله تبارك وتعالى يقول في سورة الإسراء: «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا»، وفي هاتين الآيتين نجد أن الله جل وعلا قد أمرنا بالوسطية: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»، هذه الوسطية وتلك الشهادة تحتاج إلي دُربة وتحتاج إلي بناء نفسي في علاقة الإنسان مع نفسه.

الإنسان إذا كان بخيلا يكون خانقا لنفسه ولمن حوله

وأوضح مفتي الجمهورية السابق، أن هذا التصوير البليغ {لَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً} والذى لم يقف عند هذا الحد بل إنه يقول {مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِ} فهو يشير بذلك إلي أن غل اليد يؤدي إلي الإختناق؛ لأن اليد إذا ما وضعت علي العنق وأخذت في الضغط فإن في إستمرار هذا الضغط إختناق، وعلي ذلك فالإنسان إذا ما كان بخيلاً يكون خانقاً لنفسه وخانقاً لمن حوله، وهي حالة ينبغي عليه أن يتخلص منها، ولكن لا يكون ذلك بفعل متطرف يوقعه في التبذير.

فلقد نهينا عن التبذير كما نهينا عن الشح، {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} نُهينا عن الشح وجعل الله سبحانه وتعالي من صفات المتقين أن يتقي الإنسان شح نفسه: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} كما نهي أن نبسط هذه اليد كل البسط حتي لا تنتهي الموارد في النهاية ويقف الإنسان عاجزاً، وكم رأينا في حياتنا من الأفراد ومن العائلات الكبيرة الغنية ومن المجتمعات التي كانت تملأ الأرض ثراءً ،وجدناها وقد كر عليها الفقر بناءاً علي وضع الأموال في غير مواضعها، أي نتيجة للسفاهة الفردية أو الإجتماعية أو الجماعية التي تبناها الإنسان فأخذ يصرف بطريقة مبذرة سفيهه نهي الله سبحانه وتعالي عنها.

الله يبسط الرزق لعباده ويقدر

وتابع عضو هيئة كبار علماء الأزهر: وفي قول الله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ»، وبعض الناس يتعلل قائلا: (إن الرزاق هو الله) وأيضاً (إصرف ما في الجيب يأتيك مافي الغيب) وهذه الأمثال تمثل ثقافة وعقلية سائدة، لكن الله سبحانه وتعالي ينبه أنه كما يبسط الرزق لعباده فإنه يقدر عليهم أيضاً أي يضيق عليهم، ويجعل هذا مرتبطاً بمشيئته سبحانه أي بأمر غيبي ليس من عالم الشهادة، ولكن في عالم الشهادة نسعي لتحصيل الأرزاق، ونسعي لصرف هذه الأرزاق في مواردها وأبوابها التي شرعها الله لنا بإعتدال، أوجب علينا الإعتذار للناس بقول حسن إذا ما هم ضغطوا علينا في هذا التبذير.

فنحن أمرنا ألا يكون لنا عادة في هذا التبذير، وكل ذلك فيه بناء نفسي للإنسان: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي ويضيق أيضاً {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} فبعض العباد يصلحهم الغني، وبعض العباد يصلحهم الفقر لأنه يطغي إذا ما أغتني، وبعض العباد يكفر إذا ما أفتقر، وربنا سبحانه وتعالي وهو يعطي نعمة الغني أو إبتلاء الفقر فإنه يختبر الإنسان بين الشكر وبين الصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». وبذلك فإنه إذا ما تعلق قلب المؤمن بالله ولله وفي الله فإنه يكون في هذا العجب الذي تعجب منه سيدنا رسول الله ﷺ .

تابع موقع تحيا مصر علي