عاجل
الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

هل يجوز للمرأة ترك أولادها والذهاب إلى العمرة؟.. دار الإفتاء تجيب

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، يقول السائل فيه: ما حكم الذهاب للعمرة لمن لا تجد مَن يعتني بأطفالها؟ حيث أرغب في الذهاب للعمرة وعندي القدرة المالية لكن لا أجد مَن يعتني بأطفالي في وقت سفري؛ خاصة أن أحدهم ما زال في مدة الرضاع، ويصعب عليَّ اصطحابهم معي لصغر أعمارهم، فهل عليَّ إثم إن تخلفتُ عن العمرة في هذا العام، وهل الأفضل لي السفر أو البقاء لرعاية أولادي؟

أحكام الشريعة الإسلامية

وحول هذا أوضحت دار الإفتاء، أن أحكام الشريعة الإسلامية جاءت موافقة لما عليه طبيعة النفس الإنسانية من حبِّ التطلع والترقي والرغبة في الوصول لأكمل الأحوال وأفضل المقامات، خاصة إذا كان ذلك متعلقًا بطاعة الله تعالى وموصِّلًا إلى محبته ومرضاته، فَوَضَعَتْ لأجل ذلك القواعد المنضبطة التي تتفاضل بها الطاعات والقربات إلى الله تعالى؛ بحيث يلزم تقديم أفضلها إذا ما تعارض مع غيرها في إمكان الفعل أو في اتساع الوقت.

ومن الأمور الحاصلة والمتكررة التي يتعذر أن يجمع فيها المسلم بين طاعتين مأمورٌ بهما، ما جاء في مسألتنا من كون السائلة ترغب من السفر لأداء عبادة العمرة، مع تحتم قيامهما برعاية أولادها في حال عدم وجود مَن يقوم برعايتهم غيرها خاصة إذا كان أحدهم في سِنِّ الرضاع؛ فتتردد الأم آنذاك بين ما يلزمها من الرعاية لأطفالها، وبين ما تتوق إليه نفسها من الزيارة وتحصيل أجر عبادة العمرة.

وللوقوف على مسوغات الترجيح بينهما وتقديم أحد الأمرين على الآخر؛ يلزم بيان حكمهما ومنزلتهما بين العبادات.

حكم العمرة

وأكدت دار الإفتاء، أن العمرة شعيرة من شعائر الإسلام، حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القيام بها، وبيان فضلها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ سيدنا رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ» متفقٌ عليه.

وقد اختلف الفقهاء في حكم العمرة إلى قولين:

القول الأول: أنها سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، وذهب إلى ذلك الفقهاء من الحنفية والمالكية، واستدلوا على القول بسنيتها؛ بقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، فهذه الآية هي ممَّا استدل به على فرضية الحج، وقد اقتصرت عليه، ولم تنص على فرضية العمرة، ولو كانت فرضًا لشملتها الآية بالذكر.

واستدلوا أيضًا بما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم سُئِلَ عن العمرة، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ، أخرجه الترمذي في "السنن"، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

هل العمرة فرض كالحج؟

والقول الثاني، من أقوال الفقهاء في حكم العمرة: أن العمرة فرض كالحج، يأثم المسلم بتركها حال تحقق الاستطاعة عليها، وذهب إلى ذلك الفقهاء من الشافعية في الصحيح عندهم، والحنابلة، وهو المروي عن جماعة من الصحابة والتابعين، كعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وطاوس وعطاء وابن المسيب، واستدلوا على القول بفرضيتها بقوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196].

وأجاب أصحاب القول بالسنية على ما أورده مَن قال بالفرضية من دليل بأن الأمر بالإتمام الوارد في قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ﴾ يصحّ أن يحمل على وجوب إتمامهما بعد الشروع في أيٍّ منهما، ويصح أن يحمل على بداية الشروع فيهما، ولا يترجح أحد الأمرين على الآخر إلا بدليل، علاوة على أن إلزام العبد بإتمام عمل، قد أوجبه على نفسه بالشروع فيه، لا يلزم منه أن ابتداء الدخول والشروع فيه كان فرضًا عليه في الأصل.

والمختار للفتوى في حكم العمرة: أنها من السنن المؤكدة التي لا ينبغي أن يتركها المسلم حال تحقق القدرة والاستطاعة عليها.

بيان حكم رعاية الأم لأولادها

وتابعت دار الإفتاء: وأما رعاية الأم لأولادها فهي من الأمور الواجبة عليها شرعًا، بجامع كونها مسؤولة عنهم، والإنسان لا يُسئل إلا عما يجب عليه فعله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» متفقٌ عليه.

