علي جمعة: العاقل خصيم نفسه.. وهو الذي يلتفت إلى العلامات ويعود إلى ربه
ADVERTISEMENT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب: إن هناك بعض المنبهات التي نبهنا الله إليها في الكون وفي الآفاق وفي الأنفس وفي التاريخ، وهذه المنبهات هي علامات يُستدل بها على ما وراءها.
الإنسان ينبغي أن يخلع نفسه من العصيان
وأوضح مفتي الجمهورية السابق، أن هذه المنبهات قد تتعلق بالإنسان؛ فهو يُولد صغيرًا لا يعلم شيئا، ثم يشُب ويصبح بعد ذلك شديد القوى، ثم يعمر «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ»، وعندما يبدأ الشيب في الرأس والهشاشة في العظام؛ فإنها تنبه الإنسان على أنه ينبغي أن يخلع نفسه من العصيان؛ وأن يستعد ليوم الرحيل ويقدم في هذا الدنيا ما أراده الله منه.
يقول الله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، وبلوغ الإنسان الأربعين هي علامة من العلامات ومنبه من المنبهات تجعل العاقل يعود إلى ربه.
الزلازل من المنبهات التي تذكر بيوم القيامة
وأشار عضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إلى أن وهن العظم وهشاشته وخط الشيب في الرأس علامة من العلامات ومنبه من المنبهات لعل الإنسان أن يرتدع وأن يعود، وكذلك المرض بعد الصحة منبه من المنبهات يوقظ هذا وذاك من أجل أن يعود إلى ربه.
والله تعالى جعل الزلازل من المنبهات، حتى يعود الناس إلى ربهم ويتذكروا الزلزال الأكبر: «إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا»؛ كأنه يحدث نفسه ولا يخاطبها «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا»، فالزلازل من المنبهات الغرض منها في الكون أن تعود إلى الله ،وأن تتذكر أن هذه الدنيا فانية ،وأنه يمكن أن تنتهي الحياة في أي لحظة ،فإذا تذكرت ذلك هانت عليك الدنيا واستحضرت الموت أمام عينيك.
يقول تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ»، وبعد ما بلغ أحدنا أشده ماذا يكون؟ «وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى»، وهو قد بلغ أشده وفي عز الشباب «وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ»، يذكرنا ربنا بالقيامة ويذكرنا «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ» ويذكرنا بأنه قد خلقنا أطوارا، ويذكرنا سبحانه وتعالى بتلك العلامات وأنه قد أنشأ في الكون علامات وأنشأ في النفس علامات «وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ».
العاقل خصيم نفسه
وأوضح رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب ، أن الله تعالى جعل العلامات في السماوات: «وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ»، والقمر يظهر هلالاً ويتم بدرًا وينقص بعد ذلك إلى أن يكون هلالاً، وكل ذلك جعله الله علامات للبدء والتوسط والانتهاء: «{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ».
ويقول أبو البقاء الروندي عندما يرى الأندلس تنهار؛ بعد أن وصلت إلى قمتها تنحط كما ينحط البدر في السماء إلى أن يصير هلالاً:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ * فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ * مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
إذن في الكون وفي الآفاق وفي أنفسكم وفي التاريخ منبهات وعلامات تزيد من إيمانكم، وتنزع الخوف من قلوبكم، وهي منبهات تهون عليكم أمر الدنيا، وتنزعكم نزعًا من العصيان إلى طاعة الرحمن، والعاقل خصيم نفسه.. العاقل هو الذي يلتفت إلى العلامات ويعود إلى ربه.