وتتحتم عليها هذه الرعاية وتتعين إذا لم يوجد مَن يقوم بها غيرها، بحيث تأثم إذا تعمدتِ التقصير أو الإهمال في ذلك؛ لما قد يؤول إليه من تضرر الأولاد أو هلاكهم؛ كما في حال الطفل الرضيع الذي يعتمد في غذائه على أمه.

ترجيح قيام الأم برعاية أولادها على العمرة

وأكدت دار الإفتاء، أنه إذا ما تعارضت رعاية الأم لأولادها مع غيرها من الطاعات لزم حينئذٍ تقديم رعاية الأولاد والقيام بها، لعدة معانٍ معتبرة:

الأول: أن القيام بالواجب مقدمٌ على التطوع، ورعاية الأم لأولادها في حال تحقق الحاجة إلى ذلك واجب عليها، والعمرة مندرجة تحت السُّنِّية رغم تأكدها على المختار في الفتوى.

والثاني: أن القيام بما يتعدى نفعه للغير مقدمٌ على ما يقتصر نفعه دون الغير، ورعاية الأطفال يتعدى نفعه إليهم وإلى الأسرة ثم إلى المجتمع كله، والعمرة يقتصر نفعها على خصوص المرأة المعتمرة، وقد تواردت نصوص الفقهاء على أن العبادة المتعدية أفضل من القاصرة، ومن نازع منهم في ذلك لم يختلف في أن التفاضل بين الطاعات إنما يكون على قدر المصالح الناشئة عنها.

ولا يخفى هنا ما في رعاية الأولاد من تعدي المنفعة -رغم أنها واجبة والعمرة سُنّةٌ للمستطيع؛ كما سبق- مع كون عبادة العمرة منفعتها قاصرة على مَن يقوم بها.

والثالث: أن القيام بالعمرة حق لله تعالى، ورعاية الأطفال والحفاظ عليهم حق لهم وحق للمجتمع، وقد تقرر أن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله مبنية على المسامحة، فيلزم من ذلك تقديم حقوق العباد عند التعارض على ما يمكن إرجاؤه من العبادات.

والرابع: أن القيام بالعمرة غير مقيد بوقت دون وقت، فيمكن تأخيرها، ورعاية الأم لأولادها مقيدة بوقت، خاصة في وقت الصِّغر والضعف والحاجة الحقيقية لوجودها معهم، إلى حين استقلالهم عنها وتمكنها من تركهم دونها دون تخوف أو قلق عليهم، ومن المقرر أنه يقدم من الواجبات ما يضيق وقته على ما يتسع وقته.

هذا، وينضاف إلى ذلك أن القيام بالعمرة -سواء على القول بفرضيتها أو سنيتها- مشروط بتحقق الاستطاعة والقدرة عليها، كما هو الحال في الحج، والاستطاعة كما تشمل توفر الأسباب من المال والقدرة البدنية على السفر والقيام بالمناسك، تشمل أيضًا انتفاء الموانع؛ وهي كلُّ ما يمنع العبد من السفر وأداء العبادة من الأمور المعتبرة شرعًا كأمن الطريق أو تكفله برعاية مَن هم في مسؤوليته كوالديه أو أولاده؛ خاصة إذا لم يجد مَن ينوب عنه بهذه الرعاية من أهل الثقة؛ وذلك كي لا يكون المكلف في قيامه بالحج أو العمرة محسنًا من وجه، ومسيئًا من وجوه أخر، مع إمكان الانتظار لحين ارتفاع ذلك المانع عنه، فيزول عنه وصف الإساءة.

رعاية الأم لأولادها واجبة

واختتمت دار الإفتاء: بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه ينبغي على الأم القيام برعاية أولادها والبقاء معهم ما دام لا يوجد مَن يقوم بهذه الرعاية لهم في حال تغيبها عنهم؛ وبخاصة مع وجود طفل في سن الرضاع، ويحتاج لمزيد رعاية وعناية خاصة، ولا حرج على الأم في تأخير القيام بالعمرة إلى الوقت الذي تتمكن فيه من السفر وهي مطمئنة على أولادها؛ إذ القيام بشعيرة العمرة غير مقيد بوقت دون وقت، والقيام برعاية الأولاد مقرون ومقيد بحاجتهم لذلك.

تابع موقع تحيا مصر علي